مسؤولون عراقيون يضللون الرأي العام بشأن تنازلهم عن الجنسية البريطانية

27 نوفمبر 2023
أعلن العبادي في 2014 تنازله عن الجنسية البريطانية (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -

أكدت مصادر مطلعة في كل من بغداد ولندن، تحدثت مع "العربي الجديد"، عدم صحة إعلانات سابقة قدمها مسؤولون عراقيون للجمهور، تفيد بتخليهم عن الجنسية البريطانية، وذلك تماشياً مع الدستور العراقي النافذ في البلاد، الذي يمنع ازدواجية الجنسية لكبار مسؤولي الدولة ومن يشغلون مناصب سيادية وأمنية حساسة.

وظلت مسألة ازدواجية الجنسية للمسؤولين العراقيين بعد الغزو الأميركي في عام 2003، مثار جدل شعبي وسياسي طويل، يتجدد مع كل عملية تشكيل حكومة جديدة، إذ تنص المادة الـ 18 من الدستور العراقي لعام 2005 على وجوب تخلي من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً عن الجنسية الأخرى المكتسبة.

لم تتلق محكمة القضاء الإداري أي إشعار بشأن تخلي المسؤولين عن الجنسية الثانية

وقُصد بالمناصب السيادية رؤساء الجمهورية، والبرلمان، والحكومة، إلى جانب وزراء الدفاع والداخلية والخارجية. كذلك يشمل البند الدستوري قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية، مثل جهازي المخابرات والأمن الوطني، ورئاسة أركان الجيش.

ارتباط بين الجنسية الثانية ومعالجة آفة الفساد

كذلك ارتبط ملف الجنسية الثانية لمسؤولي العراق وساسته، بقضية معالجة آفة الفساد في البلاد، التي لاحقت الكثير منهم في السنوات الماضية، إذ شكلت الجنسية المكتسبة لهم مصدات حماية من محاكمتهم، بعد مغادرتهم العراق وتوجههم إلى بلدهم الثاني الذي اكتسبوا جنسيته.

ومن أبرز إعلانات التخلي عن الجنسية المكتسبة، بعد عام 2014 في ذروة الأزمات السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد، عقب اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من العراق، رؤساء حكومات وجمهورية.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول 2014، أعلن مكتب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، تنازل الأخير عن الجنسية البريطانية، وذلك بعد شهر واحد من توليه منصب رئاسة الحكومة. وجاء الإعلان ضمن رد ضمني على خصوم العبادي بشأن التشكيك في قانونية توليه رئاسة الحكومة مع احتفاظه بالجنسية البريطانية.

وأعلن الرئيس العراقي الأسبق فؤاد معصوم، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014، "تخليه عن الجنسية البريطانية". وفي 17 ديسمبر 2018، أعلن المتحدث باسم الرئاسة العراقية لقمان الفيلي تنازل الرئيس العراقي السابق برهم صالح عن جنسيته البريطانية.

وفي فبراير/شباط 2020، أصدر رئيس الوزراء المكلف آنذاك محمد توفيق علاوي، بياناً مكتوباً، وُزِّع على وسائل الإعلام العراقية المحلية، أعلن فيه "تنازله عن الجنسية البريطانية".

وبفعل إقامة أغلب مسؤولي العراق اليوم في بريطانيا خلال فترة حكم الرئيس السابق صدام حسين، حصلوا على جنسيتها. لكن هناك جنسيات أخرى لمسؤولين عراقيين شغلوا مناصب حساسة ومهمة، ما زالوا يحتفظون بها، أبرزها الفرنسية والأميركية والإيرانية والكندية والأسترالية والسويدية، ويحمل آخرون أكثر من جنسية، مثل رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي يحمل الجنسيتين البريطانية واللبنانية.

وحصلت "العربي الجديد" على معلومات حصرية من مسؤول في وزارة الخارجية بالعاصمة بغداد، أكد أن أيّاً من إعلانات المسؤولين العراقيين بشأن تخليهم عن الجنسية البريطانية كانت غير حقيقية.

لا إشعار بالتخلي عن الجنسية الثانية

وأوضح أن "محكمة القضاء الإداري، باعتبارها الجهة المكلفة توثيق تلك الإجراءات الخاصة بكبار المسؤولين، أو وزارة الخارجية، لم تتلقَّ أي إشعار بشأن تخليهم عن الجنسية"، واصفاً تلك الإعلانات بأنها كانت "مضللة".

هادي السلامي: الشخصيات السياسية لا تملك ثقافة التخلي عن أي شيء من أجل العراق

هذه المعلومات أكدها مسؤول أمني آخر قال، لـ"العربي الجديد"، إن "العبادي وبرهم صالح، تنقلا أخيراً بجوازات سفر بريطانية خلال رحلات خارجية لهم".

وزراء بحكومة السوداني يحملون جنسيات ثانية

وبيّن المسؤول أن "6 وزراء من حكومة محمد شياع السوداني ورئيس جهاز أمني ما زالوا يحملون جنسيات ثانية، وهذا الملف يُفتَحه مع كل أزمة سياسية ضمن لعبة أوراق ضغط يمتلكها كل طرف ضد الآخر".

وقال النائب هادي السلامي، لـ"العربي الجديد"، إن المعلومات المتوافرة لديه حول هذا الملف، أنها كانت "إعلانات للشو الإعلامي والمزايدة"، مضيفاً أن "إعلانات التنازل عن الجنسية الأجنبية لم تكن حقيقية، ويمكن اعتبارها جريمة كذب وتضليل".

سلسلة خداع للعراقيين

وبيّن السلامي أن "هذا الأمر كان ضمن سلسلة خداع العراقيين. الشخصيات السياسية في العراق لا تملك ثقافة التخلي عن أي شيء من أجل العراق، ولا تملك ثقافة الاستقالة من المنصب، بل بعض الشخصيات تعتبر الجنسية الأجنبية أهم من العراقية، لكونها تسهل لهم الكثير من التحركات في الخارج، وتفتح باب الإفلات، إذا تعرضوا للمساءلة بتهمة الفساد أو غيرها".

هذه المعلومات أكدها مصدر آخر في السفارة العراقية بالعاصمة لندن، طلب هو الآخر عدم الكشف عن هويته. وبيّن أن تلك الإعلانات كانت "ضمن إفرازات لأزمات سياسية معروفة ويذكرها الجميع، ومنها برهم صالح وحيدر العبادي ومحمد توفيق علاوي، والعراق لم يتسلم شيئاً يثبت ذلك، وما زالوا يتنقلون بواسطة جوازات سفرهم المكتسبة (البريطانية) هم وأفراد أسرهم".

وحاولت "العربي الجديد"، على مدار أسبوعين الحصول على رد أي من المسؤولين العراقيين المعنيين بالملف، لكن لم تتجاوب مكاتبهم الإعلامية بشأن ذلك.

الخبير في القانون الدولي، سالم حواس قال، لـ"العربي الجديد"، إن هناك إجراءات قانونية قد تأخذ شهوراً عديدة من أجل تخلي الشخص عن جنسيته الثانية، وقد تتخذ قرارات بحقه تصل إلى منعه من دخولها مرة ثانية، أو غرامات مالية، وهو ما لم يحصل مع أيٍّ من المسؤولين العراقيين الذين أعلنوا التنازل عن جنسياتهم".

وبيّن حواس أن "كل الذين أعلنوا تخليهم عن الجنسية الأجنبية، لم يقدموا أي إثبات قانوني يؤكد صحة ذلك، وما حصل هو فقط إعلان صحافي يندرج ضمن محاولة الكسب الشعبي ليس إلا".

المساهمون