مصر: "القومي لحقوق الإنسان" يتبرأ من تصريحات جورج إسحاق بشأن مقتل "ديشه"

12 اغسطس 2022
تكرار حالات القتل تحت التعذيب في السجون المصرية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تبرأ "المجلس القومي لحقوق الإنسان" الحكومي في مصر، اليوم الجمعة، من تصريحات عضو المجلس جورج إسحاق بشأن واقعة مقتل المواطن مصطفى منتصر حامد، الشهير بـ"ديشه"، داخل قسم شرطة المنتزه في محافظة الإسكندرية، وانتقاده أوضاع السجون ومقار الاحتجاز المصرية، في مداخلة له مع إحدى القنوات الفضائية التي تبث من الخارج.

وسببت تصريحات إسحاق حول أوضاع حقوق الإنسان حرجاً شديداً للمجلس، الذي سارع إلى إصدار بيان يرفض فيه حديثه عن ظروف الاحتجاز "غير المحتملة" في بلاده من جراء التكدس الشديد للمحتجزين داخلها، وتكرار حالات الوفاة بينهم. إذ وصف إسحاق المعاملة في أقسام الشرطة بأنها "من أسوأ ما يكون"، داعياً أعضاء "القومي لحقوق الإنسان" إلى تنظيم المزيد من زيارات السجون وأقسام الشرطة.

وقال المجلس، في بيانه، إنه "مطمئن تماماً لنتائج تحقيقات النيابة العامة في ما يُثار عن وقائع وفاة بعض المحتجزين، وآخرها واقعة وفاة المحبوس احتياطياً مصطفى ديشه بتهمة إحراز وحيازة مواد مخدرة، والتي خلصت إلى عدم وجود شبهة جنائية في وفاته"، معتبراً أن تصريحات أحد أعضاء المجلس حول الأوضاع في السجون "تعبر عن رأيه الشخصي، ولا تعبر بأي حال عن رأي المجلس".

وأضاف أن "هناك تعمداً للتناول المغلوط لبعض تصريحات وتحركات المجلس القومي لحقوق الإنسان المتعلقة بقضايا السجون ومقار الاحتجاز، وإقحام هذه التصريحات في سياق تعليقات غير مقبولة على بعض قرارات النيابة العامة، ونتائج تحقيقاتها"، زاعماً أن المجلس "ينفذ خطة طموحة لزيارة السجون، ومتابعة خطة الإحلال التي تنفذها وزارة الداخلية"، ويطمئن "تماماً للجهود التي تبذلها الوزارة في هذا الشأن".

وأشاد المجلس بما أسماه "التطور في توفير مقومات احترام وتعزيز حقوق نزلاء مراكز التأهيل، على خلفية إجراء زيارات معمقة لسبعة مجمعات للسجون". وأهاب بوسائل الإعلام والصحافيين إلى "الاعتماد على البيانات والتصريحات التي تصدر عن المجلس، ومكتبه الإعلامي، وتُنشر عبر موقعه الرسمي وصفحته الرسمية الموثقة من دون غيرهما".

وتزامن بيان المجلس مع صدور بيانين آخرين عن لجنتي حقوق الإنسان في مجلسي النواب والشيوخ المصريين، ما يؤكد صدور تعليمات من أجهزة الأمن التي تدير "القومي لحقوق الإنسان" ولجان البرلمان من وراء ستار، تتعلق بالهجوم على إسحاق الذي كان يصنف على تيار المعارضة سابقاً، وعيّنه النظام مجدداً ضمن تشكيل المجلس نهاية العام الماضي.

وأدانت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب "بأشد العبارات" الادعاءات المغلوطة والمغايرة للواقع الواردة في تصريحات إسحاق، معتبرة أنها "تعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن، يتجاهل بشكل متعمد ما حققته الدولة من خطوات فعالة من أجل ترسيخ حقوق الإنسان، وتعزيزها عبر مقاربة شاملة ترتكز على الارتقاء بحياة المواطن المصري في كافة المجالات"، حسب زعم بيان للجنة.

