تنتهي غداً الخميس المهلة التي حددها الجيش الجزائري للمزارعين المغاربة الذين يستغلون مزارع وواحات نخيل منطقة العرجة، بولاية بشار أقصى جنوب غربي الجزائر، قرب فكيك المغربية، ما أجبرهم على المغادرة وترحيل متاعهم بعد مطالبتهم بذلك من قبل السلطات المغربية وفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود البرية بين البلدين في يونيو/حزيران 1972.
وبدأت السلطات الجزائرية الإغلاق بعد بسط سيطرتها الكاملة على المزارع والواحات التي تقع في المنطقة، ومنع المزارعين المغاربة من الدخول مجدداً لاستغلال هذه الأراضي التي كانوا يستغلونها بشكل عرفي ومنذ عقود وبدون ترخيص، حيث نشرت قوات حرس الحدود التابعة للجيش الجزائري مخيماً في المنطقة رفع عليه العلم الجزائري، وسط نقاش سياسي حول توقيت الخطوة الجزائرية، في ظل التوتر والشحن السياسي والإعلامي القائم بين البلدين منذ أشهر، وحول مسؤولية السلطات المغربية التي ترفض مصارحة المزارعين وأهالي منطقة فكيك بالحقائق السياسية كون المنطقة مدرجة في الأراضي الجزائرية وفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود في 15 يونيو/حزيران 1972، والخرائط المودعة لدى الأمم المتحدة عام 1992.
وبغض النظر عن النقاشات السياسية المشحونة في الوقت الراهن، يبرز بعد إنساني مغيب في هذه القضية التي تعود معها محنة مستمرة للمطرودين من البلدين بسبب التوترات السياسية والحدودية على مر عقود من الصراع بين الجزائر والمغرب، والذي لم يفتر إلا لفترة قصيرة بين سنوات 1987 و1995، عندما تم فتح الحدود البرية بين البلدين، حيث كان المواطنون الجزائريون والمغاربة يدفعون ثمن هذه التوترات، وكان أشدها قسوة انتزاع السلطات المغربية لأراضي الجزائريين عام 1973، وترحيل الجزائر للرعايا المغاربة عام 1975.
خلال فترة الاستعمار الفرنسي كانت الآلاف من العائلات الجزائرية قد استوطنت مدنا حدودية في المغرب، وما إن استقلت الجزائر حتى اندلعت حرب الرمال الأولى بين الجزائر والمغرب بسبب الحدود، عشرات العائلات الجزائرية وجدت نفسها مضطرة للرحيل والمغادرة إلى الجزائر بسبب التضييق الذي تعرضت له من قبل السلطات المغربية، وتجدد ذلك عام 1973، حيث لجأ المغرب إلى سياسة اقتطاع الأراضي من الجزائريين، ويكشف تقرير لوزارة الشؤون الخارجية عقب زيارة كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية في الخارج حليم بن عطا الله إلى مدينة وجدة المغربية للقاء الجالية الجزائرية المقيمة هناك، في عام 2010، أن "السلطات المغربية استحوذت بمقتضى قرار ملكي مؤرخ في 2 مارس/آذار 1973، على أكثر من 20 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية التي يملكها رعايا حائزون على عقود عقارية، مشيراً إلى أن "العديد من الرعايا الجزائريين الذين استفادوا من حق الانتفاع من أراض لا تتعدى 10 هكتارات اضطروا إلى التخلي عن هذا الحق"؛ بسبب صغر المساحة مقارنة بممتلكاتهم، خاصة في منطقة وجدة وبركان على الحدود بين البلدين، حيث زار الوزير حينها عائلات جزائرية كانت ضحية للطرد من طرف السلطات المغربية من أراضيها، ولاحظ تقرير الخارجية الجزائرية "أن العائلات الجزائرية التي مسها هذا القرار لم يتم تعويضها عكس الرعايا الأوروبيين، وبين عشية وضحاها، صار الرعايا الجزائريون بدون أملاك، ما اضطر الآلاف منهم إلى مغادرة المغرب والرحيل إلى الجزائر.
وهكذا دفع مواطنون جزائريون ثمن خلافات سياسية بين البلدين، ولم تنتظر الجزائر طويلاً، وردت على هذا القرار المغربي، بعد قرار الرباط تنظيم المسيرة الخضراء باتجاه الصحراء، فقامت السلطات الجزائرية بطرد عشرات العائلات المغربية وترحيلها قسرياً إلى خارج الحدود مع المغرب، بشكل محدد من مدن سيدي بلعباس ووهران وتلمسان غربي الجزائر، حيث تم تجميعها في مخيمات وطردها إلى ما وراء الحدود، حيث يتجمع المغاربة في جمعية للمطالبة باسترجاع حقوقهم.
