محكمة مصرية تقضي بالسجن على علاء والباقر وأوكسجين

20 ديسمبر 2021
السجن 5 سنوات للناشط علاء عبد الفتاح (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

قضت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في مصر، اليوم الاثنين، بالسجن خمسة أعوام للناشط علاء عبد الفتاح، و4 أعوام لكل من المحامي الحقوقي محمد الباقر والمدوّن المعروف باسم محمد أوكسجين، وذلك بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الأمن القومي.

جاء الحكم بعد إدانات دولية ومحلية بمحاكمتهم أمام محكمة استثنائية لا تقبل الطعن أو النقض أو الاستئناف، وبعد مطالبات شتى بإحالتهم إلى قاضيهم الطبيعي للنظر في قضيتهم، ووضع حد لما تعرّضوا له من انتهاكات منذ لحظة القبض عليهم في سبتمبر/أيلول 2019، مروراً بمحاكمتهم التي شهدت هي الأخرى انتهاكات إضافية، خاصة حقهم في الدفاع.

وبدأت وقائع جلسة محاكمة محمد الباقر وعلاء عبد الفتاح ومحمد إبراهيم في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وذلك بعد أيام من إحالة نيابة أمن الدولة العليا القضية إلى محكمة جنح أمن الدولة طوارئ. وجاء قرار الإحالة متضمناً اتهامات "نشر أخبار كاذبة"، وذلك بعد أن نسخت نيابة أمن الدولة العليا صورة من القضية 1356 لسنة 2018 أمن دولة، والموجهة فيها إليهم اتهامات بإذاعة ونشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، وذلك بالمخالفة للمادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية، في حين احتفظت النيابة بحقها في استكمال التحقيقات في اتهام الانضمام إلى جماعة إرهابية في القضية السابقة.

وبالنظر إلى سير المحاكمة، ففي ظل وجود أمني مكثف وحراسة مشددة، انعقدت دائرة جنح التجمع الخامس، للفصل في وقائع هذه القضية على مدار ثلاث جلسات. 

العفو الدولية: الأحكام تزييف للعدالة وبطش بالمعارضين

وفي تعليق على أحكام السجن التي صدرت اليوم، قالت منظمة العفو الدولية، إن "تلك الأحكام هي تزييف للعدالة في مصر".

وأضافت المنظمة، في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع "تويتر"، أن "الحكم بسجن علاء 5 سنوات، والباقر وأوكسجين 4 سنوات، هو تذكير ببطش السلطات المصرية بالمعارضين"، مطالبة بـ"إلغاء هذه الأحكام، وإطلاق سراح الناشطين الثلاثة فوراً".

وفي آخر الجلسات، تحدّث علاء عبد الفتاح عن ظروف قضيته، وطالب بإحالته إلى قاضيه الطبيعي، والتصريح لدفاعه بزيارته والحصول على صورة رسمية من القضية، وكذا التصريح بتوكيل محام له لمخاصمة نيابة أمن الدولة. 

كما تحدّث محمد الباقر عن انتهاك نيابة أمن الدولة لضمانات المحاكمة العادلة، وطلب إعادة الأوراق إلى النيابة العامة، وندب قاض للتحقيق في القضية، بالإضافة إلى إحالتهم إلى القاضي الطبيعي. 

وكانت المحكمة قد أثبتت أثناء الجلستين الأوليين، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021 و1 نوفمبر/تشرين الثاني، الدفوع من المتهمين والمحامين. كما طلب الدفاع أيضاً التصريح بإقامة دعوى عدم دستورية المادة رقم 19 من قانون الطوارئ، مع التصريح بالحصول على شهادات من المحكمة الدستورية حول هذا الشأن، بناءً على قرار رئيس الجمهورية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد.

