قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والدائرة المحيطة به، "فقدت حماستها تجاه فكرة الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي في رمضان الماضي، لكن الحرص على المضي قدماً فيه، يأتي نتيجة ضغوط أميركية من أجل تنفيذه".
فكرة الحوار الوطني المصري أميركية
وأكدت المصادر أن "فكرة الحوار في الأساس، طرحها مسؤولون أميركيون على الرئيس المصري، من أجل إكسابه الشرعية في ظل الأزمة الطاحنة التي تمر بها البلاد، والتي تخشى واشنطن من أن تتحول إلى اضطرابات شعبية، تؤثر على الاستقرار في المنطقة".
ولفتت المصادر إلى أن "المخاوف الأميركية من حدوث اضطرابات في مصر، جعلت إدارة الرئيس جو بايدن تتغاضى عن مواقفها السابقة من نظام السيسي، ودفعتها للبحث له عن مخرج سياسي من الأزمة التي تحيط به الآن، نتيجة الغضب الشعبي المكتوم من جهة، والقلق المتصاعد داخل أجهزة النظام نفسها، والتي وصلت إلى حد التململ وبحث سيناريوهات أخرى للمستقبل ليس من ضمنها السيسي".
وأوضحت المصادر أن "الإدارة الأميركية مضطرة الآن إلى حماية وتعويم نظام السيسي، لأنها تحتاج إلى خدماته في بعض القضايا التي تهم واشنطن، وعلى رأسها إسرائيل والحرب الروسية الأوكرانية، ومسألة الطاقة، وغيرها من الملفات، ولذلك طرحت فكرة الحوار السياسي الوطني".
فكرة الحوار في الأساس، طرحها مسؤولون أميركيون على الرئيس المصري من أجل إكسابه الشرعية
تصاعد المطالب السياسية من النظام المصري
وقالت المصادر إن "فتور حماسة النظام تجاه الحوار، جاء نتيجة أسباب عدة، على رأسها تصاعد الحديث حول المطالب السياسية الداخلية وعلى رأسها الديمقراطية، والتي وصلت إلى حد طلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة".
وأضافت المصادر أن "النظام لم يكن يتوقع أن تصل مطالبات البعض إلى هذا الحد الخطير، لا سيما في وقت يعاني فيه أصلاً من أزمات داخلية تهدد بزعزعة استقراره، ولذلك فهو يفكر في التراجع عن الفكرة، لولا الضغوط الدولية".
وأوضحت المصادر أن الدعوة التي أطلقها أخيراً عضو مجلس النواب السابق أحمد الطنطاوي، لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في إطار حديثه عن "الحوار السياسي" الذي دعا إليه السيسي، أزعجت الرئيس والدائرة المحيطة به لدرجة أنهم أعادوا النظر في فكرة الحوار نفسها. وقد نشرت مواقع صحافية محسوبة على النظام خبراً عن تقديم بلاغ ضد الطنطاوي، يتهمه بمحاولة قلب نظام الحكم، لكنها عادت وحذفت الخبر.
مسارات الحوار من وجهة نظر النظام المصري
وأوضحت المصادر أن الحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة، وقضايا سياسية أخرى، مثل ضرورة تعديل الدستور، دفع السيسي أخيراً إلى الحديث بانفعال عن المشككين في الحكومة، وقال "أوعى تحط رجل على رجل وتتكلم في موضوع وأنت متعرفوش".
وأضافت المصادر أن حديث السيسي، الذي جاء في افتتاح مشروع "مستقبل مصر الزراعي" قبل أيام، "حدد مسارات الحوار السياسي من وجه نظر النظام، وأغلق الباب أمام أي تصورات عن مستقبل البلاد السياسي، وحصر المناقشات المرتقبة في المسائل الاقتصادية فقط، وموضوع الإفراج عن بعض المعتقلين".
ولفتت المصادر إلى أن إسناد إدارة الحوار المفترض إلى ما تسمى بـ"الأكاديمية الوطنية للتدريب" الخاضعة لإشراف مباشر من السيسي، يجعلها الجهة الوحيدة التي من حقها توجيه الدعوة إلى المشاركين في الحوار.
