تؤشر مجريات التحقيق في قضية محاولة الاغتيال التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى إمكانية التسويف وعدم كشف الحقائق، خاصة فيما يتعلق بهوية المتورطين.
ويأتي هذا وسط تأكيدات لمسؤولين بأن الملف يخضع لضغوط مختلفة، من قبل أطراف سياسية وفصائل مسلحة متهمة بالوقوف وراء المحاولة.
وأقدمت السلطات العراقية، منتصف الشهر الحالي، على إطلاق سراح جميع الضباط والمراتب، الذين اتُهموا بالتقصير، ودارت حولهم شكوك في التورط في الملف، من بينهم مدير دائرة مكافحة المتفجرات اللواء صباح الشبلي، ومدير الأدلة الجنائية اللواء إياد العيساوي.
أطراف داخلية سياسية يرتبط بعضها بفصائل مسلحة تواصل التشكيك في محاولة الاغتيال وتعتبرها مسرحية
ووصف مسؤول أمني رفيع المستوى في بغداد ملف التحقيق في حادثة محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الكاظمي بأنه "مُعقّد جدا". وقال، في حديث عبر الهاتف من بغداد لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ أيام لم يحرز فريق التحقيق في محاولة استهداف رئيس الوزراء أي تقدم يذكر".
وتحدث المسؤول عن أطراف داخلية سياسية يرتبط بعضها بفصائل مسلحة، قال إنها "تواصل التشكيك في محاولة الاغتيال وتعتبرها مسرحية".
لا دليل على أن إتلاف الأدلة متعمّد
وبيّن المسؤول أن الشكوك تحوم حول فصيلين نافذين في بغداد، أحدهما يملك كتلة سياسية، سبق أن وجّه تهديدات لرئيس الوزراء في مناسبات عديدة في الفترة الماضية.
لكنه أشار إلى أن فريق التحقيق لم يحصل حتى الآن على أي أدلة لها قيمة، يمكن من خلالها البناء وتحويل الشكوك إلى اتهام مباشر لأي طرف.
وأكد المسؤول الأمني أن "عملية إطلاق سراح ضباط كبار بوزارة الداخلية تم بكفالة، ولا يسمح لهم بمغادرة البلاد. كما أن اللجنة لم تتوصل إلى أي دليل يؤكد أن إتلافهم الأدلة في مسرح الجريمة ناجم عن فعل متعمد".
وكشف المسؤول ذاته أن "غالبية مجريات التحقيق حالياً تتعلق بنطاق فني، من خلال تدقيق مسارات انطلاق الطائرات المسيّرة، ومراجعة ومراقبة سجلات أشخاص مشتبه بهم".
وأوضح المسؤول أنه "لم يتقدم أي شخص بمعلومات حول الموضوع، منذ مطالبة اللجنة المكلفة بالتحقيق المواطنين بتقديم أي معلومات يملكونها".
ولفت المسؤول الأمني إلى أهمية النظر للملف من زاوية الوضع السياسي والأزمة الراهنة في العراق في الوقت الحالي، وتعذّر توجيه اتهام لطرف محدد.
تحذير من التهاون بالتحقيق في محاولة اغتيال الكاظمي
وعلى الرغم من إدراك الشارع العراقي لحساسية الملف، إلا أن نواباً حذروا من إمكانية التهاون فيه، لا سيما وأنه يمثل اعتداء على هيبة الدولة، ما يستدعي محاسبة المسؤولين مهما كان ارتباطهم.
حسين عرب، وهو نائب سابق وفاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حذر أيضاً، في حديث مع "العربي الجديد"، من أن "التهاون في هذا الملف يؤسس لخطر كبير، من خلال إمكانية تكرار العملية مستقبلاً". لكنه أقر، في الوقت ذاته، بأن "التحقيق يخضع لبعض الإشكاليات"، من دون أن يحددها.
حسين عرب: التهاون في هذا الملف يؤسس لإمكانية تكرار العملية مستقبلاً
وشدد عرب على أنه "ليس من المنطق أن يكون الملف عرضة للتهاون. وقد لاحظنا أن النتائج الأولية، التي طرحتها لجنة التحقيق، كانت فقيرة جداً، لذلك يجب أن يكون التحقيق في المرحلة الحالية جدياً".
وأكد عرب أنه "إذا كانت هناك جهات كبيرة متورطة في الملف فيجب أن تعاقب، وأن تتم محاسبتها. وإذا لم تتم محاسبتها قانونياً فإن ذلك سيكون أخطر من محاولة الاغتيال أساساً".
وأشار عرب إلى أنه "إذا كانت الدولة تخشى من كشف الحقيقة فذلك يدل على عدم وجود دولة. ويجب أن يعرف الشعب ذلك، ونحتاج إلى تدعيم ثقته من خلال الإجراءات القانونية الرصينة".
