مصر: ألف يوم على إخفاء مصطفى النجار

25 يونيو 2021
أبلغت العائلة باعتقال النجار في معسكر للأمن (علي فهيم/فرانس برس)
+ الخط -

في 25 يونيو/حزيران الحالي، يتم الناشط السياسي والبرلماني السابق، وأحد مؤسسي حزب العدل المصري، مصطفى النجار، ألف يوم في المجهول، منذ إخفائه قسرياً في 28 سبتمبر/أيلول 2018. يومها، توجّه النجار إلى محافظة أسوان، جنوبي مصر، ثم انقطع التواصل معه تماماً، إلا أنه، وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تلقت زوجته مكالمة هاتفية من شخص مجهول على هاتف المنزل يفيد بأنه تم إلقاء القبض عليه وموجود في معسكر قوات الأمن في الشلال. ووفق شهاداتهم، تخوّفت زوجته وأصدقاؤه من أن يكون حرس الحدود ربما قتلوه أثناء محاولته مغادرة البلاد لتجنّب السجن، ويرفضون الكشف عن مصيره. وعلى الرغم من هذا التخوف، لا تزال أسرة النجار، تتمسك بالأمل، علّه يعود يوماً، من خلال البلاغات التي حرّرتها الأسرة للنيابة العامة المصرية، والسلطات المعنية، بخصوص اختفائه، ومطالب تتبع رقم هاتفه، واستغاثة إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي للكشف عن مصيره.

وصل عدد المخفیین قسریاً في مصر خلال سبع سنوات إلى 11224 حالة

ووثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر مطلع عام 2021، بشأن انتهاكات الشرطة وقوات الأمن المصرية، أن قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني أخفوا معارضين قسراً واعتقلوهم تعسفاً وعذبوهم، وكان من بينهم أطفال. ووصل عدد المخفیین قسریاً في مصر خلال سبع سنوات من حكم السيسي، إلى 11224 حالة، تشمل كافة الأعمار في المجتمع المصري، من ضمنها 3045 حالة إخفاء قسري في 2020 وحده، فضلاً عن قتل 59 مخفياً قسراً خارج نطاق القانون من قبل الدولة بعد ادعاء تبادل إطلاق نار وإعلان مقتلهم على الرغم من توثيق اختفائهم السابق لهذا الإعلان، وذلك حسب حصر مركز الشهاب لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) عن جريمتي الإخفاء القسري والانتهاكات في مقار الاحتجاز، في نهاية 2020.

النجار، طبيب أسنان وناشط سياسي ومدون وبرلماني سابق، وأحد مؤسسي حزب العدل. أسّس بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 هذا الحزب مع عدد من شباب الثورة، وهو أول حزب شبابي مصري ضم عدداً كبيراً من شباب الثورة. وكان النجار منسقاً لـ"شبكة صحافيون ومدونون عرب من أجل حقوق الإنسان"، وهي شبكة حقوقية عربية مقرها بيروت، وأحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير وواحد من رموزها الشابة قبل الثورة. كما تولى منصب منسق "الحملة الشعبية لدعم (محمد) البرادعي ومطالب التغيير" قبل الثورة.

وتعد جريمة الإخفاء القسري انتهاكاً صريحاً لنصوص الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية. إذ تنص المادة 54 من الدستور المصري على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".

كما تقول المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري: "يعتبر كل عمل من أعمال الإخفاء القسري جريمة ضد الكرامة الإنسانية ويدان بوصفه إنكارا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا خطيراً وصارخاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأعادت تأكيدها وطورتها الصكوك الدولية الصادرة في هذا الشأن، وإن عمل الإخفاء القسري يحرم الشخص الذي يقوم به، من حماية القانون، وينزل به وبأسرته عذاب شديد. وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل، ضمن جملة أمور، حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون، وحقه في الحرية والأمن، وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة. كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديداً خطيراً له".

تتخوف عائلة النجار من احتمال مقتله، لكنها تتمسك بأمل عودته

وتقول المادة الثانية من الإعلان ذاته، إنه "لا يجوز لأي دولة أن تمارس أعمال الإخفاء القسري أو أن تسمح بها أو تتغاضى عنها. وتعمل الدول على المستوى الوطني والإقليمي، وبالتعاون مع الأمم المتحدة في سبيل الإسهام بجميع الوسائل في منع واستئصال ظاهرة الإخفاء القسري".

وتخالف السلطات المصرية هذه المادة تحديداً في الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي يطالب السلطات بالبحث عن المخفيين قسرياً. ففي أغسطس/آب 2020، حصلت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) على حكم قضائي بإلزام وزارة الداخلية المصرية، بالبحث والكشف عن مصير المخفيين قسرياً، وعدم الاكتفاء بنفي وجودهم في مقار الاحتجاز والسجون، وهو حكم قضائي يعد الأول من نوعه. ونصّ الحكم على أنه "ينبغي على المسؤولين في وزارة الداخلية الامتثال لحكم القضاء الإداري وأن تقوم بدورها المحدد دستورياً وقانونياً، وتأديته على الوجه اﻷكمل. ومن أهم تلك الواجبات العلم بمكان تواجد أي مواطن وإقامته ما دام حياً وأن تقوم بما تملكه من أجهزة بالبحث والتحري عن مكان أي مواطن يختفي وأن تحدد مكانه أو تبيّن مصيره ولا يجوز لها الاكتفاء بذكر أن المواطن غير موجود بالسجون وإلا اختل اﻷمن والنظام في المجتمع وسادت الفوضى والاضطرابات وأضحي التزام وزارة الداخلية وواجبها في المحافظة على أرواح المواطنين ليس إلا تسجيلا في سطور ومدادا على ورق دون أدنى فائدة ترجى منه".

المساهمون