تقوم مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف حالياً بزيارة إلى مصر، تستمر حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، تلتقي خلالها عدداً من كبار المسؤولين وممثلين عن منظمات غير حكومية والمجتمع المدني، وذلك ضمن جولة تشمل أيضاً الإمارات والكويت وقطر.
وحسب بيان لوزارة الخارجية، نشرته السفارة الأميركية في القاهرة، فإن ليف ستناقش أثناء وجودها في مصر مجموعة من القضايا الثنائية، فضلاً عن الاهتمامات المشتركة بتخفيف التصعيد والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وتأتي زيارة المسؤولة الأميركية إلى مصر في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس جو بايدن تحقيق التوازن بين ضرورة تأمين الموقف المصري في معادلة الحرب الروسية الأوكرانية وضمان أمن إسرائيل، وذلك عبر المساعدات العسكرية وصفقات السلاح، وبين مسألة حقوق الإنسان التي لطالما وجهت اتهامات فيها للإدارة الأميركية بالتغاضي عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام المصري الحاكم.
رحلة محتملة لبايدن إلى شرم الشيخ
وجاءت زيارة ليف إلى مصر بعد أخبار لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حول رحلة محتملة لبايدن إلى شرم الشيخ في مصر، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، المقرر عقده في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ضمن رحلة متعددة الوجهات لبايدن. لكن المتحدث المساعد باسم البيت الأبيض عبد الله حسن قال في بيان إن "سفر الرئيس غير مؤكد"، في إشارة إلى حضوره مؤتمر المناخ في مصر.
وقال دبلوماسي مصري سابق، خبير في شؤون الشرق الأوسط، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن زيارة ليف إلى مصر "يمكن أن تُقرأ في سياق التحضير لقمة المناخ المقبلة، والتي تهتم بها الإدارة الأميركية بشكل كبير".
لكنه أضاف أن "الزيارة تأتي أيضاً في وقت تعاني فيه إدارة الرئيس بايدن من تراجع شعبيتها داخلياً، ووسط مؤشرات إلى ضعف فرص الفوز بولاية رئاسة جديدة، وذلك بالإضافة إلى تطور المواجهة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والشرقي الذي يضم كلاً من روسيا والصين، والتي تتجلى على صعيد عدة جبهات، بينها الحرب الروسية الأوكرانية".
تسعى واشنطن إلى ضمان القاهرة والمنطقة العربية كحليف استراتيجي لا يمكن التنازل عنه في المواجهة مع موسكو وبكين
وأوضح الدبلوماسي السابق أنه "في ظل هذه المعادلة، تسعى واشنطن إلى ضمان القاهرة والمنطقة العربية كحليف استراتيجي لا يمكن التنازل عنه في المواجهة مع موسكو وبكين، لا سيما أن الإدارة الأميركية تعي أنه على الرغم من حرص مصر والسعودية والإمارات على العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، إلا أن هذه الدول لا تزال تعلّق رهانات على روسيا باعتبارها أيضاً حليفاً استراتيجياً لا يمكن خسارته".
وقال إنه "بالنسبة إلى دول الخليج، فإنها سعت إلى تنويع شراكاتها الدولية بشكل طبيعي، لتعويض الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، وعلى وجه الخصوص تدهورت العلاقات بين السعودية والإمارات من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، على مدار العامين الماضيين، بسبب صفقات الأسلحة والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان".
ولفت الدبلوماسي المصري السابق إلى أن "كلاً من الإمارات والسعودية لا تريدان خسارة العلاقات مع روسيا، باعتبارها شريكاً استراتيجياً يتمتع بحق النقض في مجلس الأمن الدولي وبموقّع مؤثر في سوق النفط العالمية، ولذلك فإنه من غير المرجح أن تعارض دول الخليج موسكو علناً".
تطور العلاقات العربية مع روسيا
من جهته، قال عسكري مصري سابق، لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا وعلى مدى سنوات، باعت معدات عسكرية متطورة للدول العربية بأسعار معقولة نسبياً (مقارنة بالأنظمة الغربية)، وذلك أدى إلى تطور العلاقات العربية مع روسيا، لكنه في الوقت ذاته أغضب الحليف الأميركي".
روسيا باعت معدات عسكرية متطورة للدول العربية بأسعار معقولة نسبياً، وذلك أدى إلى تطور العلاقات العربية مع روسيا
وأضاف "لهذا السبب أوصى خبراء استراتيجيون أميركيون بأن يقلل المشرّعون في الكونغرس من أولوية حقوق الإنسان من أجل ضرب سوق السلاح الروسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وقال إن "المشرعين الأميركيين يمكن أن يضعوا في الاعتبار تلقي وعد من مصر بإلغاء شراء المقاتلات الروسية (سو-35)، مقابل فرصة الحصول على المقاتلات الأميركية (اف-15)، وبالتالي يتم تجاهل المخاوف المستمرة بشأن سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان".
ورأى العسكري السابق أن "شراكات الولايات المتحدة مع سلطات بعض البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصرف النظر عن قيم الديمقراطية، تأتي كمحاولة لتعويض تقليص نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وتفادياً لأي محاولة روسية لمضاعفة اهتمامها بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي الضغط على الغرب".
وأشار إلى أنه منذ النصف الثاني من السبعينيات، تزود واشنطن القاهرة بأسلحة استراتيجية، بما في ذلك المقاتلات الثقيلة من طراز إف-4 فانتوم، ولكن في وقت لاحق، أخذ الحديث يتصاعد عن موضوع حقوق الإنسان، ولذا قامت الولايات المتحدة بتعليق العديد من البرامج، فقررت الحكومة المصرية تنويع مشترياتها من المعدات العسكرية من خلال توقيع عقود توريد مقاتلات "داسو رافال" الفرنسية وطائرات "سو-35" الروسية، ثم صدر تحذير أميركي من أنه إذا تم تنفيذ الصفقة مع موسكو، فإن القاهرة تخاطر بالوقوع تحت العقوبات الأميركية.
وأضاف أن "تنفيذ العقد المبرم في 2018 لتوريد نحو 30 مقاتلة من طراز سو-35 للقوات الجوية المصرية، ظل معلّقاً لفترة طويلة، إذ كان من المقرر تسليم الطائرات بموجب عقد تم توقيعه في 2020-2021، ولكن لم يتم تسليم طائرة واحدة إلى مصر حتى الآن، بسبب التهديد بفرض عقوبات أميركية"، متابعاً "الآن، وفي ضوء العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا، أصبح تنفيذه صعباً للغاية".
وكان القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكنزي قد قال في تصريحات في مارس/ آذار الماضي، إن إدارة بايدن تخطط للموافقة على طلب مصر بيع طائرات "بوينغ إف-15" متعددة المهام، على الرغم من معارضة المشرعين الأميركيين، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان من قبل سلطات القاهرة.
وقال حقوقي مصري بارز، فضّل عدم ذكر اسمه، إن ملاحظات ماكنزي "تشير إلى أن إدارة بايدن مستعدة للتخلي عن نهجها القائم على حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، مقابل ضمان الموقف المصري في الحرب الروسية الأوكرانية، وفي مجال حفظ أمن إسرائيل".
وأضاف أنه "على الرغم من أن نحو 60 ألف معتقل سياسي ما زالوا في السجون المصرية، وعلى الرغم من السمعة السيئة للنظام الحاكم في البلاد، تواصل إدارة بايدن الاعتماد على الحكومة الحالية في مصر كحليف استراتيجي".