تربط مصادر مقربة من الدائرة المحيطة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجوءه إلى ما تبقى من معسكر الثلاثين من يونيو (حزيران 2013)، وبين تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما خلفته من آثار سياسية واقتصادية على العالم لم تكن مصر بمنأى عنها.
وبحسب المصادر، فإن الدعوة إلى حوار سياسي، التي أطلقها السيسي الشهر الماضي، وأعقبها الإفراج عن بعض المعارضين من المحسوبين بالأساس على مشروع الثلاثين من يونيو الداعم للانقلاب العسكري، وغيرها من المؤشرات، محاولة من الرئيس لإعادة ترميم "معسكر 30 يونيو".
وكان المعسكر تفكك في الفترة الأخيرة لأسباب عدة، من بينها تأكيد السيسي، أكثر من مرة في الفترة الأخيرة، أن ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 هو "صناعة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وحدها، والتي أنقذت الدولة من خطر الإرهاب والانهيار"، وسياسة استبعاد الشخصيات المدنية التي كانت داعمة لانقلاب 2013، وكانت شريكة للنظام، من المشهد السياسي، حتى إن بعضهم ألقي به في السجون.
محاولة شخصيات مدنية إعادة التموضع والاصطفاف في صفوف المعارضة زاد الفجوة بينها وبين نظام السيسي
وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "تخلص السيسي تدريجياً من الشخصيات المدنية التي كانت شريكة له سابقاً جاء بسبب عدم ثقة مبدئية من قبل العسكريين، وعلى رأسهم السيسي، في التيار المدني بشكل عام، وفي قدرته على المشاركة في إدارة الحكم".
لجوء شخصيات مدنية إلى المعارضة
وقالت المصادر إنه "مع شعور بعض الشخصيات المدنية بالتهميش والاستبعاد، لجأت إلى محاولة إعادة التموضع والاصطفاف في صفوف المعارضة، وهو ما زاد الفجوة بينها وبين نظام السيسي، والتي أدت في بعض الأحيان إلى إلقاء القبض على بعضها وسجنها لمدد طويلة".
وأشارت المصادر إلى أن "الفترة الأخيرة شهدت محاولات من جانب النظام لإصلاح ذلك الوضع، من خلال استعادة بعض الشخصيات التي كانت داعمة لانقلاب 3 يوليو، ثم تحولت إلى صفوف المعارضة".
وأوضحت أن الشخصيات تتضمن "رئيس حزب الدستور السابق الصحافي خالد داوود، الذي كان عضو ما يسمى بجبهة الإنقاذ، التي قدمت الدعم السياسي لانقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي جرى اعتقاله وحبسه لمدة تزيد عن عامين، قبل الإفراج عنه في إبريل/ نيسان 2021، وأخيراً تجرت دعوته إلى إفطار الأسرة المصرية، الذي نُظّم برعاية السيسي في رمضان الماضي، وكرر خلاله الدعوة إلى حوار سياسي".
وأوضحت أن "هناك بعض الشخصيات السياسية التي كانت محسوبة على معسكر 30 يونيو، وجرى تهميشها واستبعادها من المشهد السياسي، وعلى رأسها المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ورئيس حزب الكرامة السابق حمدين صباحي، والقيادي العمالي السابق ووزير القوى العاملة السابق كمال أبو عيطة، والسياسي الاشتراكي فريد زهران، والمحامي طارق العوضي، ونقيب الصحافيين ضياء رشوان، وعضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ، وعضو حركة تمرد محمد عبد العزيز، والمخرج خالد يوسف".
وخلال "إفطار الأسرة المصرية"، أُعلن عن إعادة تشكيل ما يسمى بـ"لجنة العفو الرئاسي"، التي لاقت هجوماً واعتراضات من قبل البعض الذي رآها بدون جدوى، نظراً لأن الأجهزة الأمنية تعلم جيداً حالة كل معتقل وظروف اعتقاله، وهي في النهاية من تقرر من ستشملهم قائمة العفو الرئاسي.
