تبنى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، اليوم الإثنين، بالإجماع قرارا يمدد آلية المساعدات العابرة للحدود (باب الهوى) لسورية وذلك لستة أشهر إضافية، ما سيسمح باستمرار تقديم المساعدات لملايين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غربي سورية.
وتبنى المجلس القرار بالإجماع، حيث صوتت روسيا والصين لصالحه. وصاغت القرار سويسرا والبرازيل، اللتان تحملان ملف القلم الإنساني لسورية في دورة المجلس الحالية. وينص القرار على التمديد لعمل الآلية لستة أشهر إضافية، أي حتى 10 يوليو/ تموز 2023، عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، كما يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقديم تقرير بشأن الاحتياجات الإنسانية في سورية في موعد أقصاه 10 يونيو/ حزيران 2023.
ويشير نص القرار إلى التزام مجلس الأمن بسيادة سورية ووحدة أراضيها، كما يشير إلى قراراته السابقة المختلفة وبياناته الرئاسية.
وينص أيضاً على أن مجلس الأمن "يرحب بجميع الجهود الجارية ويحث على تكثيف ما يتخذ من مبادرات إضافية من أجل توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية والتعليم والمأوى والكهرباء، حيثما كانت ضرورية لاستعادة إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية"، ودعا الوكالات الإنسانية الدولية الأخرى والأطراف المعنية إلى دعمها.
كما طلب إحاطة شهرية حول الوضع الإنساني من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة وأن يقدم تقريرا بانتظام كل 60 يوما على الأقل بشأن تنفيذ القرارات ذات الصلة.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى في يوليو/ تموز الماضي القرار 2642 (2022) الذي مدد عمل الآلية لستة أشهر (تنتهي مدتها غداً) على أن يتم التمديد لستة أشهر إضافية عن طريق قرار جديد وهو ما تم تبنيه اليوم.
المندوبة الأميركية: هذا الحد الأدنى
هذا، ورحبت السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد بتبني القرار بالإجماع وذلك خلال مداخلتها أمام المجلس، وقالت "ضمنّا، بتبني القرار، أن المساعدات الأساسية والحرجة من المياه والغذاء والمأوى ستستمر في الوصول إلى الشعب السوري، كما لن تنقطع الإمدادات الطبية عن بلد يواجه تفشي الكوليرا. تصويت اليوم يسمح للشعب السوري أن يتنفس الصعداء قليلا".
وأضافت "لم يستطع المجلس في يوليو/ تموز الماضي أن يمدد للولاية لاثني عشر شهراً، ما ينعكس كلفة أكبر على المنظمات الإنسانية لشراء المواد والتخطيط، وهو ما أضر باختيار وتنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر".
وتابعت "كان مهمّاً أننا وحدنا صفنا اليوم، ولكن دعونا نكون صريحين، حيث يمثل هذا القرار الحد الأدنى تماماً لما يجب القيام به. ما كان ينبغي أن يكون تجديد هذا القرار محل نقاش. كان من الواجب أن يركز نقاشنا على تعزيز الآلية والمساعدات. وعلينا أن نظهر للشعب السوري أننا سنبذل كل ما بوسعنا لزيادة المساعدات، حيث إن حجم الاحتياجات في كل محافظات سورية زاد".
وأشارت المندوبة الأميركية أيضاً إلى ضرورة زيادة تمويل خطة المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن بلادها من أكبر المانحين لهذه الخطة، ولفتت إلى أرقام صادرة عن الأمم المتحدة مفادها أن هناك أكثر من 15 مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية ملحة، داعية إلى "ضرورة وقف إطلاق النار الفوري وعملية سياسية شاملة تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2254 (2015)"، وشددت على ضرورة إنهاء الحرب والعمل نحو سلام عادل وشامل.
المندوب الروسي: الدول الغربية تبالغ
من جهته، وصف سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، في مداخلته أمام مجلس الأمن الدولي، تصويت بلاده تأييداً لتمديد الآلية بـ"القرار الصعب". وقال نيبنزيا "لقد كان قراراً صعباً بتمديد المساعدات عبر باب الهوى، حيث يتم تقديم المساعدات عبر تركيا لمناطق مليئة بمنظمات إرهابية. ولكن يجب ألا ينظر إلى هذا (التصويت) على أنه تغيير في نظرتنا المبدئية لآلية المساعدات العابرة للحدود".
