صادقت اللجنة المنظمة للكنيست" الإسرائيلي (البرلمان)، أمس الثلاثاء، على تقديم وعرض مشروع قانون "تسوية المستوطنات الصغيرة"؛ أي البؤر الاستيطانية العشوائية للبدء بإقراره في الكنيست، وهو ما يقود إلى القضاء على حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم، وتقطيع الضفة الغربية وجعلها "كانتونات".
ويقول خبير الأراضي والاستيطان عبد الهادي حنتش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ إقرار هذا المشروع في كنيست الاحتلال، "يعني عملياً مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، وربط هذه البؤر الاستيطانية بمستوطنات أخرى، ومحاصرة الفلسطينيين سواء في القرى أو البلدات الفلسطينية".
ويؤكد حنتش أنّ إقدام الكنيست على المصادقة على هذا المشروع، يأتي كنوع من تكريس الاحتلال، وتقطيع أوصال الضفة الغربية لكي لا تكون هناك دولة فلسطينية مترابطة مستقبلاً، إضافة إلى أنّ هذه البؤر الاستيطانية بعد شرعنتها تعني أنّ يعيش الفلسطينيون في "كانتونات" معزولة عن بعضها البعض.
ووفق حنتش، فإنه لا يربط تلك الكانتونات إلا الشوارع الالتفافية الاستيطانية، والأنفاق التي خطط لها الاحتلال، وستكون تلك الشوارع والأنفاق تحت سيطرة الاحتلال.
ومنذ العام 1982، شرعت دولة الاحتلال بإقامة بؤر استيطانية حول المستوطنات الكبيرة لتصبح حتى الآن 270 بؤرة استيطانية بالضفة الغربية، وهي غير ثابتة ويمكن زيادتها، إذ تباركها سلطات الاحتلال وتعمل على تثبيتها ومدّها بالخدمات.
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت قضية البؤر الاستيطانية العشوائية التي يقيمها عدد من المستوطنين من خيام أو بيوت متنقلة "كرفانات" وتتم إزالتها بقرار قضائي إسرائيلي غالبًا.
ويوضح حنتش أن المستوطنات التي يبدأ عدد المستوطنين فيها من 3 آلاف مستوطن وأكثر يطلق عليها "مستوطنة"، بينما تلك التي يقطنها من 100 إلى أقل من 3 آلاف مستوطن تسمى بؤرة استيطانية، بينما البؤر العشوائية تلك يصل عددها في الأكثر إلى نحو 200 مستوطنة، مشيراً إلى أن عدد المستوطنات بالضفة الغربية بلغ 2500 مستوطنة، رغم أنّ الاحتلال يزعم أنها 151 مستوطنة فقط.
ويمكن تصنيف البؤر الاستيطانية، كما يوضح حنتش، إلى 3 أقسام؛ الأول أعطته سلطات الاحتلال الشرعية، وتم تحويل البؤر الاستيطانية إلى مستوطنات كونها تقع بين عدة مستوطنات لربطها ببعضها البعض وتصبح كتلة استيطانية.
أما النوع الثاني من البؤر الاستيطانية، فهو حاليًا قيد الدراسة وفي مراحله الأخيرة من أجل المصادقة عليه من قبل الكنيست الإسرائيلي لإضفاء الشرعية عليه، ويمكن إلحاقه وتحويله لمستوطنة كبرى، بينما النوع الثالث من تلك البؤر فهو الذي لم تجرِ دراسته للمصادقة عليه من قبل الكنيست، ويجري العمل على دراسته مستقبلاً.
وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أكدت في بيان لها، اليوم الأربعاء، وصلت نسخة منه إلى "العربي الجديد"، أنّ مصادقة اللجنة المنظمة للكنيست الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، على تقديم وعرض مشروع قانون "تسوية المستوطنات الصغيرة" أي البؤر الاستيطانية العشوائية للبدء بإقراره في الكنيست، يأتي "إمعاناً إسرائيلياً رسمياً في مخالفة القانون الدولي واتفاقيات جنيف والاتفاقيات الموقعة، وتمرداً فاضحاً على الشرعية الدولية وقراراتها، بما فيها قرارات مجلس الأمن خاصة القرار 2334".
وفي حال إقرار هذا القانون، فإنه وفقًا لوزارة الخارجية الفلسطينية، "يفتح الباب على مصراعيه أمام دولة الاحتلال والجمعيات والمنظمات الاستيطانية لإقامة وبناء المزيد من تلك البؤر، كما حصل خلال البدء ببناء بؤرة عشوائية جديدة على جبل العرمة المستهدف منذ فترة لصالح الاستيطان".