تبدو مشكلة الأراضي والممتلكات بين الجزائر والمغرب مشكلة معقدة ذات صيغة قانونية، وكذلك أزمة الترحيل والطرد المتبادل
وهكذا أيضاً دفع مواطنون مغاربة ثمن الخلاف السياسي، ولم ينس المغرب هذه الحادثة، واستغرق رده على ذلك عقدين تقريباً وفي ظروف مغايرة، يدفع فيها المواطنون ثمن الخلاف مجدداً، في أغسطس/آب 1994 وقع تفجير إرهابي استهدف فندق أطلس آسني في قلب مراكش، وتوجهت الرباط بالاتهامات للجزائر، وأمهلت الرعايا الجزائريين الذين كان عددهم 35 ألف شخص في رحلات سياحة 48 ساعة لمغادرة المغرب، وعدم العودة دون الحصول على التأشيرة، ودفع هذا القرار السلطات الجزائرية إلى تخصيص أكثر من 300 حافلة أرسلت إلى الحدود لإعادة الجزائريين، قبل أن تقرر الجزائر غلق حدودها مع المغرب، بعد أقل من ثماني سنوات من فتحها فقط.
وتبدو مشكلة الأراضي والممتلكات بين الجزائر والمغرب مشكلة معقدة ذات صيغة قانونية، وكذلك أزمة الترحيل والطرد المتبادل، لكنها تبقى ذات بعد سياسي بحت، باعتبار أنها تأتي في كل مرة تعرف فيها العلاقات بين البلدين توترات سياسية، وفي السياق يغيب البعد الإنساني في أزمات كهذه، خاصة عندما يستفيق مواطن جزائري يقيم في المغرب أو مغربي يقيم في الجزائر فجأة على قرار يسلبه أملاكه أو يفرض عليه اشتراطات معينة.
ويعتقد الكاتب الجزائري سعيد هادف الذي عاش لفترة في مدينة وجدة المغربية أن هناك بعدا إنسانيا غائبا في مجموع الأزمات التي تحدث بين البلدين، وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن الجزائريين والمغاربة "ضحايا جهل الريجيمات السياسية، وسوء استخدام القانون من الجهات المعنية، ولاسيما عندما تسوء العلاقة بينهما، وفي رأيي هناك جهل فادح لدى مؤسسات الدولتين في المجالين السياسي والقانوني، وضع سطراً تحت الجهل بوصفه السبب الرئيسي في كل الكوارث التي تحدث، وهو تلاعب ناجم عن جهل السلطات بالقانون وغياب المرافعات القانونية للدفاع عن المظلومين".
أما في المغرب فقد أثار قرار الجيش الجزائري منع المزارعين المغاربة من دخول أراضيهم وتهديده باعتقالهم غضب الأحزاب المغربية، التي وصفت الخطوة بـ"الاستفزازية".
واستنكر حزب الاستقلال المغربي، الأربعاء، بشدة ما وصفها بالأعمال الاستفزازية التي قامت بها السلطات الجزائرية على الحدود مع المغرب قرب محافظة فجيج، واصفاً تهديد الجيش الجزائري للمزارعين المغاربة في حال عدم انسحابهم، الخميس، من أراضٍ زراعية متاخمة للحدود الجزائرية يستغلونها منذ عقود، بـ"القرار الاستعدائي" الذي" يترجم بوضوح حجم الانكسارات وواقع عدم اليقين والهشاشة السياسية التي تعتري حكام الجزائر في الوقت الحالي".
من جهته، اعتبر حزب التقدم والاشتراكية المعارض، القرار الجزائري "خطوة استفزازية"، وقال الحزب، في بيان لمكتبه السياسي، إن "المصلحة العامة للبلدين تكمن في تجنب كل ما من شأنه أن يذكي أجواء التصعيد والتشنج والتوتر، بما تحمله من مخاطر كبيرة بالنسبة لفضائنا المشترك".
وقد عقد محافظ فجيج لقاء مع عدد من مستغلي الأراضي، خصص لتدارس التطورات المرتبطة بـ"اتخاذ السلطات الجزائرية لقرار مؤقت وظرفي يقضي بمنع ولوج هذه المنطقة ابتداء من تاريخ 18 مارس/آذار الجاري".
وكشفت محافظة فجيج أن اللقاء خصص لتدارس الحلول الممكنة للتخفيف من تداعيات القرار الجزائري على مستغلي الأراضي الزراعية، مؤكداً أن السلطة الإقليمية وبتنسيق وتشاور مستمرين مع الهيئات التمثيلية للجماعة السلالية ومستغلي الأراضي الفلاحية المعنية بقرار السلطات الجزائرية، وستبقى منكبة على دراسة صيغ حلول تأخذ بالاعتبار كافة الاحتمالات الواردة.