منعت فصائل "الجيش الوطني السوري" في الشمال السوري مهجري بلدة أم باطنة، الوافدين من محافظة القنيطرة من دخول مناطق المعارضة السورية، بعد وصولهم، مساء أمس الأول، إلى معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب شرقي حلب، بدعوى عدم وجود تنسيق بين تركيا وروسيا التي رعت هذا التهجير.
وذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن القافلة، التي تضم 32 شخصاً من مقاتلي "الجيش الحر" سابقاً مع عائلاتهم (نحو 150 شخصاً) وصلت، مساء الخميس الماضي، إلى معبر أبو الزندين، برفقة الهلال الأحمر التابع للنظام والقوات الروسية، بعد رحلة استغرقت نحو 12 ساعة من القنيطرة. وبعدما ترك الهلال الأحمر والقوات الروسية القافلة على بعد أمتار من حاجز "الجيش الوطني" على معبر أبو الزندين، لم يسمح الأخير لها بالدخول، بسبب عدم وجود تنسيق مسبق بشأن دخولها. ولا تزال القافلة، المكونة من 3 حافلات، موجودة حتى مساء أمس الجمعة قرب المعبر، في حين شارك عشرات المدنيين والناشطين في تظاهرة ليل أمس الأول، عند دوار السنتر وسط مدينة الباب، مطالبين "الجيش الوطني"، المدعوم من تركيا، بعدم عرقلة دخول القافلة.
لا تزال قافلة مهجري أم باطنة قرب معبر أبو الزندين
ونشر "تجمع أحرار حوران" صوراً لأطفال يعانون من حالات مرضية، وآخرين مصابين بجراح متفاوتة، محذراً من تدهور حالتهم الصحية، فيما وقفت سيارات إسعاف من مديرية صحة حلب الحرة وفرق للدفاع المدني السوري بانتظار دخول القافلة عبر معبر أبو الزندين. ولم يصدر عن "الجيش الوطني" أي توضيح حول منع إدخال العائلات حتى مساء أمس، فيما ذكرت صفحات محلية في مدينة الباب، أن هذا الأمر جاء لأسباب أمنية، نتيجة عدم تنسيق مسبق من الجانب الروسي مع الجانب التركي خلال عملية التهجير.
وكانت قوات النظام فرضت، أمس الأول، تهجير هذه العائلات من أم باطنة في ريف القنيطرة الأوسط، باتجاه الشمال السوري، بحضور وفد من الشرطة العسكرية الروسية، مقابل عدم اقتحامها البلدة، إضافة إلى إفراجها عن شابين من أبناء البلدة تنفيذاً لمطالب المهجرين، بناء على اتفاق جرى في 15 الشهر الحالي، بين وجهاء المنطقة والعميد طلال العلي، المسؤول عن فرع سعسع في المخابرات العسكرية التابعة للنظام.
ورغم أن ريف حلب الشمالي، الخاضع لسيطرة "الجيش الوطني"، يستقبل حالياً الآلاف من مهجري المناطق السورية، خاصة من ريف دمشق، لكنها ليست المرة الأولى التي يمنع فيها "الجيش الوطني" والأتراك مهجرين من مناطق سورية من الدخول إلى مناطق سيطرة المعارضة. وكان الجيش التركي منع في مايو/أيار 2018، دخول حافلات تقل مهجرين من ريف حمص الشمالي وجنوب دمشق إلى ريف حلب الشمالي، للسبب ذاته، أي عدم وجود تنسيق مسبق معهم، وعادت حينها قافلة المهجرين إلى ريف إدلب.
ورأى الناشط عامر الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عملية التهجير الحالية جاءت بضغط من قبل إيران، التي تسعى إلى تعزيز انتشار مليشياتها في الجنوب السوري، وتستهدف إفراغه من الشبان الرافضين لوجودها في المنطقة. ولم يستبعد أن تستهدف هذه العمليات مناطق أخرى في ريف القنيطرة، بعد أم باطنة.