وثمنت اللجنة جهود النيابة المصرية "المكثفة" لإزالة أي لبس بشأن وفاة المحبوس احتياطياً بقسم شرطة المنتزه، وكشف ملابسات الواقعة، وهو ما يدلل على "سياسة الشفافية التي تنتهجها الدولة المصرية بكافة مؤسساتها في الجمهورية الجديدة".

وأشادت اللجنة بـ"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي أطلقتها الدولة في عام 2021، و"ما شهدته المؤسسات العقابية من تطور ملحوظ عقب تحولها إلى مراكز للإصلاح والتأهيل، تستهدف تأهيل النزيل بالسجون ليصبح فرداً نافعاً للمجتمع".

وزادت اللجنة في بيانها قائلة: "إن تواصل عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان مع بعض القنوات الفضائية الخارجية هو خروج غير مقبول عن القواعد والمسالك القانونية، المُفترض أن ينتهجها في مثل هذه الأمور، وأن يتبعها المجلس للتحقيق في أية ادعاءات خاصة بحقوق الإنسان". ودعت اللجنة إلى عدم الانجراف وراء الادعاءات والشائعات المُضللة التي تروجها "الجماعات والتنظيمات الإرهابية" بهدف زعزعة ثقة المواطن المصري في مؤسساته الأمنية والقضائية.

بدورها، أصدرت لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي في مجلس الشيوخ بياناً، قالت فيه إن "ظهور إسحاق على إحدى القنوات الفضائية الخارجية، وتصريحه عن حالة حقوق الإنسان في مصر وأوضاع المسجونين والمحبوسين احتياطياً، اتسما بالعشوائية وعدم الدقة، وهي أمور تتنافى وطبيعة عمله عضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان".

وأضافت اللجنة أن "المجلس يجب أن يتسم بالاستقلالية، وأن يؤدي أدواره الرقابية والاستشارية. وإزاء ما يقوم به من أدوار تتسم بالحساسية والخطورة، فلا بد أن يتحلى أعضاؤه بالمصداقية والدقة في ما يصدر عنهم من بيانات أو تصريحات، وأن يتجنبوا انتماءاتهم السياسية أو الأيديولوجية".

وتابعت أنه "في حال رغبة إسحاق (أو غيره) الحديث عن حالة حقوق الإنسان في مصر، فإن حديثه يجب ألا يكون قاصراً على ما يدعيه من سلبيات، من دون إبراز ما تم تحقيقه من خطوات إيجابية وحثيثة في هذا الملف"، وفق البيان.

والثلاثاء الماضي، أعلن "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" عن وفاة المعتقل مصطفى نافع رمضان تعذيباً في قسم شرطة الرمل بمحافظة الإسكندرية. وحسب المركز، فإن رمضان (19 عاماً) يعمل ميكانيكي سيارات، وقُتل بسبب التعذيب والضرب داخل قسم الشرطة على يد الضابط مصطفى محمد السباعي الشيوي.

وفي 27 يوليو/تموز الماضي، قتل المواطن مصطفى ديشه داخل حجز قسم ثالث المنتزه بالإسكندرية، نتيجة ضربه وتعذيبه داخل القسم، ليلفظ أنفاسه الأخيرة فور وصوله إلى مستشفى أبو قير العام، متأثراً بالتعذيب الشديد والإصابات المتعددة التي تعرض لها، حسب ما وثقت العديد من المنظمات الحقوقية.

بعدها أصدرت وزارة الداخلية بياناً نُشر على "فيسبوك"، نفت فيه وفاة "ديشه" متأثراً بإصابات لحقت به. وذكرت فيه أن الطالب ذا الـ19 عاماً كان متهماً بالاتجار بالمخدرات، وهو معروف عنه تناول المواد المخدرة.

وبعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، وثقت العديد من المنظمات الحقوقية ارتفاعاً مطرداً في أعداد الوفيات داخل أماكن الاحتجاز، فضلاً عن عدم سماح السلطات المصرية للجنة الصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون، وعدم تمكين "المجلس القومي لحقوق الإنسان" من زيارة السجون بشكل مستقل ومفاجئ، حتى أصبحت السجون بمعزل تام عن أي رقابة، باستثناء النيابة العامة التي لا تحقق بالأساس في جرائم التعذيب، بل أصبحت شريكاً في التستر على الجناة فيها.

المساهمون