ودعا النائب السابق إلى أن "يكون هناك نوع من الجرأة والموضوعية في التحقيق لكشف الحقائق، كما كُشفت بعض الحقائق في ملفات مشابهة سابقة".
من جهتها، انتقدت عضو ائتلاف الوطنية، والنائبة السابقة انتصار علاوي "التناقض الكبير بين تصريحات الكاظمي واللجنة التحقيقية".
وأكدت علاوي، في تصريح صحافي، أن "الكاظمي ادعى أنه يعلم الجهة التي نفذت محاولة الاغتيال، واللجنة التحقيقية قالت إنه ليست لدينا معلومات أو اتهامات لأي جهة أو شخص، وهذا هو التناقض الذي يؤكد ضعف الحكومة".
تشكيك قوى حليفة لإيران في محاولة الاغتيال
في المقابل، تشكك القوى الحليفة لإيران، والتي ترتبط بها الفصائل المسلحة، في حقيقة محاولة الاغتيال، متهمة الكاظمي بادعائه ذلك. ودعا عبد الهادي السعداوي، النائب السابق عن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، إلى "ضرورة إجراء تحقيقات شفافة ونزيهة ومعمقة في ملف محاولة الاغتيال، وكشف النتائج للشعب، خاصة وأن القضية مفبركة من قبل الحكومة".
وقال السعداوي، في تصريح لمحطة تلفزيون محلية عراقية، إن "الكاظمي حاول من خلال فبركة محاولة الاغتيال الحصول على تأييد دولي وشعبي، لتحقيق هدفه الذي يصبو إليه، وهو الفوز بولاية ثانية".
الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي، اعتبر ملف التحقيق في محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الكاظمي، "مرتبط بالأزمة السياسية الحالية".
وأشار النعيم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "عدا عن ذلك، فإن التحقيق يواجه صعوبات حقيقية، تتمثل في معرفة الجهة التي أطلقت الطائرات المسيرة، خاصة وأن تقنية المسيرات تمتلكها أكثر من جهة مسلحة من الفصائل المعروفة".
واعتبر الخبير أن "الحديث عن أنها انطلقت من مناطق شرقي بغداد يعني أننا نتحدث عن منطقة كبيرة جداً، ويوجد فيها نفوذ وانتشار لأكثر من 11 فصيلاً مسلحاً".
إغلاق الملف من دون اتهام أحد
وشدد النعيمي على أن "الدليل المهم هو البصمات التي كان يمكن العثور عليها على المقذوف الذي لم ينفجر. لكن تم إتلافه من قبل قوات الأمن. وهو فعل بسبب جهل، وليس تعمدا على الأكثر".
واستبعد النعيمي "الإعلان عن شيء ملموس أو واضح حيال الملف، على الأقل في الفترة الحالية، وقد يغلق الملف من دون توجيه اتهامات لأحد".
أحمد النعيمي: قد يغلق الملف من دون توجيه اتهامات لأحد
وكان زعيم جماعة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، حذر، في 28 الشهر الماضي، من توجيه الاتهام للفصائل المسلحة بالوقوف وراء محاولة اغتيال الكاظمي.
واعتبر الخزعلي أن "محاولة اتهام فصائل المقاومة بها لعب بالنار، ومحاولة لجر البلد إلى أزمة كبيرة"، واصفاً محاولة عملية الاغتيال بـ"الاستهداف المزعوم".
ووجّه الخزعلي "رسالة إلى اللجنة المكلفة بالتحقيق حول الحادثة المزعومة لاستهداف منزل الكاظمي: يجب أن تقدموا أدلة ملموسة وإثباتات حقيقية، وليس بادعاءات وإعلام وفيسبوك، لأن الوضع لا يحتمل".
وكان مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أعلن، أخيراً، النتائج الأولية للتحقيق في محاولة اغتيال الكاظمي، من دون أن تحمل أي اتهامات محددة.
وأوضح الأعرجي، في مؤتمر صحافي، أنه "ثبت لدى لجنة التحقيق أن الهجوم على منزل رئيس الوزراء تم بطائرتين مسيرتين، عبر إلقاء مقذوفين، أحدهما على سطح منزل الكاظمي والثاني في باحته".
وأشار الأعرجي إلى أن "التحقيق سيتواصل، ونطالب من يملك دليلاً حول الحادثة بتقديمه، ونحن بعيدون عن أي سجال سياسي". وأعلن أن "لجنة التحقيق لم تتهم لغاية الآن شخصاً أو جهة، والتحقيق يحتاج إلى مزيد من الوقت".