معارك مدينة الأبيض بين الجيش السوداني والدعم السريع تُغرق "عروس الرمال"

12 مايو 2024
سودانيون شرقي مدينة الأبيض، يناير 2023 (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتقلت المعارك بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع إلى مدينة الأبيض، مركزًا اقتصاديًا وسياسيًا مهمًا، في إطار الصراع بين قائدي الجيش والدعم السريع الذي بدأ في 15 إبريل 2023.
- تشهد المدينة معارك للسيطرة على مواقع استراتيجية مثل المطار الدولي ومقر الفرقة الخامسة مشاة، مع صمود الجيش أمام محاولات الدعم السريع للسيطرة.
- تعكس التطورات تغييرًا في استراتيجية الجيش من الدفاع إلى الهجوم، مع التركيز على قطع خطوط إمداد الدعم السريع، وتشير إلى مرحلة جديدة في الصراع مع تأثيرات محتملة على الوضع العام في البلاد.

بعد أن انتقلت المعارك بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع إلى خارج العاصمة السودانية الخرطوم، كانت المدن الكبرى التي تمثل عواصم الولايات هي الساحة الجديدة للمواجهات الضارية للسيطرة على المواقع الاستراتيجية، ومن بينها معارك مدينة الأبيض. وتشهد الأبيض، وهي عاصمة ولاية شمال كردفان، محاولات مستميتة من الدعم السريع للسيطرة عليها، من دون التمكن من ذلك بسبب صمود الفرقة الخامسة التابعة للجيش في الدفاع عنها رغم الحصار الخانق الذي ضربته "الدعم" لمنع دخول الإمدادات والسلع الغذائية وسط معاناة السكان.

وتأتي معارك مدينة الأبيض في سياق الحرب التي اندلعت بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 15 إبريل/نيسان 2023، فيما شهدت مدينة الأبيض، التي يطلق عليها اسم "عروس الرمال" نسبة لبيئة الولاية الرملية، العديد من المعارك داخل المدينة وخارجها، إذ تضم مطاراً دولياً وفيها قيادة الفرقة الخامسة مشاة، والعديد من مراكز ومقار تدريب وعمل القوات الحكومية.

تعتبر مدينة الأبيض مركزاً اقتصادياً وسياسياً مهماً

وتعتبر مدينة الأبيض، التي تقع على بعد حوالي 588 كيلومتراً جنوب غرب الخرطوم، مركزاً اقتصادياً وسياسياً مهماً، باعتبارها واحدة من كبريات المدن السودانية وتضم أكبر سوق للمحاصيل النقدية في البلاد (منتجات زراعية تُزرع بكميات كبيرة بهدف بيعها)، وأيضاً أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم. وتدور معارك الأبيض في مدينة استراتيجية، إذ تمثل ملتقى طرق مهمة تربط بين مختلف ولايات البلاد، وهي مركز تجاري وزراعي بارز.

كما تضم الأبيض واحدة من أشهر وحدات الجيش، وهي الفرقة الخامسة التي تسمى "الهجانة"، إذ كانت عند تأسيسها تستخدم الهجن (نوع من الجمال)، فيما تشكّلت عام 1896 من وحدات مصرية من قبل الجيش البريطاني وضمت جنوداً وضباطاً سودانيين، وكان لها دور عند اندلاع الحرب العالمية الثانية في تحرير مدينة كسلا، شرقي السودان، من القوات الاستعمارية الإيطالية في إريتريا.

معارك مدينة الأبيض

وشهد محيط المدينة يوم الثلاثاء الماضي، معارك هي الأعنف للسيطرة على الطريق القومي (الطريق السريع) الذي يمر بها، وكذلك جبل كردفان (20 كيلومتراً شرق المدينة) الذي يضم قاعدة عسكرية للجيش وموقعاً للتدريب. وأعلن الجيش و"الدعم" سيطرتهما على منطقة الجبل الواقعة على الطريق بين الأبيض ومدينة الرهد، ويربط بين ولايات شمال وجنوب كردفان والنيل الأبيض، فيما تمكن الجيش من السيطرة على معسكر قوات الاحتياطي المركزي التابع للشرطة بعد وقت وجيز من استيلاء "الدعم" عليه.

وظل سلاح الجو التابع للجيش خلال معارك مدينة الأبيض ينفّذ غارات مستمرة على تجمعات "الدعم" التي تنصب المدافع بمختلف الاتجاهات لقصف مدينة الأبيض، ما تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين طوال الشهور الماضية. كذلك، نفّذ غارات على مدينتي الرهد وأم روابة الواقعتين تحت سيطرة "الدعم" بولاية شمال كردفان.