وكانت بلدة أم باطنة شهدت توترات نتيجة هجوم مسلحين مطلع الشهر الحالي على نقطة عسكرية تابعة للمليشيات الإيرانية في قرية صغيرة، تسمى الدوحة، تقع بين تل الشعار وقرى جبا وأم باطنة وممتنة، وقريبة من السياج الحدودي الفاصل بين سورية والأراضي المحتلة. وبعد الهجوم، قصفت قوات النظام أم باطنة بقذائف المدفعية من تل الشعار القريب منها، ما دفع الأهالي إلى اللجوء للبلدات المجاورة، قبل أن تجري مفاوضات بين وجهاء المنطقة وقوات النظام، انتهت بالاستجابة لطلب قوات النظام تهجير المطلوبين لديها مع عائلاتهم.
عامر الحوراني: عملية التهجير جاءت بضغط من قبل إيران
وكانت بلدة طفس، الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة درعا، وقبلها بلدة الصنمين شمالي محافظة درعا، شهدتا عمليتي تهجير إلى الشمال السوري مطلع العام الحالي، إثر توترات مع قوات النظام، التي تعتمد في سياستها المتكررة على الحشد العسكري أولاً وحصار المناطق المستهدفة، ومن ثم إجبار اللجان المحلية على تسليم المطلوبين أو تهجيرهم إلى الشمال السوري، الخاضع بالمجمل لسيطرة فصائل المعارضة.
وشهدت سورية أول عملية تهجير في العام 2014، وتحديداً من حمص القديمة باتجاه الشمال، بعد حصار خانق وعمليات عسكرية دمرت الأحياء الثائرة، ومن أهمها باب السباع، وباب الدريب، والكثير من الأحياء الأخرى في المدينة. وتم وقتها نقل المقاتلين مع أسرهم بالحافلات إلى ريف حمص الشمالي. وفي 2016، شهدت حلب شمالي سورية عملية تهجير، وصفت بأنها الأكبر، نحو الريف الحلبي، بعد شن النظام وداعميه عملية عسكرية استمرت نحو عام كامل، أسفرت عن سقوط ضحايا بين المدنيين. وقدرت أعداد المهجرين وقتها بنحو 45 ألف شخص. وفي العام ذاته، تم تهجير أهالي داريّا بريف دمشق باتجاه الشمال، وتم إفراغ المدينة بشكل كامل. وبحسب معطيات متقاطعة، فقد بسطت المليشيات الإيرانية السيطرة على داريا بضوء أخضر من النظام، ولم يسمح إلا بعودة القليل من الأسر وبشروط أمنية.
وفي 2016 أيضاً، عمل النظام على تهجير أهالي بلدتي قدسيا والهامة إلى منطقة إدلب، بعد حصار خانق عاشه المدنيون، ليلي ذلك تهجير أهالي بلدات معضمية الشام وخان الشيح والتل بريف دمشق. وفي العام التالي، جرى تهجير سكان بلدة وادي بردة بريف دمشق، بعد حصار استمر 40 يوماً، إلى إدلب. كما شهدت أحياء دمشق الشرقية، برزة، وتشرين، والقابون، عمليات تهجير مماثلة. وفي 2017 أيضاً، جرى تهجير أهالي حي الوعر، أحد أحياء مدينة حمص، باتجاه الشمال السوري.
وكانت أبرز عمليات التهجير في إبريل/ نيسان 2017، التي عُرفت باسم "اتفاق تهجير المدن الأربع"، بعد اتفاق بين "هيئة تحرير الشام"، و"أحرار الشام"، وبين ممثلين عن إيران والنظام، والذي قضى بتفريغ مضايا والزبداني في ريف دمشق، إضافة إلى مخيم اليرموك جنوبي دمشق، من المقاتلين التابعين للمعارضة ومن الأهالي الراغبين في الخروج، مقابل تفريغ كفريّا والفوعة المواليتين للنظام بريف إدلب الشمالي. وفي 2018، تم تهجير أهالي مدن وبلدات القلمون الشرقي بريف دمشق، وهي الضمير، والناصرية، والرحيبة، والقطيفة، باتجاه الشمال السوري. وفي يونيو/حزيران 2018، استهدفت حملة التهجير محافظة درعا ومحافظة القنيطرة.