- القاهرة أعدت ملفاً لمحكمة العدل الدولية يتضمن تفاصيل منع إسرائيل وصول المساعدات إلى غزة وترويج معلومات زائفة، معتبرة ذلك جريمة إبادة جماعية.
- تقديرات مصر تشير إلى احتمال توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، مع استمرار الحرب في غزة. مصر رفضت الضغوط الإسرائيلية لفتح معبر رفح، مؤكدة على رفض سياسة ليّ الحقائق الإسرائيلية.
كشفت مصادر مصرية مطلعة على تحركات القاهرة بشأن الوضع في قطاع غزة عن زيارة قام بها وفد إسرائيلي إلى القاهرة لساعات، برئاسة غسان عليان، منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، في محاولة لإقناع المسؤولين في مصر باللجوء إلى فتح معبر رفح في ظل الوضع القائم على سيطرة القوات الإسرائيلية عليه من الناحية الفلسطينية.
رفض فتح معبر رفح
وقال مصدر مصري، لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولين المصريين شددوا خلال اللقاء على الرفض التام لتشغيل أو فتح معبر رفح في ظل الوضع القائم، وأبلغوا الجانب الإسرائيلي أن على تل أبيب فتح المعابر التي تسيطر عليها بكامل طاقتها، إذا كانت قضيتها الرئيسية من وراء المطالبة بفتح معبر رفح هي إدخال المساعدات، مشددين على أن الحكومة الإسرائيلية وحدها هي من تتحمّل المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية". وكشف المصدر أن القاهرة "أعدت ملفاً كاملاً سيُقدّم عبر حكومة جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية، بشأن تفاصيل متعلقة بمنع الجانب الإسرائيلي وصول المساعدات، وزيف ما يروج له بعدم إعاقة وصول الغذاء والماء والأدوية إلى قطاع غزة، ما يندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية". وأوضح المصدر أن "الجانب الإسرائيلي ضغط عبر أطراف أوروبية على القاهرة للسماح لشاحنات المساعدات بالمرور إلى داخل القطاع عبر فتح معبر رفح من الجانب المصري، قبيل القرار المرتقب لمحكمة العدل الدولية، خشية صدور قرار صريح بوقف الحرب".
القاهرة أعدت ملفاً كاملاً سيُقدّم لمحكمة العدل الدولية، بشأن تفاصيل منع إسرائيل وصول المساعدات
وشدد المصدر على أنه "لم يعد أمام الجانب الإسرائيلي سوى الانسحاب من معبر رفح في حال رغب في إنهاء تلك الأزمة"، قائلاً إن "هناك حالة من الاستياء في ظل توجّه الحكومة الإسرائيلية للبقاء في المعبر ومحور فيلادلفيا، وضربها عرض الحائط بالكثير من المباحثات التي جرت في فترات سابقة على مستويات عسكرية وأمنية رفيعة المستوى". وأكد المصدر أنه "بخلاف التصريحات المعلنة لوزير الخارجية المصري سامح شكري بحفاظ مصر وتمسكها باتفاقية كامب ديفيد، هناك رسائل حملها المسؤولون في القاهرة للوفد الإسرائيلي، وكذلك نقلها رئيس المخابرات عباس كامل لرئيس الموساد ديفيد برنيع خلال اتصالات بينهما، بأن الاتفاقية قد تكون في مرمى خطوات تصعيدية من جانب القاهرة في حال استمر النهج الإسرائيلي، وأن مصر لا تزال تلتزم بضبط النفس إزاء خطوات تصعيدية أخرى قد تشمل مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين".