ووصف المحامي طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي، المشككين في دور اللجنة بأنهم "إخوان"، وذلك على الرغم من أن المحامي والحقوقي المحسوب على الأجهزة الأمنية نجاد البرعي هاجم هو أيضاً "لجنة العفو الرئاسي".
وكتب البرعي على حسابه على "تويتر": "أفتكر (أعتقد) أسهل بكثير من تشكيل كيان جديد، أن ندع الكيانات القائمة تعمل. بدل لجنة العفو، نشوف النيابة العامة، ونشوف أجهزة الأمن المختلفة، ونشوف المجلس القومي لحقوق الإنسان. هذا أكثر إنجازاً وأسرع أداء. هي الناس لسه هتدخل على المنصة الإلكترونية تملأ استمارة علشان القانون يتم تطبيقه؟".
وقال العوضي، في بيان رداً على الاتهامات، إن "جماعة الإخوان تشن هجوماً على اللجنة منذ إعادة تشكيلها الأسبوع الماضي، بهدف التشكيك في نوايا أعضاء اللجنة، وأيضاً إطلاق الشائعات والمعلومات الكاذبة حول من سيتم العفو عنهم".
وأضاف أن "أي عدد يتم الإفراج عنه، مهما كان، مكسب حقيقي وانتصار أفخر به على المستوى الشخصي، وإن كنّا نعمل جدياً على أن يتم العفو وإخلاء سبيل كل من لم تتلوث يداه بدماء مصرية، أو يستخدم العنف في نشاطه السياسي".
خلافات بين المخابرات و"الأمن الوطني"
وكشفت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، عن خلافات بين جهاز المخابرات العامة من جهة، وقطاع "الأمن الوطني" بوزارة الداخلية من جهة أخرى، حول قرارات الإفراج عن المعتقلين.
وقالت المصادر إن "الأمن الوطني حريص على التمسك بما يراه حقه الطبيعي في اختيار المعتقلين الذين سيصدر بشأنهم قرار العفو، حتى إنه في بعض الأحيان يقوم بالإفراج عن بعض المعتقلين الذين لم تصدر بحقهم أحكام نهائية وباتة، ممن يقبعون في السجون بقرارات من النيابة العامة بحبسهم احتياطياً".
ولفتت إلى أنه "بعد الإفراج عن حسام مؤنس وبعض النشطاء السياسيين، في رمضان الماضي، بقرار من السيسي وبتوصية من رئيس المخابرات اللواء عباس كامل، حرص الأمن الوطني على توجيه رسالة مفادها أنه هو في النهاية من يختار المفرج عنهم، وأنه في سبيل إثبات ذلك، تم الإفراج عن الصحافيين عامر عبد المنعم، وهاني جريشة، وعصام عابدين، وهم محسوبون على تيار الإخوان المسلمين".
ورغم تأكيد مصدر مطلع في لجنة العفو المصرية، التي أعيد تشكيلها بموجب قرار من السيسي مؤخراً، أن اللجنة استبعدت جميع المحسوبين على تيار "الإسلام السياسي" من القوائم المبدئية التي تعدها بشأن السجناء الصادرة في حقهم أحكام نهائية، فقد أكدت المصادر الخاصة أن "الأمن الوطني هو صاحب القرار في الإفراج عن الصحافيين المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين".
مستبعدون من لجنة العفو
وقال مصدر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنه "في مقدمة المستبعدين من لجنة العفو، رئيس حزب مصر القوية المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، ونائبه محمد القصاص، إضافة إلى جميع المتهمين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين المتورطين في قضايا عنف أو إرهاب".