وقالت "الدعم السريع" في بيان، الثلاثاء الماضي، إنها حققت نصراً عظيماً في معارك متفرقة على محورين بولاية شمال كردفان، سعى من خلالهما من وصفتهم بالفلول لفتح الطريق القومي كوستي- الأبيض. وأضافت أن الجيش هاجم قواتها في جبل كردفان، مشيرة إلى أن المعركة نتج عنها مقتل أكثر من 400 من "الأعداء"، والاستيلاء على 11 عربة قتالية ودبابتين اثنتين، وتدمير اثنتين أخريين، وأربع شاحنات. وذكرت "الدعم السريع" على منصة إكس أن معركة أخرى دارت أيضاً في محور تندلتي- أم روابة، تمكنت خلالها من الانتصار وقتل نحو 500 عنصر من الجيش، مقرة بسقوط قتلى بين عناصرها.

وفي السياق، علّق مستشار قائد "الدعم السريع" الباشا طبيق على معارك مدينة الأبيض في حديث لراديو دبنقا السوداني (مستقل)، الأربعاء الماضي، قائلاً إن معارك الثلاثاء دارت في منطقة تتمتع بأهمية استراتيجية للطرفين، والتي تتمثل في طريق أم روابة- تندلتي وجبل كردفان. وأضاف أن طريق كوستي- الأبيض ذو أهمية بالغة لإيصال الإمداد إلى الأبيض من أجل التمهيد لعمليات في شمال دارفور وغيرها. وأشار إلى أن قوات الدعم السريع تصدّت للهجوم الذي شنه الجيش وكبّدت القوات خسائر في الأرواح والعتاد.

وذكر طبيق أن قوات الدعم السريع ظلت تسيطر على منطقة جبل كردفان منذ بداية الحرب، وأن الجيش يسعى لفتح الطريق الرابط بين كوستي والأبيض من أجل إيصال الإمداد إلى الأبيض تمهيداً لبدء عمليات متقدمة في غرب كردفان وشمال دارفور. ووصف المعارك التي دارت الثلاثاء على طريقَي كوستي- الأبيض، وأم روابة- تندلتي، بأنها الأشرس من نوعها منذ اندلاع الحرب، وأفاد بأنهم قضوا على متحرك الصياد (قوة عسكرية تحمل اسم ضابط يدعى الصياد وقتل في معارك سابقة) الآتي من مدينة تندلتي بولاية النيل الأبيض.

من جهته، اكتفى الجيش بتصريحات مقتضبة على منصة فيسبوك بشأن معارك مدينة الأبيض بإعلانه أن الفرقة الخامسة "الهجانة" سيطرت على كافة المحاور بمدينة الأبيض بما فيها مقر الاحتياط المركزي، وجرى تطهير جبل كردفان من المليشيا، وتنفيذ عمليات تمشيط في الولاية.

وقالت مصادر أمنية في المدينة، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش استطاع خلال الأيام الماضية إدخال إمدادات وإعادة ترتيب صفوفه بالتزامن مع متحرك قادم من مدينة تندلتي لمساندته في فك الحصار على المدينة. وأضافت أن "الدعم السريع" تتمركز في جبل كردفان حيث تنصب دفاعات متقدمة، وقد جرت العديد من المناوشات التي كانت تهدف إلى فتح الطرق وفك الحصار عن المدينة والسيطرة على الطريق القومي.

وذكرت المصادر أن هناك خسائر كبيرة من الطرفين، في حين وقعت القوة القادمة من تندلتي في كمين نصبته "الدعم السريع" حسب المعلومات المتوفرة. وتسببت المعارك في مقتل قائد بارز بـ"الدعم" هو المقدم عبد المنعم شيريا برفقة أربعة قادة آخرين، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على عملياتها في تلك المنطقة لما كان يتمتع به هؤلاء من تأثير كبير على قيادة المعارك ضد الجيش.

وأشارت إلى أن قوات الدعم السريع تسيطر على بعض محطات الكهرباء، وكانت أعمال الصيانة والتشغيل تنفذ بوساطات أهلية لإدخال المهندسين والفنيين لتشغيلها وصيانتها، وقد انقطع التيار الكهربائي عن المدينة منذ يوم المعارك. ولفتت إلى أن هناك مكونات أهلية كانت محايدة انحازت إلى الجيش في الأيام الماضية، في وقت يعاني فيه المواطنون من انعدام الدواء وارتفاع أسعاره وتذبذب شبكات الاتصال.