وفي الجلسة قبل الأخيرة بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وبناءً على عدم تنفيذ المحكمة أياً من طلبات المحامين أو المتهمين، أبدى الدفاع عدم اطمئنانه للمحكمة، وتقدموا بمذكرة مخاصمة القاضي. وعلى إثر ذلك، قام القاضي برفع الجلسة، ليعود بعد ذلك طالباً من النيابة إبداء طلباتها، حيث قدمت النيابة مذكرة مرافعة طالبت فيها بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين. الأمر الذي أثار اعتراض الدفاع، لقيام النيابة بالترافع قبل تحقيق طلباتهم أو السماح بالحصول على صورة ضوئية من القضية، بالمخالفة لنص المادة 84 من قانون الإجراءات الجنائية، حيث فوجئ المتهمون والدفاع بإصدار القاضي في نهاية الجلسة قراره بحجز الدعوى للحكم في جلسة 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، مع الاستمرار في رفض السماح بحصول المتهمين أو دفاعهم على تصوير القضية أو تنفيذ طلباتهم أو حتى السماح بمرافعة دفاع المتهمين، ما يخالف نص المادة 96 من الدستور الذي يفترض أصل البراءة في المتهمين، كما يعد اكتفاء القاضي بأدلة النيابة (الخصم في القضية) مثيرًا للشك حول عدالة الحكم الصادر، فضلًا عن كونه حكمًا نهائيًا لا يجوز الطعن عليه، إلا بإصدار عفو من رئيس الجمهورية.

ويمكن إيجاز أبرز الانتهاكات الأخرى، التي تعرّض لها المتهمون منذ القبض عليهم وحتى الآن، في تعرّضهم للحبس الاحتياطي المطول بالمخالفة لنص القانون، حيث قامت نيابة أمن الدولة بإحالتهم إلى المحاكمة بعد تجاوزهم أقصى مدة للحبس الاحتياطي المنصوص عليها قانوناً، وفقاً لنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، بدلاً من تنفيذ القانون وإخلاء سبيلهم، واستمرت المحكمة في نظر الدعوى هي الأخرى متغافلة عن تطبيق القانون. 

فضلاً عن إحالتهم إلى قضاء استثنائي، وهو محكمة أمن الدولة طوارئ، بتهمة نشر أخبار كاذبة، وهي اتهامات لا يتضمنها قانون الطوارئ. 

الجدير بالذكر أن المحامي محمد الباقر والناشطين علاء عبد الفتاح ومحمد أوكسجين، لا يزالون محبوسين على ذمة القضية 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، ويتم تجديد حبسهم احتياطياً عليها، في حين ينتظر المحامي محمد الباقر قضية أخرى، قامت نيابة أمن الدولة بتدويره عليها مسبقاً، حملت رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، بذات الاتهامات المنسوبة إليه فى القضايا السابقة، والموقوف حبسه فيها لحين الفصل فى القضية 1356. 

كما حكمت محكمة الجنايات بإدراج علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر في قوائم الإرهابيين مدة 5 سنوات، الأمر الذي سيؤثر سلباً على حقوقهم حتى في حالة الإفراج الفوري عنهم، خاصة مع التعديلات على قانون الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2018 التي تم إدخالها عام 2020.

وقبل يومين، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً عبّرت فيه عن استياء مصر الشديد تجاه البيان الصادر عن الخارجية الألمانية، الذي طالب بالإفراج عن عبد الفتاح والباقر وأوكسجين، في جلسة النطق بالأحكام الصادرة في حقهم أمام محكمة استثنائية، لا يجوز الطعن على أحكامها.

وقالت الخارجية المصرية إن "هذا الأسلوب ينطوي على تجاوزات غير مقبولة، ويُعدّ تدخلاً سافراً وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، ويُصادِر على مسار قضائي من دون دليل أو سند موضوعي"، على حد زعم البيان الصادر عنها، والذي أضاف أنه "من المُستغرَب أن تطلب الحكومة الألمانية احترام القانون، وتدعو في ذات الوقت إلى التدخل والتأثير على أحكام القضاء المصري الشامخ، والمشهود له بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، وهو ما نرصد معه ازدواجية المعايير".

وكانت وزارة الخارجية الألمانية قد أعلنت أن "الحكم بحق المحامي محمد الباقر يُعدّ بالنسبة للحكومة الاتحادية بمثابة إشارة إلى الاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر"، مضيفة أن "الحكومة الألمانية تتوقع أن تعمل الحكومة المصرية على تحقيق محاكمة عادلة، وكذلك الإفراج عن الباقر والمتهمين الآخرين علاء عبد الفتاح ومحمد إبراهيم (أوكسجين)".