نحو توسيع عملية رفح؟
بالتوازي مع ذلك، قال مصدر مصري مطلع، لـ"العربي الجديد"، إن تقديرات القاهرة في الوقت الحالي تشير إلى احتمال توسيع العملية العسكرية البرية لجيش الاحتلال في مدينة رفح الفلسطينية، واستمرار الحرب في قطاع غزة بـ"وتيرة أشرس" خلال الأيام المقبلة. وقال المصدر إن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، التي حمّل فيها مصر مسؤولية منع حدوث أزمة إنسانية في قطاع غزة، تكشف نيّة حكومة الاحتلال مواصلة هجومها البري على مناطق غزة بشكل عام، ومدينة رفح بشكل خاص، بوتيرة أشرس، وتبيّن الصدمة التي تعرضت لها إسرائيل من تحرك مصر باتجاه محكمة العدل الدولية لدعم دعوى دولة جنوب أفريقيا التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
تقديرات القاهرة تشير إلى احتمال توسيع العملية العسكرية لجيش الاحتلال في مدينة رفح الفلسطينية
ولفت المصدر إلى أن "المسؤولين المصريين عبّروا لوفد جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، الذي زار القاهرة أخيراً، عن الاستياء الشديد من عملية رفح البرية، وإعلان الجيش الإسرائيلي عن تنسيق تكتيكي مع الجيش المصري قبل تنفيذها". وشدد المصدر على أن القاهرة "أكدت خلال المباحثات الأمنية الأخيرة مع الجانب الإسرائيلي على رفض أي محاولات لإجبار مصر على فتح الحدود أمام سكان غزة، والتي عبّر عنها وزير الخارجية الإسرائيلي أخيراً".
وكان كاتس قد كتب على منصة "إكس" أن "العالم يحمّل إسرائيل مسؤولية الملف الإنساني، لكن مفتاح منع حدوث أزمة إنسانية في غزة أصبح الآن في أيدي أصدقائنا المصريين". ولفت الوزير الإسرائيلي إلى أنه تحدث مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عن "ضرورة إقناع مصر بإعادة فتح معبر رفح بما يسمح باستمرار نقل المساعدات الإنسانية الدولية إلى قطاع غزة". من جانبها، قالت وزارة الخارجية المصرية إنها ترفض "سياسة ليّ الحقائق والتنصّل من المسؤولية التي يتّبعها الجانب الإسرائيلي". وكانت وسائل إعلام دولية قد ذكرت أن "إسرائيل طلبت من مصر فتح الحدود أمام سكان غزة وتم رفض الطلب".
وفي السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي كلها ادعاءات غير حقيقية، للتغطية على اجتياح القوات الإسرائيلية مدينة رفح الفلسطينية، رغم كل التحذيرات الدولية والمصرية من أنه ستنتج عن الاجتياح مآسٍ إنسانية". وأضاف أن "هدف إسرائيل من هذا الاجتياح السيطرة التامة على كل حدود ومداخل قطاع غزة، والتحكم في توصيل المساعدات الإنسانية بشكل كامل، وعدم تسليمها لا لأونروا ولا لإدارة حماس في القطاع، وممارسة سياسة تجويع الفلسطينيين في غزة، للضغط على المقاومة الفلسطينية لقبول شروط إسرائيل".
من جهته، قال أستاذ القانون الدولي العام الدكتور محمد محمود مهران، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإسرائيلي حول مسؤولية مصر عن فتح معبر رفح وإدخال المساعدات إلى غزة ما هي إلا محاولة مكشوفة للتهرب من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن معاناة الفلسطينيين". وأضاف أن "هذه التصريحات تعكس نهج إسرائيل المعتاد في قلب الحقائق وخلط الأوراق لإخفاء جرائمها وانتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، موضحاً أنها "بصفتها قوة احتلال هي المسؤول الأول والأخير عن الوضع الإنساني الكارثي في غزة، بسبب حصارها الجائر المفروض منذ اندلاع الحرب، وعدوانها المتكرر على المدنيين العزل، وهي بذلك ترتكب جرائم حرب لا تسقط بالتقادم". وشدد مهران على أن "القانون الدولي واضح وصريح في هذا الصدد، فالمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم دولة الاحتلال بضمان إمدادات الغذاء والدواء للسكان، كما أن المادة 59 تُلزمها بالسماح بمرور شحنات الإغاثة دون عوائق".
من جهته، قال الرئيس السابق لحزب الدستور المصري علاء الخيام، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المهم الآن هو رد الفعل المصري، الذي لم يتعد الإنكار والرفض بتصريحات ضعيفة لا ترتقي إلى مستوى الاتهام الإسرائيلي"، مضيفاً: "الرد المناسب من وجهة نظري هو فتح معبر رفح وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية للإخوة الفلسطينيين بحماية من القوات المصرية، تحت رعاية المنظمات الدولية والهلال الأحمر".