تواصل شخصيات سياسية من المكون التركماني في العراق، حراكاً واسعاً، ليس الأول من نوعه، لكنه الأكثر جدّية منذ سنوات، لتقديم مشروع تحويل مدينة تلعفر غرب الموصل، والتي يقطنها التركمان العراقيون، إلى جانب العرب وبعض الأكراد، إلى محافظة مستقلة عن محافظة نينوى وعاصمتها الموصل. ويأتي المشروع السياسي مع استمرار تفاقم الأوضاع الإنسانية في المدينة، بعدما بلغت نسبة الدمار فيها وفقاً لمسؤوليها أكثر من 60 في المائة، عقب انتزاعها من سيطرة تنظيم "داعش" في أغسطس/آب 2017. ويتزامن الحراك أيضاً مع سيطرة واضحة وشبه مطلقة للمليشيات المسلحة على تلعفر، والتي تُتهم بممارسة حالة من الإقصاء لمكونات عدّة في المدينة، وبمنعهم من العودة إليها تحت حجج وذرائع مختلفة، لا سيما المكون العربي، في حالة مشابهة لما يحدث للسّكان من العراقيين العرب في قضاء سنجار المجاور.
ويتولى نواب عن مدينة تلعفر حالياً، عملية جمع تواقيع في البرلمان العراقي، بهدف إدراج المشروع على جدول أعماله، لمناقشته، وسط مخاوف واضحة من كونه ينطوي على غايات سياسية لها ارتباطات إقليمية، في إشارة إلى إيران. ويتصدر الحراك نواب يتمتعون بعلاقات واسعة مع طهران، ويملكون مليشيات محلية داخل تلعفر، متورطة بعملية الإقصاء الحالية لمكونات معينة فيها.
تُتهم مليشيات مسلحة بممارسة حالة من الإقصاء لمكونات عدّة في المدينة
وتبلغ مساحة مدينة تلعفر 4453 كيلومتراً مربعاً، وبعدد سكانٍ يبلغ نحو 170 ألف نسمة، أغلبهم من التركمان المسلمين من الطائفتين الشيعية والسنّية، إلى جانب المكون العربي العشائري. وتتمركز المدينة في المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسورية، وتبعد مسافة نحو 50 كيلومتراً عن الحدود التركية، و60 كيلومتراً عن الحدود السورية، إلى الغرب من مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى شمالي العراق، وتتبعها 3 نواحٍ إدارية هي زُمار وربيعة والعياضية. وتتكون تلعفر من 78 قرية، منها 49 عربية و29 كردية، وتحدّها شرقاً الموصل، وشمالاً دهوك، وغرباً سنجار، وجنوباً بلدة الحضر. وتبعد تلعفر عن بغداد حوالي 450 كيلومتراً شمالاً.
ولا تطيب فكرة تحويل القضاء إلى محافظة من قبل المكون العربي، وبعض من التركمان، كون المعترضين يعتبرون أن الهدف من التحول الإداري والتنظيمي الذي تقوده شخصيات تركمانية محسوبة على "الحشد الشعبي"، هو هدف طائفي بحت، كسابقة في تأسيس محافظة جديدة بدوافع طائفية على الحدود العراقية السورية، بعد تحقيق تلك القوى تقدماً في إحداث تغيير ديمغرافي واضح فيها.
ويسعى النائب التركماني في البرلمان العراقي، مختار الموسوي، إلى جانب زميله خليل المولى، إلى خلق حالة من الضغط البرلماني على الحكومة، من أجل استكمال أوراق تحويل تلعفر من قضاء إلى محافظة، وإرغام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على إصدار أمر ديواني بذلك. وتقف إلى جانب هذين النائبين، قوى مسلحة من "الحشد الشعبي"، التي تريد استثمار هذا التحول للسيطرة على المدينة أكثر، إضافة إلى ضمان محطات انتخابية في شمال وغرب البلاد.
وحول المشروع، قال أبرز المروجين له والمساهمين في صياغته، النائب مختار الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن "تلعفر تمتلك المواصفات والمؤهلات للتحول من قضاء إلى محافظة، وهي تريد هذا التحول منذ فترة عبد الكريم قاسم (أول رئيس وزراء عراقي بعد الإطاحة بالنظام الملكي)، وكان حينذاك المشروع يحمل اسم محافظة الجزيرة". وأضاف الموسوي أنه "في الدورة الثالثة للبرلمان العراقي، تمّ التصويت من قبل ثلاثة أرباع مجلس النواب، لصالح تحويل القضاء إلى محافظة، لكن خرجت اعتراضات من قبل جبهة السياسي أسامة النجيفي والأحزاب الكردية، الذين كانوا قد أشاعوا فكرة أن التركمان يسعون إلى صناعة محافظة شيعية تمتد إلى الحدود السورية"، مبيناً أن "المؤيدين حالياً للمشروع، ينتظرون موافقة مجلس الوزراء وتنفيذه لقرار مجلس النواب".
