أصبحت عدة بلدات ومستوطنات إسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية، في الشمال، ومن قطاع غزة، في الجنوب، شبه خالية من السكان، وتبدو وكأنها مناطق أشباح بعد مرور شهر على عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويخشى سكان هذه المناطق، البالغ عددهم نحو 126 ألفاً، من العودة إليها خوفاً من "طوفان" آخر يشمل عمليات تسلل وهجوم، يصل من لبنان أو الضفة الغربية المحتلة أو الجولان.
وبات هذا الهاجس يفوق الخوف من القذائف والصواريخ، بحسب ما أشارت إليه تقارير إسرائيلية في الأيام الماضية، وتقرير آخر نُشر في صحيفة "هآرتس"، اليوم الثلاثاء، أفاد بأن سكان هذه المناطق لا يريدون الاستيقاظ على "7 أكتوبر" جديد.
وقال المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل إنّ إسرائيل ستواجه على المدى الأبعد مشكلة استراتيجية في الشمال حتى لو نجحت بحربها في غزة، مضيفاً أنّ الهجمات التي يشنها جيش الاحتلال في لبنان أبعدت بعض الشيء مواقع قوات "الرضوان" التابعة لحزب الله في لبنان عن الحدود "ولكن هذه القوة الخاصة لا تزال موجودة في جنوب الليطاني بما يخالف القرار 1701 لمجلس الأمن الذي انتهت بموجبه حرب لبنان الأخيرة عام 2006"، وما زال حزب الله يمتلك ترسانة عدادها أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة.
ولفت هارئيل إلى أنه "في ظل هذه المعطيات سيكون من الصعب إقناع سكان البلدات الواقعة على خط المواجهة والحدود بالعودة إلى بيوتهم حتى لو انتهت الحرب في غزة بنجاح إسرائيلي"، مشيراً إلى أن مبدأ "الردع" لم تعد له قيمة بعد فشل سياسات الردع التي كانت تتغنى بها إسرائيل أمام عملية "طوفان الأقصى".
ولفت هارئيل إلى أنّ "أي عملية هجومية إسرائيلية ضد حزب الله اللبناني ستكون خطيرة وقد تؤدي إلى حرب صعبة تلحق ضرراً بالغاً بالجبهة الإسرائيلية"، مذكّراً بأنّ "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة امتنعت حتى اليوم عن الهجوم على حزب الله حتى بعد انتهاكه التوازن العسكري وقيامه بنصب أنظمة متطورة مضادة للطائرات في لبنان وإقامة مواقع لتصنيع قذائف دقيقة".
وغيّر هجوم حماس في 7 أكتوبر أولويات الخوف لدى الإسرائيليين، بحسب ما يقوله المحلل العسكري الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّ "المخاوف من القذائف التي كانت أصلاً منخفضة في مركز البلاد، استُبدلت بخوف حقيقي من محاولات التسلل إلى البلدات الصغيرة في الضفة الغربية (المستوطنات) وعلى طول المناطق الحدودية وخطوط التماس، ذلك أن هجوم طوفان الأقصى قوّض كلياً الشعور بالأمان لدى الإسرائيليين".
واعتبر الكاتب أنه بعد شهر من الحرب فإنّ الصواريخ والقذائف التي تستهدف المنطقة الجنوبية، لم تعد تشكل تهديداً كبيراً حتى لو كانت الأيام الأولى قد شهدت تسجيل عدد من الإصابات خاصة في منطقة الجنوب.
ورأى الكاتب أن "قدرات حماس على ما يبدو باتت مقيدة إلى حد كبير في هذه المرحلة، حتى وإن كانت لا تزال قادرة على التسبب بإصابات"، مضيفاً أنّ "إطلاق القذائف إلى المناطق القريبة من قطاع غزة ليس فعّالاً بعد مغادرة معظم السكان، فيما تستطيع منظومة القبة الحديدية التصدي لمعظم القذائف في منطقة المركز".
وبدأت الجبهة الداخلية الإسرائيلية ووزارة الأمن ووزارة الأمن الداخلي بعد 7 أكتوبر العمل على تدريب فرق مسلّحة وتوزيع أسلحة على الإسرائيليين، ومع ذلك يلفت هارئيل إلى أن المسؤولين الإسرائيليين لم يضعوا بعد تصوراً واضحاً في ما يتعلق بـ"المخاطر الجديدة"، التي يقصد بها عمليات التسلل وتنفيذ هجمات مستوحاة من عملية "طوفان الأقصى".
ويزيد من صعوبة عودة الإسرائيليين إلى بيوتهم الفشل الذريع الذي رأوه بعيونهم يوم تنفيذ العملية ووصول قوات جيش الاحتلال في وقت متأخر نسبياً إلى مكان تنفيذ العملية.
ويخشى الإسرائيليون الذين تم إخلاؤهم، بحسب هارئيل، من محاولة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة أو "مليشيات شيعية" في الجولان تقليد النجاح الذي حققته حماس، وعليه ينتظرون أن يوفّر لهم جيش الاحتلال الإسرائيلي إجابات حول كيفية ضمان عدم تكرار ما حدث في يوم "السبت الأسود"، كما بات يُسمى في إسرائيل.
وذكّرت الصحيفة بأنّ عمليات الدفاع داخل البلدات الإسرائيلية تتم بشكل عفوي منذ الهجوم وحتى اليوم، وتعتمد بالأساس على عدد كبير من المتطوعين، لكن في هذه البلدات "يريد السكان رؤية جنود مسلحين في المكان، وتكمن المشكلة في أن معظم القوى البشرية بقوات الاحتياط مجنّدة لمهام أخرى، وحالياً لا يوجد انتشار كبير للجنود داخل البلدات".
وتساهم الحالة غير المستقرة للسياج الحدودي في مختلف المناطق بتعزيز الشعور بانعدام الأمن في البلدات والمستوطنات الحدودية، وفي ظل غياب الجيش الإسرائيلي عن البلدات ومحيطها، تعمل العديد من البلدات والمستوطنات على زيادة الفرق المسلحة، في محاولة لتوفير شعور بالأمان.