قال دبلوماسيون مصريون وغربيون في القاهرة إن حركة تغييرات جديدة، شهدها جهاز المخابرات العامة في مصر، أخيراً، تضمنت عاملين بملفات خارجية مهمة، سواء بالنقل إلى وظائف مدنية في عدد من الوزارات والمؤسسات، أو الإحالة للتقاعد والابتعاد عن العمل الرسمي، وصفها دبلوماسي مصري رسمي بأنها واحدة من التغييرات الواسعة، خلال الفترة القريبة الماضية.
ووفقاً للدبلوماسي المصري، القريب الصلة بالجهاز بحكم عمله الرسمي، فإن التغييرات الأخيرة طاولت مسؤولين بارزين في ملفات ليبيا، وفلسطين، والعلاقات المصرية الأميركية، وملف القرن الأفريقي، الذي يتولى الإشراف على أزمة سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى مسؤولين عن ملفات داخلية، بينها الإعلام.
أعداد من شملتهم التغييرات وصلت إلى 17 من القيادات
وبحسب الدبلوماسي، الذي من ضمن مهامه التنسيق مع الجهاز في أحد الملفات ذات البعد الإقليمي، فإنه "فوجئ بإبلاغه بالترتيب لاجتماع بهدف التنسيق مع المسؤول الجديد عن الملف في جهاز المخابرات العامة". وأشار إلى أنه "عندما استفسر عن الأمر عبر أصدقاء له يعملون بالجهاز اتضح له أن التغييرات لم تقتصر على الملف الذي يتابعه فقط".
التغييرات طاولت 17 من القيادات
وتحرت "العربي الجديد" المعلومة عبر مصادر أخرى، بينها دبلوماسيون غربيون في القاهرة، ومصريون على صلة بملفات إقليمية. وكشف دبلوماسي مصري آخر، أن أعداد من شملتهم التغييرات الأخيرة وصلت إلى 17 من القيادات البارزة، حيث تمت إحالة الغالبية العظمى منهم إلى التقاعد، فيما لم يتم التجديد لآخرين، وجرى نقلهم إلى مناصب إدارية بعدد من الوزارات الخدمية، منها الإسكان، والبترول، والتموين.
ورجح الدبلوماسي المصري أن تكون التغييرات الأخيرة "جاءت في ظل عدم الرضا من جانب مؤسسة الرئاسة عن أداء الجهاز بشكل عام، على ضوء الشائعات التي طاولت شخصيات رفيعة في الدولة، ورددها بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من بينها معلومات صحيحة، ما يشير إلى أنه يقف وراءها أطراف عليمة".
واعتبر الدبلوماسي أن "حركة التغييرات التي شهدها الجهاز أخيراً لا يمكن وصفها بأنها تأتي في إطار صراع سياسي داخلي بين أجنحة، ولكن يمكن اعتبارها منافسات على نفوذ داخل الجهاز، الذي بات يمثل إمبراطورية اقتصادية تمتلك محفظة مالية ضخمة". ويمتاز الجهاز، الذي يملك استثمارات واسعة في مجال الإعلام والقطاع العقاري والمواد الغذائية والسياحة والطيران والبترول، عن الأجهزة السيادية الأخرى في مصر، بأنه يسمح بتعيين عسكريين وشرطيين ومدنيين.
منافسة للإبقاء على مصالح بعض القيادات
ووفقاً لدبلوماسي غربي في القاهرة، متابع للشأن المصري، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الفترة الأخيرة "تشهد تنافساً من أجل الإبقاء على مصالح بعض القيادات، في ظل محاولات متواصلة منذ نحو 5 سنوات، من جانب شخصيات مقربة للغاية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتغيير التركيبة العمرية في الجهاز، للتخلص من قيادات لا تزال تحمل ولاءً لقيادات وفترات مضت".
وبحسب الدبلوماسي الغربي فإن "محاولات التغيير هذه، التي يرجح أنها ربما تكون مدعومة من السيسي، ورئيس الجهاز الحالي اللواء عباس كامل، والتي انتقصت من نفوذ ومصالح قيادات كبيرة في الجهاز خلال الفترة الماضية، أزعجت هؤلاء، ما دفعهم إلى التعبير عن غضبهم بطرق أثارت غضب السيسي، فجرى التحري بين القيادات الحالية عما إذا كان هناك امتدادات لا تزال لمجموعة القيادات التي أطيح بها على مدار السنوات التي أعقبت تولي السيسي الحكم".
ومنذ تولي السيسي مهامه كرئيس، أصدر نحو 10 قرارات متعلقة بتشكيلات الجهاز، أطاحت بنحو 120 من قياداته. وصاحب ذلك تعيين قيادات جديدة من مراحل عمرية أصغر. كما شهدت الفترة التي أعقبت تظاهرات سبتمبر/ أيلول 2019، التي دعا لها المقاول والفنان محمد علي، تعيين عدد كبير من ضباط جهاز الأمن الوطني بالمخابرات العامة.
التغييرات بالمخابرات قد تكون منطقية
من جانبه، رأى دبلوماسي مصري أنّ "التغييرات الأخيرة ربما يكون بعضها منطقياً، كونها طاولت أفراداً في ملفات لم تُدر بالشكل الأنسب، وشهدت تقديرات كثيرة خاطئة طوال الفترات السابقة، وعلى رأسها على سبيل المثال ملفا سد النهضة وليبيا، بالإضافة إلى الملف السوداني".
وكان دبلوماسيون مصريون قد كشفوا، في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حالة ارتباك في الأوساط الدبلوماسية والأمنية المسؤولة عن إدارة الملفين الليبي والسوداني".
وقال أحد الدبلوماسيين، الذي تحدث الشهر الماضي لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمات الأخيرة التي حدثت في السودان وليبيا كشفت عدم صحة التقديرات المصرية بشأن التعامل مع الملفين". وأكد أن "الرهانات المصرية مؤخراً كانت خاطئة، والأطراف التي راهنت مصر عليها واستثمرت فيها طوال الفترة السابقة، لم تكن على قدر التوقعات".
دبلوماسي مصري: التغييرات ربما يكون بعضها منطقياً
تلك الأجواء بحسب خبير سياسي مصري "تجعل صانع القرار دائماً يتحسس مواقع القلق، كما تجعله في حالة مراقبة وتتبع للأجهزة التي تحيط به، خشية التقاء مصالح أفراد بها مع أطراف داخلية مناوئة تسعى لاستثمار الغضب الشعبي لصالحها".
وبشكل مفاجئ قام السيسي، فجر السبت الماضي، بجولة تفقدية للكلية الحربية، رافقه خلالها القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر، وقادة الأفرع الرئيسية، وعدد من قادة الجيش، تحدث خلالها في طابور عسكري عن الأوضاع الداخلية للبلاد، وقضايا دولية وإقليمية أخرى.
وقال السياسي المصري إنّ "السيسي قدم ما يشبه كشف حساب لحكومته أمام الجيش، وهو عادة لا يفعل ذلك مع أي مؤسسة مدنية أخرى، وذلك لأنه يعلم أن الخطر يمكن أن يأتي من المؤسسة العسكرية".