معركة الباغوز السورية: أنفاق وألغام "داعش" تعيق "قسد"

06 مارس 2019
تفضّل "قسد" استمرار القصف لإنهاك "داعش" (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال بلدة الباغوز في شرقي سورية تتصدر المشهد السوري، إذ تقف "قوات سورية الديمقراطية" التي يدعمها التحالف الدولي عاجزة عن حسم المعارك التي بدأت منذ أكثر من شهر في محيطها، على الرغم من القصف الجوي والمدفعي الذي يتوقف أحياناً من أجل خروج مدنيين أو مسلحين من تنظيم "داعش" من البلدة مقابل أسرى أو مختطفين لدى التنظيم الذي يبدو أنه استعد لمعركته الأخيرة في منطقة شرقي الفرات السورية. وكان من المتوقع ألا يطول أمد المعركة الأخيرة مع تنظيم "داعش"، ولكن مسلحي هذا التنظيم صمدوا أمام الهجمات المتلاحقة والقصف الجوي والمدفعي، واتخذوا من الأسرى ورقة تفاوض أتاحت لهم إخراج مدنيين محاصرين وبعض عائلات المسلحين.

وجرت، أمس الثلاثاء، اشتباكات محدودة بين تنظيم "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة بقوات من التحالف الدولي، في محاور الجبهات الثلاث في الجيب الأخير للتنظيم في بلدة الباغوز بعد هدنة استمرت لساعات، خرج بموجبها عدد من المدنيين وعائلات لعناصر "داعش" مقابل أسرى ومختطفين لدى التنظيم. وأشارت شبكة "فرات بوست" المحلية، أمس، إلى استمرار خروج العائلات من مخيم بلدة الباغوز، بالتزامن مع انخفاض وتيرة الاشتباكات وبقاء الممر الآمن مفتوحاً أمام الراغبين بالخروج باتجاه المناطق التي تسيطر عليها "قسد".
وقبل ذلك، كانت نحو 30 سيارة تقل مدنيين قد خرجت من الباغوز، وضمّت نساء وأطفالاً، إضافة إلى نحو 500 رجل يُعتقد أنهم من مقاتلي "داعش" الأجانب. وتم جمعهم بعد خروجهم في نقطة تبعد نحو عشرة كيلومترات عن البلدة، حيث جرى تسجيل أسمائهم وأخذ بصماتهم وتصوير أوراقهم الثبوتية. وتنوّعت جنسيات الخارجين من آخر معقل لتنظيم "داعش" في شرقي الفرات، فيما علمت "العربي الجديد" من الخارجين من الباغوز أن هناك المزيد من المدنيين ما زالوا في البلدة المحاصرة. وقالت إحدى النساء الخارجات، وهي مصابة وتستقل دراجة مع طفلها، لـ"العربي الجديد": "عشنا الجوع والقصف" في البلدة.

من جهته، قال القيادي في فصيل "جيش الثوار" التابع لـ"قسد"، أحمد السلطان، إن أكثر من 150 عنصراً من تنظيم "داعش" سلموا أنفسهم، الإثنين، إلى "جيش الثوار" ومجلس منبج العسكري التابع هو الآخر لـ"سورية الديمقراطية". وأضاف على حسابه الرسمي في "فيسبوك"، أن أكثر من ألف شخص، بين امرأة وطفل ومصاب من عوائل عناصر التنظيم، سلموا أنفسهم أيضاً لـ"قسد"، مشيراً إلى أن عدد الخارجين خلال الهدنة وصل إلى نحو 1600 شخص.

وكشف خارجون حديثاً من مخيم بلدة الباغوز أن تنظيم "داعش" يفرض مبالغ مالية على المدنيين الراغبين بمغادرة البلدة إلى مناطق سيطرة "قسد". وكانت هذه القوات قد علّقت، مساء الأحد، العمليات العسكرية لإجلاء من بقي من المدنيين وجرحى التنظيم. وعرضت على مواقعها في مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع تظهر وصول عائلات، معظم أفرادها من الأطفال والنساء، ليتم نقلها بعد ذلك إلى مخيم الهول في ريف الحسكة.


