استبعد عضوان في لجنتي الإسكان والإدارة المحلية بمجلس النواب المصري مناقشة أيّ تعديلات مقترحة على قانون الإيجارات القديمة، مع عودة البرلمان للانعقاد في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في ضوء معاناة المصريين من ظروف اقتصادية صعبة، يصاحبها ارتفاع في أسعار الوحدات السكنية، ومن ثم صعوبة تعديل القانون الذي يمسّ أوضاع نحو 20 مليون شخص، وفقاً لإحصائيات رسمية. وفي حديث خاص مع "العربي الجديد"، أفاد المصدران بأن أغلب النواب تلقوا رسائل غاضبة من الناخبين في دوائرهم، عقب تواتر أنباء عن شروع البرلمان في مناقشة تعديل قانون الإيجارات القديمة، تتضمن تحذيرات من المساس بعقد الإيجار القائم بين المالك والمستأجر، أو محاولة تحريره خلال مدة زمنية محددة، لصعوبة حصول المستأجرين على وحدات سكنية بديلة.
يعاني المصريون من ظروف اقتصادية صعبة، يصاحبها ارتفاع في أسعار الوحدات السكنية
وقال المصدران إن نحو 9 ملايين وحدة سكنية تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة في مصر، منها قرابة 8 ملايين ونصف المليون وحدة في حوزة المستأجرين. وأوضح المصدران أن الإشكالية تتمثل في الغلبة العددية للمستأجرين، وما تشكّله من قوة ضغط على أعضاء البرلمان، جرّاء تمسكهم الشديد بالمناطق والأحياء التي يعيشون فيها، لا سيما في محافظات القاهرة الكبرى، وهي القاهرة والجيزة والقليوبية.
وأشار المصدران إلى أن هناك اتجاهاً لدى الأغلبية في البرلمان، بغرفتيه النواب والشيوخ، حيال عدم مناقشة تعديلات القانون خلال دور الانعقاد السنوي المقبل (2021-2022)، وإرجاء هذا الملف إلى حين إعداد الحكومة مشروعاً متكاملاً بشأن القانون، خصوصاً أن الأخيرة تتصدر قائمة المتضررين من تعديله، كون الغالبية العظمى من مكاتب وزارة التموين ومأموريات الضرائب في المحافظات تخضع لأحكامه. ولفت المصدران إلى أن تحرير عقود الوحدات الإدارية الحكومية يجب أن يسبق مناقشة تحرير الوحدات السكنية للمواطنين، وإعطاء مهلة زمنية لتوفيق أوضاعها، وتوفير الموازنات اللازمة لشراء مقرات بديلة لها، فضلاً عن مراعاة التباين في مدة تحرير العقد، ونسبة الزيادة المقررة على القيمة الإيجارية بين الوحدات السكنية من جانب، والإدارية والتجارية من جانب آخر.
ولم يتلق حزب "مستقبل وطن"، الذي يتمتع بالأغلبية في البرلمان، تعليمات مباشرة إزاء تعديل القانون. لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد صرّح في 14 أغسطس/ آب الماضي، بأن حلّ أزمة قانون الإيجارات القديمة يتمثل في العمل على تكثيف المعروض من الوحدات السكنية. وقال السيسي حينها: "هاخلي الناس تمشي تتكعبل في الشقق (أي سيزيد من الوحدات المعروضة)، وأي حد عاوز شقة هانقدر نوفرها، حتى نحدث توازناً نسبياً في مواجهة هذه القضية، ونحسن من الواقع". وأضاف السيسي: "يجب أن تعود للملكية قيمتها ومكانتها، من خلال تعامل المواطنين بعضهم مع بعض، وهناك وحدات في مناطق وسط القاهرة (العاصمة) لا يتعدى إيجارها الشهري 20 جنيهاً، بينما قيمتها تصل إلى ملايين الجنيهات. وإذا كان من حق المستأجر أن يعيش فيها، فمن حق مالكها أيضاً أن يستمتع بقيمتها".
وكان مصدر برلماني مطلع قد أوضح لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أن "مجلس النواب السابق نأى بنفسه عن التعرض لأزمة الإيجارات القديمة على مدى خمس سنوات، لأن تعديل القانون يواجه رفضاً شعبياً، بوصفه يُعرّض شريحة المستأجرين للضرر بصورة أكبر، نتيجة سحب الوحدات السكنية منها لصالح المالكين، من دون توفير بدائل لها، وذلك في مدة زمنية أقصاها 10 سنوات لتحرير العقد".
تخضع غالبية مكاتب وزارة التموين ومأموريات الضرائب في المحافظات لأحكام القانون أيضاً
ويشكو ملّاك العقارات الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة من ضعف القيمة الإيجارية، والتي تبلغ في بعض الأحياء الشعبية 5 جنيهات (أقل من نصف دولار) فقط شهرياً، فيما ينصّ القانون على "عدم انتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر، أو تركه العين المؤجرة، إذا بقي فيها زوجه (الزوج أو الزوجة)، أو أولاده، أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك".
ولم تنجح محاولات حثيثة من بعض النواب في تمرير تعديلات قانون الإيجارات القديمة منذ يناير/ كانون الثاني 2016، ومنها مشروع مقدّم من 115 نائباً يقضي بتحرير عقود الإيجار نهائياً خلال 10 سنوات، مع فرض زيادة سنوية متصاعدة للقيمة الإيجارية تصل إلى المثل بعد انقضاء المدة المحددة. كما تقدم 60 نائباً، في فبراير/ شباط الماضي، بتعديلات على ست مواد في القانون، بغرض إخلاء الوحدة المؤجرة في حال غلقها لمدة ثلاث سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو حصول المستأجر أو زوجته على وحدة سكنية من برامج الإسكان الاجتماعي، وإنشاء صندوق لدعم المستأجرين غير القادرين، تكون حصيلته من موارد الضريبة العقارية التي تترتب عن الوحدات المخلاة وفقاً لأحكام القانون، ولمدة أقصاها 5 سنوات.
وكانت المحكمة الدستورية العليا في مصر قد قضت في عام 2018، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من قانون تأجير وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم 136 لسنة 1981، التي تنص على أنه "لا يجوز للمُؤجّر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، ليشمل ذلك عقود الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية، لاستعمالها في غير غرض السكن".
ويحذر خبراء في مجال العقارات البرلمان المصري من تمرير تشريعات تضرب استقرار المجتمع والعلاقات بين أفراده ومصالحهم، على غرار قانون الإيجارات القديمة، باعتبار أن تحرير العلاقة الإيجارية سيكون على حساب طبقات مطحونة، تضررت كثيراً من قرار تحرير سعر صرف الجنيه وما رافقه من ارتفاع في أسعار السلع الأساسية والخدمات العامة.