النظام يفكر في التراجع عن فكرة الحوار، لولا الضغوط الدولية
وقالت المصادر إن "ما ساهم في تراجع حماسة النظام لفكرة الحوار السياسي أيضاً، هو توجه الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، المتحفظ أساساً على الفكرة، التي جاءت من خارجه وعبر جهاز المخابرات العامة"، وأوضحت أن "الأمن الوطني حارب فكرة الحوار بوسائل مستترة، مثل استخدام شخصيات سياسية تدين بالولاء له، لضرب الحوار والهجوم عليه".
توقف النشر عن الحوار في وسائل الإعلام المصرية
من جهتها، أكدت مصادر صحافية من داخل "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة للمخابرات العامة، والتي تمتلك وتدير معظم القنوات والصحف والمواقع المصرية، ما قالته المصادر حول "فتور حماسة النظام في موضوع الحوار السياسي".
وقالت هذه المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "الأخبار المتعلقة بأمور سياسية، عادة ما ترد بخصوصها تعليمات من الجهاز لرؤساء التحرير بشكل متواصل، لكن في ما يتعلق بموضوع الحوار السياسي، فإن آخر ما ورد من تعليمات، كان يوم 13 مايو/ أيار الحالي، وكان التأكيد على عدم نشر أي أخبار أو تصريحات صادرة عن المجموعة الوطنية للحوار (التي تشكلت بعد دعوة السيسي للحوار الوطني)، وأي مشاركة للمجموعة في أي اجتماع أو ندوة أو لقاء".
وأضافت المصادر أنه "منذ ذلك التاريخ، لم ترد أي تعليمات بخصوص الحوار، وبالتالي توقف النشر عن الموضوع أصلاً".
وحسب المصادر، فقد ضمت قائمة الممنوعين من نشر أخبارهم آنذاك كلاً من حازم الملاح، ويوسف الورداني، ونرمين ميشيل، وشادي العدل، وحسن شاهين، وعادل طه سلام، وأحمد مجدي، وهيثم عوض، وأحمد العناني، ثم أضيف إلى القائمة السابقة كل من أيمن الدهشان، وشيماء شحاتة، وهيثم عواد، ورامي عطا.
السيسي أغلق الباب أمام أي تصورات عن مستقبل البلاد السياسي
إجراءات محدودة في إطار الحوار المصري
وقالت مصادر سياسية مصرية إن "النظام المصري نجح إلى حد الآن، في تسويف مسألة الحوار الوطني المزعوم، من خلال طرح مبادرات مختلفة، من قبل جهات محسوبة أساساً على النظام، مثل الأكاديمية الوطنية للتدريب، والتي حتى الآن لم تفعل سوى توجيه رسائل إلى شخصيات سياسية وحزبية بعينها، تطالبهم فيها بإرسال أفكارهم حول هذا الحوار".
واطلعت "العربي الجديد" على إحدى هذه الرسائل والتي جاء فيها الآتي: "نتشرف بتلقي رؤيتكم نحو تنفيذ الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية خلال إفطار الأسرة المصرية، والذي كلف المؤتمر الوطني للشباب بإدارته".
وتابعت: "كون الأكاديمية الوطنية للتدريب المشرفة على المؤتمر الوطني للشباب، وبكونها هيئة محايدة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، ننتظر منكم إرسال هذه الرؤية خلال أسبوع من تاريخه، والتي نأمل أن تشتمل على محاور الحوار ومحدداته وآليات عمله وأجندته، حتى يتسنى لنا البدء الفوري في تنفيذ جلسات الحوار الوطني وفقاً لرؤية واضحة ومحاور عمل محددة".
وأصدرت "الأكاديمية الوطنية للتدريب" الخاضعة لإشراف مباشر من الرئيس المصري، في العاشر من مايو الحالي، بياناً قالت فيه إنها ستدير "الحوار الوطني" الذي دعا إليه السيسي في 26 إبريل/ نيسان الماضي، بـ"كل تجرد وحيادية تامة"، مشيرة إلى اقتصار مهمتها على التنسيق بين الفئات المختلفة المشاركة في الحوار، من دون التدخل في مضمون أو محتوى المناقشات التي سيشملها.