ووفقاً لمصادر "العربي الجديد"، يوجد حالياً داخل الباغوز المئات من المدنيين المحاصرين مع مقاتلي "داعش" يرفضون الخروج أو إجراء أي تسوية، في حين غاب أثر قياديين بارزين في تنظيم "داعش"، من دون أن يُعرف أي شيء عنهم. وباتت بلدة الباغوز في قلب الحدث السوري والعالمي مع عدم قدرة "قوات سورية الديمقراطية"، وقوات تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على حسم المعارك وسحق فلول التنظيم في المنطقة. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، كانت في محيط الباغوز أخيراً، أن "داعش" سوّر المنطقة بحقول ألغام "ربما يصعب على عناصر قوات سورية الديمقراطية اجتيازها"، فضلاً عن وجود شبكة أنفاق يتحصّن داخلها مسلحو التنظيم "من الواضح أن داعش عمل عليها لفترة طويلة، ويبدو أنه استعد جيداً للمعركة الأخيرة في شرقي الفرات، واختار الباغوز ميداناً لها كونها تتمتع بتحصين جغرافي".
وأشارت المصادر إلى أن التنظيم جهّز عربات مفخخة لإبطاء تقدّم مسلحي "قسد" وإطالة أمد المعركة التي باتت شبه محسومة لقوات الأخيرة، التي "يبدو أنها لا تريد الزج بعناصرها في معركة برية كي لا يكونوا صيداً سهلاً للقناصين والألغام، وتفضّل استمرار القصف لإنهاك فلول التنظيم داخل البلدة كي يستسلموا بشكل جماعي، كما حدث في عدة مناطق".

وتقع بلدة الباغور في ريف دير الزور الشرقي، غير بعيد عن الساتر الحدودي بين سورية والعراق، ويفصلها نهر الفرات عن مدينة البوكمال الحدودية التي تقع تحت سيطرة فصائل عراقية مرتبطة بإيران، وتقع على الضفة الأخرى من الفرات، وكان يربط بينهما جسر دُمر بعد ذلك. تمتد بلدة الباغوز على طول كيلومتر واحد ونصف كيلومتر على شاطئ نهر الفرات الشمالي، وهي آخر قرية سورية قبل الحدود السورية العراقية بنحو كيلومتر واحد. وأوضحت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن تلالاً تحيط بالباغوز من الناحية الشمالية الشرقية، أي أنها تقع بين النهر والتلال، وهو ما يمنحها تحصيناً جغرافياً. كما لا تستطيع قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها عبور النهر من الجهة المقابلة للباغوز بسبب انتشار مسلحي "داعش" على طول الضفة الأخرى من نهر الفرات. وأوضحت المصادر أن البلدة "مكتظة حالياً بالسيارات التي جلبها التنظيم من مناطق سيطرته التي تراجع عنها، فضلاً عن وجود عدد كبير نسبياً من المدنيين الذين يتحركون في أنحاء البلدة التي لا يزال فيها سوق صغير فيه مواد غذائية يشتري من يملك القدرة حاجياته منه". وأشارت المصادر إلى "أن بضع مئات من مسلحي التنظيم الأجانب يصعب تحديد عددهم بدقة، يرفضون الاستسلام للتحالف الدولي"، مضيفة: "يبدو أنهم يستعدون لمعركة حتى الرمق الأخير، خصوصاً أنهم فشلوا في شق ممر نجاة لهم إلى العراق أو إلى بادية دير الزور مترامية الأطراف، جنوب نهر الفرات، التي لا يزال التنظيم يحتفظ فيها بمناطق سيطرة له، ولم يستطيعوا حتى اللحظة عقد صفقة مع التحالف الدولي تتيح لهم الانتقال إلى منطقة أخرى في سورية أو العراق".

وأوضحت المصادر أن الحصار المضروب على بلدة الباغوز بشكل كامل منذ أكثر من شهر من قبل "قوات سورية الديمقراطية" وقوات التحالف الدولي "يتسبّب بتأزيم معاناة من بقي من مدنيين داخلها"، مشيرة إلى أن هناك "مبالغة" في عدد الخارجين أو الباقين في البلدة، مضيفة: "هناك عدد غير معروف بدقة من المدنيين السوريين واللاجئين العراقيين في الباغوز، إضافة إلى عائلات مسلحين في داعش من جنسيات متعددة".
وكانت "قوات سورية الديمقراطية" قد بدأت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، حملة عسكرية للقضاء على التنظيم في ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، لكن الحملة واجهت عقبات عسكرية وسياسية أدت إلى امتداد الصراع عدة أشهر، قتل خلالها مئات المدنيين بالقصف المدفعي لهذه القوات والجوي من قبل طيران التحالف الدولي.