خلافات بين جهاز المخابرات العامة وقطاع "الأمن الوطني" بوزارة الداخلية حول قرارات الإفراج عن المعتقلين
وأشار إلى أن "قوائم اللجنة ستقتصر على سجناء الرأي من الناصريين واليساريين المحسوبين على المعارضة المدنية، تمهيداً لعرض قائمة أولى تتضمن أسماء نحو 30 منهم على رئيس الجمهورية، للنظر في الأسماء الواردة في القائمة عقب انتهاء إجازة عيد الفطر".
وضمت لجنة العفو في تشكيلها الجديد وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب محمد عبد العزيز (من مؤسسي حركة "تمرد")، وزميله في البرلمان طارق الخولي، والناشط كريم السقا، والمحامي طارق العوضي، ووزير القوى العاملة السابق كمال أبو عيطة.
وأفاد المصدر بتلقي اللجنة قائمة من نقيب الصحافيين ضياء رشوان، تضم 18 اسماً من أعضاء النقابة المحبوسين احتياطياً، من دون أن تتضمن أسماء صحافيين محتجزين من غير أعضاء النقابة. وأشار إلى أن اللجنة تفحص حالياً أسماء بعض الشباب المحبوسين من أحزاب مثل "الدستور" و"المصري الديمقراطي" و"التحالف الشعبي" و"الكرامة".
الحوار يهدف لمصالحة "جبهة 30 يونيو"
في السياق نفسه، قال مصدر برلماني إن "الحوار السياسي" الذي تحدث عنه السيسي في حفل "إفطار الأسرة المصرية" قبل يومين، يهدف إلى إحداث حالة من المصالحة مع التيار المحسوب على ما يعرف بـ"جبهة 30 يونيو"، والذي أيد إطاحة مرسي وشارك في تشكيل أول حكومة تالية برئاسة حازم الببلاوي عام 2013".
وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "التيار الناصري على وجه أخص كان جزءاً لا يتجزأ من نظام السيسي، حتى إعلان تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عام 2017، وما تلا ذلك من اعتقالات واسعة في صفوف التيارين الناصري واليساري، وهو ما أحدث تغييراً شكلياً في مواقف هذه التيارات من النظام".
وأوضح أن "التيار الناصري في مصر يعتمد على مبدأ "الشللية" في المقام الأول، الأمر الذي دفع المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي إلى مطالبة السيسي بالإفراج عن المتحدث السابق باسم "التيار الشعبي" الصحافي حسام مؤنس منفرداً، على الرغم من تطابق موقفه القانوني مع الصحافي هشام فؤاد عبد الحليم، والمحامي والبرلماني السابق زياد العليمي".
وفي موقف بدا "شديد الانتقائية"، أصدر السيسي قراراً جمهورياً بالإعفاء من العقوبة المقضي بها على مؤنس في القضية رقم 957 لسنة 2021 (جنايات أمن الدولة طوارئ)، والصادر بشأنها حكم نهائي بحبسه مدة 4 سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة وتهديد الأمن والسلم العام".
تشكيك بإجراء مصالحة حقيقية
وشكك حقوقي بارز وأحد أساتذة القانون في "نية النظام المصري إجراء مصالحة مجتمعية حقيقية، وحوار سياسي حقيقي، وعفو شامل عن المعتقلين السياسيين".
وقال المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، إن "المصالحة المجتمعية لها آليات متعارف عليها دولياً، وهناك دول خاضت تجربة المصالحة، كما أن الدستور المصري نص عليها، ورغم ذلك لم تحدث". وفي الفصل الثاني من دستور عام 2014، وتحت عنوان "الأحكام الانتقالية"، نصت المادة 241 على أن "يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية".
وقال المصدر إنه "لا يعتقد أن النظام المصري سيقوم بتطبيق آليات العدالة الانتقالية بشكل حقيقي، أو الشروع في المصالحة التي نص عليها الدستور"، مضيفاً أنه "لا توجد مصالحة حقيقية، ولا عفو حقيقي، ولا حوار سياسي واقعي، وبخاصة بعد مرور أكثر من 11 سنة على ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، و9 سنوات على انقلاب يوليو 2013".