وقالت الأكاديمية، في بيانها، إنها انتهت من "وضع الملامح التنفيذية للحوار المرتقب بين مختلف فئات المجتمع، تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية للمؤتمر الوطني للشباب، والذي يتم تنظيمه تحت مظلة الأكاديمية، في شأن التنسيق مع التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار جاد حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، ورفع نتائج هذا الحوار إلى الرئيس شخصياً".
النظام المصري نجح إلى حد الآن في تسويف مسألة الحوار الوطني المزعوم
وأوضحت الأكاديمية أنها تستهدف "إفساح المجال أمام حوار وطني جاد وفعال وجامع لكافة القوى والفئات، يتماشى مع طموحات وتطلعات القيادة السياسية، والقوى السياسية المختلفة، ويكون خطوة تساعد على تحديد أولويات العمل الوطني، وتدشين جمهورية جديدة تقبل بالجميع، ولا يمكن فيها أن يفسد الخلاف في الرأي للوطن قضية".
تحويل الحوار لورقة بيد النظام
وقالت المصادر السياسية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن "دعوة الأكاديمية الوطنية للتدريب، وغيرها من الجهات مثل نقابة الصحافيين التي دعت أعضاءها إلى تقديم مقترحات حول الحوار، هي مجرد أساليب لإطالة أمد الموضوع، وتحويله إلى مجرد ورقة لعب سياسية في يد النظام، يخرجها عندما يشتد الضغط الخارجي عليه، ويواريها عندما يخفت هذا الضغط".
في المقابل، قال مصدر على صلة بمسار الحوار لـ"العربي الجديد"، إنه وعدد من السياسيين وتحديداً من حزب "الكرامة"، "علّقوا تفاعلهم مع الحوار الوطني المفترض الذي دعا إليه السيسي قبل أسابيع، إلى حين تنفيذ قائمة العفو الرئاسي التي وعدت بها الرئاسة، على أن تتضمن اسم السياسي البارز يحيى حسين". لكنه أكد في الوقت ذاته أن "نسبة المعترضين على الحوار قليلة، وأغلبية القيادات السياسية والحزبية، متماهية مع دعوة الحوار".
وعوقب يحيى حسين، قبل أيام، بالسجن أربعة أعوام بتهمة نشر أخبار كاذبة، بعد انتقاده للسلطة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك". وحسين عضو بارز بالحركة المدنية التي تضم عدة أحزاب سياسية معارضة، وسبق أن خدم بالقوات المسلحة كضابط مهندس.
وكان صحافيون مصريون قد رفعوا أخيراً في بيان مشترك، مطالب عاجلة عدة، في مقدمتها تحرير الصحافة والإعلام، والإفراج عن سجناء الرأي، قبل الانخراط في أي حوار وطني يستهدف الخروج من المأزق السياسي الراهن.
عدد من السياسيين علّقوا تفاعلهم مع الحوار الوطني
وأكد الموقّعون في بيانهم الذي لا يزال يستقبل تواقيع عشرات الصحافيين، ترحيبهم بالدعوة المطروحة للحوار الوطني، وشددوا على أن "الحوار المتكافئ، ومشاركة جميع فئات المجتمع في طرح الرؤى والنقاش حول سبل الخروج من المأزق الراهن، لن يأتي إلا بتوافر الظروف المواتية لحوار ديمقراطي".
وكان نقيب الصحافيين المصريين ضياء رشوان قد أطلق دعوة لعموم الصحافيين المصريين، لإرسال مقترحاتهم بشأن القضايا التي يرغبون في طرحها على طاولة الحوار الوطني، واقترح أن تكون مقترحات الصحافيين متعلقة بعدة محاور ليس من بينها ملف الحريات والصحافيين في السجون.
وقال الصحافيون إنهم "تابعوا دعوة نقيب الصحافيين للزملاء أعضاء الجمعية العمومية لإرسال مقترحاتهم بشأن الحوار الوطني، ورأوا أن هناك خطوات وملاحظات مهمة وجادة ينبغي إعلانها تتعلق بشكل الدعوة الموجهة لأعضاء الجمعية العمومية وبتهيئة الأجواء لإنجاح الحوار".