استمع إلى الملخص
- **التبريرات الأمنية والسياسية:** نتنياهو يستخدم صوراً قديمة لتبرير البقاء في المحور، رغم تأكيدات بعدم وجود أنفاق جديدة. المقاومة الفلسطينية تؤكد أن 80% من أسلحتها محلية الصنع، بينما يشير المسؤولون الإسرائيليون إلى عدم وجود أهمية استراتيجية للمحور.
- **التداعيات السياسية:** نتنياهو يستخدم المحور كمبرر لاستمرار الحرب وعرقلة أي اتفاق لوقفها. المعارضة الإسرائيلية ترى أن نتنياهو يولي أهمية أكبر للحفاظ على وزرائه. المحور يُعتبر بوابة أمنية لمصر ومهدداً لإسرائيل، مما يتطلب تدخلاً مصرياً.
على مدار الأشهر الأربعة الأخيرة الماضية، تعمّد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإشارة إلى البقاء في محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المصرية على طول الشريط الحدودي، على الرغم من أنه لم يعد يشكل أي خطر على إسرائيل في ظلّ الإجراءات المصرية التي أعقبت عام 2013. ويُعتبر محور صلاح الدين الذي يبلغ طوله 14 كيلومتراً، الشريط الحدودي الوحيد الذي يربط القطاع بالأراضي المصرية، ويمتد من أقصى المناطق الشرقية في مدينة رفح حتى ساحل القطاع البحري في المدينة.
ومنذ بداية العملية الإسرائيلية البرّية في رفح في الأسبوع الأول من مايو/ أيار الماضي، يسيطر الاحتلال على محور صلاح الدين بعد توسع عمليته البرّية لتشمل غالبية مناطق رفح بعد أشهر من حرب الإبادة التي يشنها على القطاع. ويتمسك نتنياهو بالبقاء في هذا المحور تحت ادعاءات أمنية وعسكرية ومزاعم تهريب المقاومة الفلسطينية السلاح عبر الأنفاق الموجودة في هذا المكان على مدار سنوات الحصار الإسرائيلي الممتدة من 2006 وحتى 2024. في المقابل، كان وزير الأمن يوآف غالانت ورئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي قد تحدثا عن أنه لا حاجة للبقاء في هذا المحور من الناحية العملياتية. ويبدو أن نتنياهو يتمسك بالبقاء في محور صلاح الدين لأسباب سياسية متعلقة بالبقاء على رأس الحكومة التي يخشى انفراط عقدها في حال التوجه نحو صفقة تبادل أسرى جادة مع المقاومة الفلسطينية.
نتنياهو استخدم صوراً تمّت معالجتها ببرامج تحرير الصور لعرض أنفاق قديمة للغاية
وفي ظلّ الضغوط التي أحدثتها واقعة الأسرى الستة الذين استعادهم الاحتلال جثثاً في مدينة رفح صباح الأحد، في الأول من سبتمبر/ أيلول الحالي، خرج نتنياهو في مؤتمرات صحافية وتصريحات لتبرير البقاء في المحور الحدودي بين غزة ومصر مقدّماً دوافع أمنية. ويزعم نتنياهو وجود أنفاق أرضية بين مصر وغزة، غير أن الصُور التي عرضها ثبت أنها قديمة وتعود لما قبل عام 2014، أي قبل تدميرها من قبل مصر في العملية الأمنية والعسكرية الشهيرة في 2013. علاوة على ذلك، فإن نتنياهو استخدم صوراً تمّت معالجتها ببرامج تحرير الصور (فوتوشوب)، لعرض أنفاق قديمة للغاية، في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر فلسطينية ومصرية عدم وجود أي أنفاق جديدة بين القطاع ومصر. وإلى جانب ذلك، فإن التبريرات العسكرية التي تحدث عنها نتنياهو عن نقل الأسلحة من مصر إلى القطاع، ترد عليها تصريحات المقاومة ذاتها التي أكدت أن 80% من الأسلحة هي من تصنيعها المحلي منذ سنوات.
محور صلاح الدين مبرّر لمواصلة الحرب
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة إن تصريحات المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين وقادة المعارضة تصب في اتجاه استخدام نتنياهو محور صلاح الدين مبرّراً لاستمرار الحرب. وأضاف أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رئيس جهاز الموساد ديفيد برنيع تحدث بشكل واضح عن عدم وجود أي أهمية استراتيجية للمحور وإمكانية الانسحاب منه، وهو ما يتسق مع تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال السابق موشيه يعلون والوزيرين السابقين بني غانتس وغابي آيزنكوت.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن جميع المسؤولين الإسرائيليين السابقين والحاليين يعتقدون أن نتنياهو بإصراره على البقاء في محور صلاح الدين يريد عرقلة الوصول إلى أي اتفاق يوقف الحرب وتُبرَم من خلاله صفقة تبادل. ولفت أبو سعدة إلى تصريحات المعارضة الإسرائيلية متمثلة في رئيسها يئير لبيد، الذي أشار بصورة واضحة إلى أن نتنياهو يرى أهمية حقيقية في محور الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أكثر من أهمية محور صلاح الدين عبر الحفاظ على بقائهما في الائتلاف الحاكم. واعتبر أن نتنياهو يريد التهرب من أي لجان تحقيق متعلقة بما حصل يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ويريد إطالة أمد الحرب للتهرب من هذه اللجان أطول فترة ممكنة ولا يريد مواجهة التهم الجنائية.
ترد المقاومة على نتنياهو بأن 80% من الأسلحة هي من تصنيعها المحلي منذ سنوات
وأكد أبو سعدة أن كل السياقات التي يستند إليها نتنياهو هي لإفشال كل محاولات الوسطاء للوصول إلى صفقة، بالإضافة إلى محاولته الاشتباك مع مصر سياسياً من خلال الصور والخرائط التي عرضها قبل أيام، ولفت إلى أن بعض التقارير والمعلومات أثبتت أن السلاح الموجود في غزة جاء عبر البحر، بالإضافة إلى عمليات شراء وتهريب من جيش الاحتلال الإسرائيلي، والجزء المتبقي كانت تتم صناعته محلياً من قبل الأذرع العسكرية للمقاومة، وهو ما يتعارض مع تصريحات نتنياهو.
نظرة شاملة
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية والكاتب السياسي ناجي شراب أن غزة بالنسبة للاحتلال تقع في الدائرة الأمنية الأولى لها، وبالتالي فإن إسرائيل تتعامل من منظور أمني مع القطاع وعلى أنه يشكل تهديداً لها. وقال شراب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه في الفترة الأخيرة تحوّلت غزة إلى عقدة أمنية بالنسبة للاحتلال، لا سيما على صعيد الصواريخ والمسيّرات، وبالتالي عند النظر إلى محور صلاح الدين الذي تحكمه اتفاقيات مع مصر، يُعتبر هذا المحور منفذاً وحيداً للقطاع على العالم.
وأشار إلى أن محور صلاح الدين يُعتبر بمثابة بوابة أمنية لمصر وهو البوابة الشرقية لها، فيما الاحتلال يرى فيه مهدّداً أمنياً له، لافتاً إلى أن انسحاب الاحتلال من القطاع عام 2005 لم يكن انسحاباً كاملاً لا سيما عبر سياسة الحصار المفروض. وبيّن شراب أن الاحتلال يتذرع حالياً بأن محور صلاح الدين ومنطقة رفح مصدر لتدفق السلاح لحماس والمقاومة الفلسطينية، ما يمس بالدور والمكانة المصرية، وهو ما يتطلب تدخّلاً مصرياً في ظل الذرائع الإسرائيلية.