كشفت مصادر برلمانية مطلعة في مصر، أن أعضاء البرلمان ممن يعرفون بـ"تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، المشكّلة بمعرفة جهاز الاستخبارات العامة، تلقوا تعليمات من قيادات في الجهاز بالهجوم على وزير النقل كامل الوزير، تمهيداً لإطاحته من منصبه ضمن تعديل وزاري محدود، على خلفية حادث تصادم قطاري سوهاج، جنوب مصر، أول من أمس الجمعة، والذي أسفر عن وفاة 32 راكباً حتى الآن، وإصابة 165 آخرين.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن التعليمات ركّزت على تقديم طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة، وغيرها من الأدوات الرقابية ضد وزير النقل، وتمّ فيها تحميله المسؤولية السياسية عن حادث القطارين، إيذاناً بطرح مسألة التعديل الوزاري خلال الأيام المقبلة، متضمناً مجموعة من الملفوظين (المغضوب عليهم) داخل الحكومة، وعلى رأسهم وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، ووزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، ووزيرة الصحة والسكّان هالة زايد. وبيّنت المصادر أن تعليمات الهجوم على وزير النقل، لم تشمل بعد نواب البرلمان عن حزب "مستقبل وطن"، الحائز الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، والذي يتحكّم جهاز الأمن الوطني في قراراته من وراء ستار. وأوضحت المصادر أن "الوزير لا يزال يتمتع ببعض النفوذ لدى الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويضغط عليها في الوقت الراهن للإبقاء عليه في منصبه".
لا يزال الوزير يتمتع بنفوذ لدى الدائرة المقربة من السيسي، ويضغط عليها للبقاء في منصبه
في غضون ذلك، تقدّم رئيس هيئة "الحزب المصري الديمقراطي" في مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى رئيس المجلس، حنفي جبالي، طالب فيه بـ"التحقيق الفوري مع المسؤولين عن الحادث، ومحاسبتهم، وتشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على ملابسات الحادث الأليم، الذي أسفر عن وفاة مواطنين أبرياء فقدوا أرواحهم نتيجة للاستهتار". كذلك تقدّم النائب عن "تنسيقية شباب الأحزاب" عمرو درويش، بطلب إحاطة، قال فيه إن "الوطن عاش لحظات شديدة الحزن إثر الحادث المأساوي بتصادم قطاري سوهاج، وعلى أثر هذه الفاجعة خرج علينا البعض بتصريحات غير ملائمة، تعكس عدم الإحساس الكامل بالمسؤولية"، في إشارة إلى تصريحات وزير النقل عن عبث "مجهولين" في مكابح الطوارئ بأحد القطارين. وشدّد درويش على أن "دماء الضحايا الذين ارتقوا إلى السماء، وكذلك آلام المصابين، لا يجب أن تذهب هباءً"، وعلى "ضرورة محاسبة المقصرين حساباً رادعاً، بصورة تمثل إنذاراً لكل من تسول له نفسه الاستهانة بأرواح المصريين".
وتقدّمت عضوة المجلس عن "تنسيقية شباب الأحزاب" أميرة صابر، بطلب إحاطة، رأت فيه أنه "يجب معاقبة ومحاسبة كلّ مسؤول كان طرفاً في هذا التقصير، حساباً عسيراً، وسنستخدم كل الأدوات الرقابية لنقف على حقيقة الأمور، فدماء المصريين أغلى كثيراً من أن يستمر هذا النزيف المستمر من دون تدخل حاسم للردع، وإصلاح الأوضاع المتردية في هذا القطاع".
من جهتها، تقدمت النائبة في مجلس الشيوخ عن حزب "الوفد"، أمل رمزي، أمس السبت، بطلب مناقشة عامة إلى رئيس المجلس عبد الوهاب عبد الرازق، للوقوف على ملابسات حادث تصادم قطاري سوهاج، داعية في الطلب إلى ضرورة حضور الجهات المعنية للمجلس للوقوف على أبعاد الحادث، والمتسببين فيه، ومعاقبة المقصرين في حال ثبوت تقصير متعمد. ورأت رمزي أن العنصر البشري هو أحد أهم العناصر التي تحتاج إلى التطوير، فالغالبية العظمى من حوادث السكك الحديدية في مصر ترجع إلى خطأ العنصر البشري، وهو ما يُبرز جلياً ضعف قدرة بعض العناصر البشرية في هيئة السكك الحديدية، وحاجتها إلى التدريب والتأهيل الجيد. ولفتت إلى أن نواب البرلمان "على أتم الاستعداد للتعاون بكافة الأدوات الرقابية لمواجهة هذا التقصير، ومنع تكراره مجدداً"، مشددة على "ضرورة توقيع الجزاء الرادع لكل من تسبّب في هذا الحادث الأليم بإهمال أو بفساد أو بسواه من دون استثناء أو مماطلة".
وتولى كامل الوزير حقيبة النقل في مارس/آذار 2019، على خلفية رغبة السيسي في تعميم "الضبط والربط" العسكري على هذا القطاع المدني، بعد وقوع 4 حوادث كبيرة للقطارات بين عامي 2017 و2019، راح ضحيتها العشرات من المصريين الأبرياء. واختار السيسي الوزير، المشهود له عسكرياً بالانضباط والصرامة، وإنجاز أوامره بغضّ النظر عن أي اعتبارات فنية ومالية، وسط ترحيب واسع من نواب البرلمان الموالين للنظام ووسائل الإعلام الموالية، آنذاك، إلى حدّ ظهور دعوات لتوليه رئاسة الوزراء، حتى قبل إنجاز أي تقدم في قطاع النقل.
بعد تولي كامل الوزير منصبه بأيام في مارس 2019، توالت مسيرة حوادث القطارات في عهده
وبعد تولي الوزير بأيام، بدأت مسيرة حوادث القطارات في عهده: ففي مارس/ آذار 2019، سقطت عجلة من بوجي بعربة توليد القوى في قطار ركاب بورسعيد -الإسماعيلية، من دون حدوث أي إصابات. وفي إبريل/نيسان من العام ذاته، تكرر الحادث في قطار بكفر الشيخ أسفر عن إصابة 9 مواطنين. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقع حادث إجبار شابين على القفز من قطار في طنطا، ليلقى أحدهما مصرعه، نتيجة تعليمات الوزير الصارمة لعاملي القطارات بعدم السماح بوجود الباعة الجائلين أو أشخاص على متن القطارات من دون تذاكر، وتهديد العاملين بالخصم من مرتباتهم ومعاقبتهم. وبعدها بأيام، وقع حادث تصادم في الأقصر بين قطار وسيارة أجرة، راح ضحيته 4 مواطنين. وفي مارس/ آذار 2020، وقع حادث تصادم بين قطاري ركاب بين محطتي إمبابة ورمسيس، أسفر عن إصابة 13 شخصاً. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خرج قطار في كفر الشيخ عن سكّته ليقتل شاباً. وفي فبراير/ شباط الماضي، وقع حادث تصادم آخر بين قطار وسيارة في أسيوط نتجت عنه إصابات معدودة.