وبالفعل، جرى تفكيك الخيام الكبيرة التي نُصبت على الحدود تزامناً مع مليونية العودة، الإثنين الماضي، لكن الخيام التي وضعت مع انطلاق المسيرات في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي ما زالت موجودة، وتجرى فيها هذه الأيام فعاليات شعبية محدودة، بالإضافة إلى تناول وجبات الإفطار وإقامة صلاة التراويح في مناطق الخيام الخمس على الحدود. وفي أول يوم جمعة من شهر رمضان، بدت الصورة هادئة نسبياً، فتأخرت فعاليات التجمعات على الحدود الشرقية للقطاع إلى ما بعد صلاة العصر، مع غياب مشاهد الاشتباكات شبه اليومية منذ الثلاثين من مارس/ آذار الماضي حتى مجزرة "الإثنين الأسود" في 14 مايو/ أيار الحالي.
وبدا أنّ هناك تفاهمات حقيقية جرى التوصل إليها، برعاية مصرية، عقب مجزرة يوم الإثنين في غزة، تضمن تخفيف الحصار عن غزة، والبدء في تنفيذ مجموعة من الخطوات لإزالة الأزمات الإنسانية والمعيشية والاقتصادية التي يعيشها القطاع منذ أكثر من 12 سنة، وباتت تهدد كل شيء فيه. وعلى الرغم من نفي رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، وجود صفقات أو تفاهمات عبر مصر لوقف مسيرات العودة، إلا أنّ مصادر فلسطينية أكّدت، لـ"العربي الجديد"، وجود تفاهمات غير مباشرة مع إسرائيل عبر مصر ووسطاء دوليين آخرين. وأشارت المصادر إلى أنّه جرى الاتفاق على مرحلة "اختبار نوايا" من الطرفين، بحيث لا توقف غزة مسيرات العودة بشكل كامل، لكنها لا تخرج بالزخم الجماهيري والشعبي الكبير ذاته، وفي المقابل يقدم الطرف الآخر على إجراءات عملية لتخفيف الحصار وإعادة العمل في معبر كرم أبو سالم التجاري مع تطويره.
أما مصر، وفق نفس المصادر، فإنها تعهدت بفتح معبر رفح البري، واستئناف مساعيها في قضية المصالحة الوطنية بين حركتي "حماس" و"فتح"، ودفع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى وقف الإجراءات "العقابية" المتخذة حيال القطاع، التي طاولت رواتب الموظفين المقطوعة والتقليصات الأخرى التي مسّت عصب الحياة في غزة المحاصرة. وتعهدت مصر أيضاً بإعادة الاتصالات مع الإسرائيليين حول الأسرى الموجودين لدى حركة "حماس" في قطاع غزة، وهو ملف يعتقد أنه إذا ما تحرك جدياً قد ينجز في وقت قياسي نتيجة العوامل الداخلية والخارجية الضاغطة لإنجاز أي شيء يمكن أنّ يخفف من التوتر والأزمات، بحسب ما ذكرت المصادر لـ"العربي الجديد".
لكن "حماس" ومعها الفصائل الداعمة لحراك مسيرات العودة تملك مخاوف جدية من أن تكون العروض الحالية الموجودة، التي كثر استقبالها، خلال الأيام الماضية، مجرد محاولات تهدئة غير واقعية، على غرار آلاف الوعود بتخفيف الحصار وفتح المعابر، التي لم تنفذ. وقال مصدر مقرب من حركة "حماس" لـ"العربي الجديد"، إنّ هنية أبلغ رئيس الاستخبارات المصرية، عباس كامل، بـ"امتعاض" الفلسطينيين من الوعود التي لم تنفذ من قبل مصر للوقوف إلى جانب غزة ورفع حصارها وفتح معبر رفح البري، والتي قدمت للحركة على مدار العامين الأخيرين. ورد كامل، وفق المصادر، بالتأكيد أنّ مصر تريد المساعدة في هذا الجانب، لكنها لا تستطيع تقديم كل شيء من دون تفاهمات مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأن الطرفين لا يريدان تخفيف الحصار والمعاناة عن غزة.
وأعلن في وقت سابق أنّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أمر بفتح معبر رفح طوال شهر رمضان لـ"التخفيف عن الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة". ويبدو أنّ هذ القرار هو جزء من الحراك لتخفيف حدة التوتر في غزة، وكبادرة حيال الفصائل و"حماس" تدلل على أنّ مصر جادة هذه المرة في تطبيق تعهداتها. وإذا ما طبقت هذه التفاهمات على الأرض، فإن مسيرات العودة ستصبح حدثاً من الماضي، لكنها في الوقت ذاته ستكون عاملاً في يد غزة و"حماس" لوقف أي تلاعب بما سيتم التفاهم عليه لاحقاً، وما جرى التوصل إليه من تفاهمات سابقة. وكان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، قد أكّد، في خطبة الجمعة أمس، أنّ الشعب الفلسطيني يشهد خطوات جادة لرفع الحصار عن قطاع غزة، في إشارة إلى إعلان مصر فتح معبر رفح طيلة شهر رمضان، والمساعدات التي بدأت بالوصول إلى القطاع، موضحاً أنّ "هناك تحركات ظاهرية وباطنية من أجل إنهاء معاناة شعبنا". وأضاف هنية أنّ حركته استقبلت خلال الفترة الماضية كثيراً من التصورات والوفود للتعامل مع حصار غزة، وهذا ما كان ليتحرك إلا لأن الجميع وجد الشعب بعد 11 عاماً من الحصار قوياً ولم ينكسر بل هو أشد قوة. وشدد على أنّنا "نرى مساعدات وعروضاً وتحركات وفتح معبر رفح من أجل إنهاء هذه المأساة الإنسانية بغزة، وهذا يُبنى عليه، وهذا بفضل الله وصمود شعبنا ودماء الشهداء. نرى بوادر النصر والخير في ثنايا هذه الدماء الزكية". وأكّد هنية أنّ حركته ستعزز الشراكة السياسية وستحمي الوحدة الوطنية ولن تفصل غزة عن الضفة الغربية، مشيراً إلى أنه نقل إلى السلطات المصرية أخيراً التأكيد على موقف "حماس" من الوحدة الوطنية والمصالحة.