هبّت عاصفة من الغضب بين جمهور المسيحي الديمقراطي وناخبيه، مع تصويت أغلبية المجلس التنفيذي للحزب أخيراً على ترشيح زعيمه أرمين لاشيت لمنصب مستشار، ولا سيما أن الأخير لا يحظى بشعبية كبيرة على مساحة البلاد، مقابل تأييد عارم لزعيم الشقيق الأصغر، الاجتماعي المسيحي في بافاريا، ماركوس سودر.
ولم تقتصر الاضطرابات داخل الاتحاد المسيحي على ذلك فحسب، بل تراجع في استطلاعات الرأي أخيراً إلى المركز الثاني خلف حزب الخضر، الذي حقق قفزة في النقاط مع إعلان ترشيح زعيمته المشاركة أنالينا باربوك للمنصب.
هذا الواقع دفع المرشح لاشيت إلى إعادة ترتيب أوراقه من أجل خوض حملة انتخابية ناجحة تبقي اتحاد أنجيلا ميركل العريق في السلطة، وبخاصة أن الخسارة ستترجم بمأزق داخل أروقة بروكسل، وحزب "الشعب الأوروبي" الذي ينتمي إليه المحافظون الألمان، ويشكل الأغلبية في البرلمان الأوروبي.
وفي هذا الإطار، أعلن المرشح لاشيت أخيراً ضمّ زميله في الحزب ومنافسه السابق على زعامة المسيحي الديمقراطي الخبير الاقتصادي، فريدريش ميرز، إلى فريق حملته الانتخابية، مؤكداً أن ميرز شخصية تتمتع بكفاءة اقتصادية ومالية، ويمكن أن يساعد بشكل حاسم في السيطرة على التحديات الضخمة التي تواجه ألمانيا بعد جائحة كورونا وعلى المدى الطويل.
وشدد على أن ألمانيا نجحت في تجاوز العديد من الأزمات الخطيرة بالمفاهيم الصحيحة وبأفضل الأدمغة، وميرز أحدهم، موضحاً أن الاتحاد المسيحي سيفوز كفريق موحد.
ويؤكد لاشيت، في تصريحاته، أن الاتحاد المسيحي لديه فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات العامة، محذراً، في الوقت نفسه، من المحيطين بمرشحة الخضر أنالينا باربوك، الذين سيستغلون كل فرصة متاحة من أجل تشكيل حكومة فيدرالية مستقبلاً بدون الاتحاد المسيحي، وفق ما ذكرت "شبيغل أونلاين".
ولم يأتِ اختيار ميرز من فراغ، فهو زعيم سابق لكتلة المسيحي الديمقراطي في "البوندستاغ"، ويتمتع بحنكة سياسية، ويحظى بشعبية كبيرة في غرب البلاد، ويعوَّل عليه في استعادة الناخبين، الذين استمالهم اليمين المتطرف، وقد حل أولاً في الجولة الأولى خلال انتخابات زعامة الحزب، التي جرت قبل الأشهر القليلة الماضية، قبل أن يفوز لاشيت في الجولة الثانية بتصويت مؤيدي المرشح الثالث على المنصب السياسي الخبير في السياسة الخارجية نوربرت روتغن.
وفي ما يخص أهمية نجاح حزب المستشارة مجدداً، ومدى تأثير ذلك في أروقة بروكسل والمفوضية الأوروبية، تبرز التقارير أن حالة من التوتر عاشها المحافظون في البرلمان الأوروبي بعد النزاع على المنصب بين لاشيت وسود داخل الاتحاد المسيحي المحافظ في ألمانيا، لكون المبارزة قد تترجم تراجعاً في نسبة المؤيدين للاتحاد الذي يدير الائتلاف الحاكم في ألمانيا، منذ عام 2005، وهذا ما قد يكلف أصواتاً في صناديق الاقتراع خلال سبتمبر/ أيلول المقبل، ومستقبلاً على البرلمان الأوروبي، وبالتالي زعزعة ميزان القوى داخل الاتحاد الأوروبي.
ويعود ذلك إلى أن النجاحات الانتخابية للاتحاد المسيحي تسهم في تشكيل حزب "الشعب الأوروبي"، مكوناً من المحافظين والديمقراطيين ويمين الوسط في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لأكبر وأقوى كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي، وعلى مدى أكثر من 20 عاماً شكلت الكتلة الألمانية رهاناً آمناً وملاذاً للاستقرار، مع تراجع الأحزاب التقليدية في فرنسا، وهي تتمتع تقليدياً بأكبر عدد من الأعضاء في الحزب الأوروبي، وعددهم 29 نائباً.
ومن المعلوم أن الخلافات والانقسامات والفساد أدت إلى تقليص الكتلة المحافظة الفرنسية بعد أن كانت قد شهدت أفضل حضور لها في عهود شارل ديغول، وحتى جاك شيراك.
علاوة على ذلك، تعتمد المفوضية الأوروبية في بروكسل على الأغلبية السياسية المحافظة في البرلمان الأوروبي من أجل تمرير أجندتها الأوروبية، والآن هناك خشية لدى البعض من أن يؤدي التغيير وتراجع حضور الاتحاد المسيحي إلى تقلص عدد أعضاء حزب "الشعب" في ستراسبورغ.
وفي السياق، قال النائب الإسباني أنطونيو لوبيز، وعضو حزب "الشعب" في البرلمان الأوروبي والأمين العام للحزب فيه، أخيراً مع "استديو إيه آر دي" ، إنه رغم المتابعة بكثير من الاهتمام وعدم اليقين بشأن ما كان يحدث داخل الاتحاد المسيحي المحافظ، إلا أن النقاش كان جيداً في النهاية، وهذا أمر منطقي، بالنظر إلى الأهمية التي توليها الانتخابات الألمانية لمستقبل المشروع الأوروبي.
وفيما قال زميله أوتمار كاراس من حزب "الشعب" النمساوي إن الاتحاد المسيحي سيبقى محل ثقة، وسيحافظ شريكا الاتحاد، المسيحي الديمقراطي والاجتماعي المسيحي من حيث المبدأ على دعمهما لأوروبا، ولن يتغير ذلك مع اختيار أرمين لاشيت، فهو أوروبي مقتنع بمواقفه وبتاريخه. وأضاف: "لكن بالطبع، علينا أولاً، وقبل كل شيء، أن نحقق رغبتنا في أن يكون لاشيت مستشاراً خلفاً لميركل، اعتباراً من سبتمبر/ أيلول المقبل".
بدوره، قال رئيس كتلة الاتحاد المسيحي في البرلمان الأوروبي، دانيال كاسباري، مع شبكة "إيه آر دي" الإخبارية إن لاشيت معروف من زملائه الأوروبيين منذ كان عضواً في البرلمان الأوروبي، وهم متفائلون للغاية بأننا مع لاشيت سنفوز مجدداً بالانتخابات البرلمانية العامة، وسنواصل أداء دورنا المهم، سواء كان ذلك في ألمانيا أو في الاتحاد الأوروبي.
ويتزامن كل ذلك مع ما قد يواجهه المحافظون من أوقات عصيبة، إذا ما تراجع الحضور الألماني في البرلمان الأوروبي، في ظل سعي الأحزاب الشعبوية لتكوين تحالف حزبي يميني شعبوي جديد يضم كل من حزب "ليغا" الإيطالي وحزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب الزعيمة الفرنسية مارين لوبان، مع فيدس المجري بقيادة فيكتور أوربان، الحزب المستبعد أخيراً من حزب "الشعب الأوروبي".