وتابعت الوزارة: "كما سيؤدي إقرار هذا القانون إلى تحويل عشرات البؤر العشوائية المنتشرة على تلال الضفة الغربية المحتلة إلى بلدات ومدن استيطانية، مدعومة بشكل رسمي بكل ما تحتاجه من ميزانيات للتطوير والبناء من المؤسسات والوزارات الحكومية الإسرائيلية".
وأوضحت الوزارة أنه يتم ربط البؤر الاستيطانية عبر شبكة طرق واسعة بالتجمعات الاستيطانية الأخرى بحيث تتحول جميعها إلى كتلة استيطانية واحدة تلتهم ما يزيد عن 60% من مساحة الضفة الغربية وترتبط بالعمق الإسرائيلي، في أبشع تعبير ميداني عملي لضم الغربية وفرض القانون الإسرائيلي عليها ودفن حل الدولتين نهائياً.
وقالت الخارجية الفلسطينية: "لما كانت تلك البؤر قواعد متقدمة للإرهاب اليهودي الذي يضرب صباح مساء المواطنين الفلسطينيين في العديد من المناطق، فإن إقرار مثل هذا القانون يدفع منظمات المستوطنين الإرهابية، وعلى رأسها مجموعات تدفيع الثمن إلى تعزيز وجودها وانتشارها في الضفة الغربية المحتلة، وتصعيد اعتداءاتها الاستفزازية وجرائمها ضد المواطنين الفلسطينيين وسرقة أرضهم".
وشددت خارجية فلسطين على أن تصعيد قوات الاحتلال والمستوطنين لعدوانهم ضد القرى والبلدات الفلسطينية في منطقة جنوب نابلس يعد انعكاسا لتفشي وسيطرة العقلية الاستيطانية الاستعمارية على مؤسسات دولة الاحتلال، والتي تتم ترجمتها حالياً بما يحدث من عقوبات جماعية ضد بلدات عقربا وترمسعيا وبيتا والشيخ جراح وغيرها، وما يجري من إحراق مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالزيتون شرق بورين، والاعتداء على سيارات المواطنين ومنازلهم ومنشآتهم.
ونظرت الوزارة الفلسطينية بخطورة بالغة لمصادقة لجنة الكنيست على هذا القانون الاستعماري العنصري التوسعي، الذي يهدد أية فرصة لتحقيق السلام وفقاً للمرجعيات الدولية، الأمر الذي يستدعي من المجتمع الدولي الالتفات الجدي إلى مخاطر إقرار هذا القانون على عملية السلام برمتها، وعلى ما تبقى من مصداقية للأمم المتحدة ومؤسساتها، خاصة أن إقرار هذا القانون هو من أعلى مؤسسة تشريعية في دولة الاحتلال.
وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن إقرار هذا القانون يؤكد من جديد أن إسرائيل ليست فقط دولة احتلال، وإنما دولة استيطان استعماري عنصري ماضية بشكل رسمي في استكمال بناء نظام الفصل العنصري البغيض "الأبرتهايد" في فلسطين المحتلة، كرد إسرائيلي رسمي على جميع الجهود الدولية المبذولة لإحياء عملية السلام وإعادة الحياة إليها.
من جهتها، حذرت "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية، في بيان صحافي، اليوم الأربعاء، من مغبة تبني الكنيست لقانون يشرعن البؤر الاستيطانية في الضفة المحتلة، إذ أكد رئيس الهيئة مؤيد شعبان، أنّ هذا التوجه "يعد خرقاً فاضحاً وجسيماً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 2334".
وشدد شعبان على أنّ البؤر الاستيطانية "غير شرعية وغير قانونية ومقامة على ملكيات فلسطينية خاصة، وأن سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء بناء المستوطنات أو توسيعها أو الاستيلاء على الأراضي أو تهجير الفلسطينيين سياسة لا شرعية وخطوة أحادية تمثل انتهاكاً للقانون الدولي وتقويضاً لأسس السلام وجهود حل الصراع وتحقيق السلام الشامل والعادل وفرص حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية".
وأكد شعبان أنّ "القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، تضع ملف المقاومة الشعبية على سلم الأولويات في هذه المرحلة لاستنهاض الطاقات الشعبية لمواجهة الاستيطان وعمليات الضمّ ومصادرة الأراضي".
وشدد رئيس الهيئة على أهمية توسيع المشاركة في المقاومة الشعبية، رفضاً للحواجز العسكرية والاستيطان الاستعماري والاستيلاء على الأراضي، وقال: "إننا نعمل على برنامج مستدام لتعزيز مشاركة أبناء الشعب الفلسطيني فيها، ومقاطعة شاملة للاحتلال وبضائعه، والتصدي لمستوطنيه"، فيما طالب رئيس الهيئة، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته بالضغط على إسرائيل لوقف سياسة الاستيطان.