ولفت الموسوي إلى أن "محافظتي نينوى وصلاح الدين، هما اللتان تعترضان على الفكرة، على اعتبار أنها تهدف إلى تمزيق وحدة الصف الوطني، وتعزز النزعات القومية والطائفية، وهذا التفسير غير منطقي بالتأكيد، لأن تلعفر تضمّ كل مكونات الشعب العراقي".
في المقابل، قال مصدر مسؤول مقرب من الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع تحويل تلعفر من قضاء إلى محافظة، ملف مهجور في أدراج مجلس الوزراء منذ حكومة حيدر العبادي، وهناك تحرك من أجل الضغط على الكاظمي من قبل أطراف من الحشد الشعبي والجبهة التركمانية في البرلمان بهذا الخصوص، كما أن مسؤولين من إيران فاتحوا الكاظمي خلال الأسابيع الماضية بهذا الملف، إلا أن الأخير لم يعطهم أي إجابة إيجابية". ولفت المصدر إلى أن "ملف تحوّل تلعفر إلى محافظة يحتاج إلى عودة كل النازحين إلى المدينة، لأن عودة المهجرين والنازحين أمر ضروري للتوازن الاجتماعي والسياسي في تلعفر، ولا يمكن القبول بتحويلها إلى محافظة ما لم يرجع التركمان السنّة".
من جهته، أكد المتحدث باسم عشائر مدينة الموصل، مزاحم الحويت، أن "العرب في محافظة نينوى، وتحديداً في تلعفر وسنجار، يرفضون أن تتحول تلعفر إلى محافظة، كونها خالية من سُكانها الأصليين وبقية المكونات التي اضطرت إلى الخروج من المدينة خلال فترة احتلال تنظيم داعش للمحافظة". وبيّن الحويت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحوّل نحو خيار المحافظة، يعني تحوّل الحكومة المحلية فيها لصالح التركمان وحدهم، كون مركز المدينة يشهد مشاكل تتعلق بالسكان وعودتهم، وهو أمر مرفوض".
مصدر في حكومة الكاظمي يقول إن ملف تحوّل تلعفر إلى محافظة يحتاج إلى عودة كل النازحين إليها
أما الخبير في القانون العراقي علي التميمي، فقد أكد أن "العراق كان يملك قانوناً يسمح له بتحويل النواحي إلى أقضية أو الأقضية إلى محافظات، لكن هذا القانون بات خارج الخدمة، بعد تشريع قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم". وأوضح التميمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى إذا وافق مجلس الوزراء على تحويل القضاء إلى محافظة، فإنه سيصطدم بالبرلمان الذي من المفترض أن يرتب أوراقه واستعداداته للتعامل مع تلعفر كمحافظة، لكنه لن يجد ما يستند عليه في القانون للمضي بمشروع المحافظة، وبالتالي فالعراق أمام فراغ تشريعي وقانوني، وهو بحاجة إلى تشريع قانون جديد للتعامل مع تلعفر".
إلى ذلك، أشار المحلل السياسي والخبير من محافظة نينوى، مؤيد الجحيشي، إلى أن "تلعفر كمدينة، طاولتها تشوهات ديمغرافية كبيرة وخاضعة لمليشيات مسلحة معروفة الولاءات"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "محاولات التركمان لتحويل تلعفر إلى محافظة ليست جديدة، بل تمتد إلى تسعينيات القرن الماضي، لكن الغاية الآن اختلفت، إذ تريد إيران والمليشيات الموالية لها في تلعفر زرع محافظة طائفية بالكامل في الشمال العراقي، عبر أذرع موالية لها، وهو مشروع يندرج ضمن مخطط التغيير الديمغرافي، كما يجري العمل حالياً على عزل سامراء والدجيل وبلد في محافظة صلاح الدين لزراعة محافظة طائفية أيضاً".
وحتى العام 2003، كان التقسيم الإداري للعراق يتضمن 18 محافظة، هي البصرة وذي قار والقادسية والمثنى وواسط وكربلاء والنجف وبابل وميسان، بالإضافة إلى كركوك ونينوى وصلاح الدين وأربيل والسليمانية ودهوك وديالى والأنبار وبغداد، قبل أن يتم فصل قضاء حلبجة عن السليمانية على الحدود مع إيران وتحويله إلى المحافظة الـ19 في البلاد.