وشددت على أنه "لا تجوز معاقبة المحامين على ممارسة نشاطهم المهني"، وتابعت أنه "من وجهة نظر حكومة ألمانيا الاتحادية، فإن حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي، ومشاركة جميع الأوساط الاجتماعية، والاستقرار المستدام".

ونددت مفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان، بيريل كوفلر، في وقت سابق، باستمرار اعتقال الباقر، المحامي المدافع عن حقوق الإنسان، داعية السلطات المصرية إلى تحسين ظروف احتجازه، بما يشمل "توفير سرير له، وكذلك قضاء وقت في الهواء الطلق، والتمكن من الوصول إلى الأغراض الشخصية مثل الكتب أو الملابس".

واعتُقل علاء عبد الفتاح قبل أكثر من عامين، وتم نسخ القضية الجديدة له استناداً إلى منشور شاركه قبل عدة سنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من المفترض إخلاء سبيله والباقر بعد مرور عامين على حبسهما احتياطياً، وهي المدة القصوى المقررة في القانون المصري. لكن خلال آخر جلسة لتجديد حبسهما، صدر القرار مجدداً بتمديد الحبس لمدة 45 يوماً على ذمة التحقيقات.

أما أوكسجين، فقد ألقي القبض عليه أثناء وجوده في ديوان قسم شرطة البساتين بالقاهرة لتنفيذ تدبير احترازي، واستمر حبسه الاحتياطي حتى قررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيله، لكن القرار لم تنفذه الأجهزة الأمنية، ليفاجأ محاموه بعرضه على نيابة أمن الدولة في القاهرة متهماً للمرة الثالثة بذات الاتهامات، وصولاً إلى إعادة تدويره في نفس قضية علاء والباقر.

وتركز ظاهرة إحالة المعتقلين في مصر، لا سيما الذين يبرز اهتمام غربي بوضعهم ومطالبات بالإفراج عنهم، إلى المحاكمة في قضايا "ملفقة" جديدة أمام محكمة أمن الدولة، بهدف تقنين استمرار اعتقالهم من دون الدخول في حسابات قانونية معقدة، ارتباطاً بانتهاء فترة الحبس الاحتياطي المقررة قانوناً.

يُذكر أن محاكم جنح أمن الدولة (طوارئ) هي محاكم استثنائية في مصر، ومعروف عنها إصدار الأحكام المغلّظة، لا سيما في حق المعتقلين على ذمة قضايا سياسية، إذ لا يسمح قانون الطوارئ للمحكوم عليهم بالطعن فيها، أو باستئناف الأحكام.

وكانت أجهزة الأمن المصرية قد فرضت إجراءات أمنية مشددة خلال جلسة النطق بالحكم، ومنعت العديد من المتضامنين مع المتهمين من دخول مبنى المحكمة، وذلك بعد أربع جلسات رفضت فيها المحكمة الاستماع إلى مرافعات أي من المتهمين، أو تسليم هيئة الدفاع عنهم نسخة من أوراق القضية، في مخالفة صارخة للقانون.

وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت منظمة العفو الدولية عريضة إلكترونية لإطلاق سراح الباقر، بوصفه محامياً حقوقياً يدافع عن الأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم الإنسانية. وفي سبتمبر/أيلول 2019، توجه الباقر إلى مكتب نيابة أمن الدولة العليا للدفاع عن الناشط البارز علاء عبد الفتاح، لكن السلطات المصرية ألقت القبض عليه، وأدرجته في أوراق نفس القضية للأخير.

وأمضى الباقر، وهو مدير "مركز عدالة للحقوق والحريات" الذي يركز على التجاوزات في نظام العدالة الجنائية، ما يزيد عن عامين رهن الاحتجاز من دون توجيه تهم إليه أو تقديمه للمحاكمة، ثم أحالته السلطات إلى المحاكمة أمام محكمة الطوارئ بتهمة "نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الأمن القومي"، لكن من الواضح أنه يعاقب بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان، وفقاً للمنظمة.