بدوره، قال المواطن محمد إسماعيل بمدينة الأبيض، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم السريع ظلت تدخل إلى الأحياء الغربية وتتجول بين منازل المواطنين، كما تسيطر على بعض أطراف المدينة وتطلق القذائف التي تسقط في مناطق وجود المدنيين وراح ضحيتها عدد منهم". وأضاف أن الوضع المعيشي "صعب مع ارتفاع أسعار السلع، وانقطاع الكهرباء وشح المياه والأدوية نتيجة الحصار الذي تتعرض له المدينة، إلى جانب نهب ومنع القوافل التجارية من الوصول لإدخال السلع الغذائية".

استراتيجية جديدة

وفي السياق، قال المحلل العسكري حسام ذو النون، وهو ضابط سابق في المعارضة السودانية المسلحة،  في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه بعد مرور عام على اندلاع ما وصفها بحرب الاستيطان المدمرة في السودان، "جرت مياه كثيرة تحت الجسر وفوقه على الصعيدين العسكري والسياسي داخلياً وخارجياً". وأضاف أن "تغيّر الاستراتيجية العسكرية (للجيش) من الدفاع وتكسير قدرات الدعم السريع إلى الهجوم في مختلف المحاور القتالية، يعطي معارك شمال كردفان أهمية كبيرة للغاية لكل من الجيش والدعم السريع". وعزا ذلك إلى "أن فتح الطرق والسيطرة ما بين ولاية النيل الأبيض وشمال كردفان، وبين ولاية الخرطوم وشمال كردفان، يعملان على تغيير ميزان الحرب بصورة كاملة".

حسام ذو النون: استراتيجية الجيش هي قطع خطوط إمداد الدعم السريع مقابل فتح خطوط إمداد قواتها

وأشار ذو النون إلى أن أهم نتائج استراتيجية الجيش "هي قطع خطوط إمداد الدعم السريع، وفي المقابل فتح خطوط الإمداد للقوات المسلحة، ما يخلق واقعاً عسكرياً وعملياتياً في كل من ولايات دارفور وغرب كردفان وجنوب كردفان". وذكر أنه "في ظل تحرك قوات الفرق الخامسة والعاشرة والـ18 لفتح الطريق القومي بين كوستي والأبيض، والتحرك فيه لكبح انتشار الدعم السريع، وفي أوضاع عسكرية مثل هذه، فإن قوات الدعم السريع سوف تكون في وضع لا تحسد عليه".

وأفاد ذو النون بأن "الدعم السريع تستغل الآلة الإعلامية الضخمة لتحويل الهزائم العسكرية التي تتلقاها إلى انتصارات زائفة، حتى وإن اضطرت إلى إعدام الأسرى المحتجزين لديها خلال فترات سابقة، وعكس الأمر على أنها عمليات عسكرية حديثة".  وأضاف أنه "كما هو معلوم، فإن طبيعة الأرض بولاية شمال كردفان هي مناطق مكشوفة في معظمها، ما يجعل وقوع أي قوة متحركة في كمين من الصعوبة بمكان".

وأوضح أنه "لو كان ادعاء الدعم السريع بأن ما حصل لمتحرك تندلتي (في إشارة إلى تحرك قوة كبيرة من الجيش من مدينة تندلتي نحو الأبيض) هو عملية مواجهة عسكرية مباشرة، لكان الأمر أكثر اتساقاً، خصوصاً مع الأرقام الكبيرة للقتلى التي ادعتها، وهو أمر من الصعب حدوثه، ولا يمكن أن تقع فيه أي قوات نظامية مهما كان تدني مستوى تدريبها وخبراتها القتالية".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وأضاف أنه "يمكن القول بثقة إن تلك الدعاية الإعلامية الغرض منها هو الحفاظ على تماسك قوات الدعم السريع بشمال كردفان، ورفع الروح المعنوية لمنع تفككها، خصوصاً بعد فقدان عدد من قياداتها خلال معارك غرب الأبيض ومحور جبل كردفان". واعتبر أن "الانتصارات الإعلامية للدعم السريع والتلاعب بالرأي العام ليس بأمر مستغرب في ظل ضعف الإعلام العسكري للجيش وإهماله تنوير الرأي العام بصورة منتظمة تصحح المعلومات المضللة التي تقدمها الدعم عبر آلتها الإعلامية الكثيفة".

وأشار إلى أنه "بناء على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة شمال كردفان، وانفتاح القوات المسلحة فيها، فمن الجلي أن المعارك في كردفان ودارفور هي المرحلة المقبلة في العمليات العسكرية بين الجيش والدعم السريع، وتضع عقبات جديدة في خطوط إمداد الأخيرة بولايات النيل الأبيض والخرطوم والجزيرة، سواء كان للفزع (الدعم الميداني) أو الانسحاب".

المساهمون