وتابع قائلا "في صياغته الحالية يخفق القرار بعكس تطلعات الشعب السوري والذي يتوقع من مجلس الأمن، إضافة إلى الجهود الإنسانية، احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية ليس بالأقوال فقط (ينص القرار على ذلك) بل بالأفعال أيضا".
وتحدث المندوب الروسي عن أن "الآلية العابرة للحدود من الناحية المبدئية لا تحترم هذا المبدأ لأنها تسمح بدخول تلك المساعدات دون إذن من النظام السوري، وهو ما يتعارض مع مبدأ سيادة الدول"، على حد زعمه.
وأضاف "إن تصويت اليوم (تأييدا للقرار من قبل روسيا) هو اعتراف استثنائي بجهود أيرلندا والنرويج (كانتا تحملان ملف القلم الإنساني السوري في مجلس الأمن حتى نهاية الشهر الماضي حيث انتهت ولايتهما في المجلس) في المفاوضات على المشروع وطريقة إدارتهما لتلك المفاوضات على عكس مرات سابقة. وهو إشارة لسويسرا والبرازيل، اللتين تحملان الآن ملف القلم الإنساني. ونأمل أن يظهرا توجها غير مسيس في المفاوضات والأمور العالقة".
وشدد على أن "الدول الأعضاء يجب ألا تتوقع أن يصبح النقاش حول التجديد للآلية آلياً والتعامل معه كمفهوم ضمناً"، متهماً الدول الغربية بأنها انتهازية ولا تريد أن تدعم "السوريين عموما"، وقال إنها تبالغ بالادعاءات بأن الإمدادات العابرة لخطوط التماس لن تكون كافية أو أنه لا يمكنها أن تحل محل الآلية العابرة للحدود.
المندوب الصيني: تدبير مؤقت تحت ظروف خاصة
أما مندوب الصين تشانغ جون فرحب أيضاً بالتجديد للآلية "كتدبير مؤقت تحت ظروف خاصة على أن يتحول بنهاية المطاف وبشكل منظم ليصبح مساعدات عبر خطوط النزاع"، وقال "من الضروري أن يزداد حجم قوافل المساعدات عبر خطوط النزاع... على الأطراف أن يضمنوا توفير الإمدادات والتمويل الكافي عبرها".
وشدد على ضرورة زيادة التمويل لمشاريع الإنعاش المبكر، متحدثاً عن ضرورة دعم مشاريع إزالة الألغام وأن تدخل ضمن نطاق مشاريع الإنعاش المبكر (وهو ما طالب به النظام السوري). ورأى ممثل الصين أن الجزاءات الأحادية المفروضة على النظام تعيق عمليات المساعدات وتتعارض وجهود المجلس وتقلل من قدرة المنظمات الإنسانية على شراء الإمدادات، وحث الدول عن رفعها وبشكل فوري.
إلى ذلك، رحبت مندوبة المملكة المتحدة باربارا وودود بتبني القرار، وشددت على ضرورة توفير المزيد من الوضوح للسوريين باستمرار المساعدات كما للعاملين الإنسانيين الذين يحذرون دائماً من أن الولايات القصيرة تؤدي إلى إشكاليات في قضايا التخطيط للطوارئ وتقيد قدرتهم على تلبية الاحتياجات بأسرع ما يمكن وبأقل كلفة، وشددت على ضرورة أن تكون الولايات لاثني عشر شهرا وليس ستة أشهر.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الأمين العام للأمم المتحدة أخذ علماً بتبني مجلس الأمن القرار، واصفاً العمليات الإنسانية العابرة للحدود بأنها "تبقى شريان حياة لا غنى عنه لـ4.1 ملايين شخص في شمال غرب سورية".
وأضاف قائلا "يأتي قرار التمديد لستة أشهر إضافية في وقت وصلت فيه الاحتياجات الإنسانية إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الصراع في عام 2011، حيث يعاني السوريون من شتاء قارس وتفشي وباء الكوليرا". وشدد دوجاريك على ضرورة "توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية عبر سورية، بما في ذلك من خلال العمليات عبر الحدود وعبر خطوط التماس، وتوسيع الأنشطة الإنسانية من خلال الاستثمار في مشاريع الإنعاش المبكر".
"منسقو الاستجابة" يحذر من شرعنة النظام السوري
بدوره، جدد فريق "منسقو استجابة سورية" في بيانٍ له، مساء الإثنين، تأكيده على أن القرار الجديد الذي يحاول العمل على زيادة فعالية دخول المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس جاء فقط لإرضاء كل من الصين وروسيا التي أكدت من خلال تصريحات مندوبها أنها لن تناقش الآلية العابرة للحدود من جديد بحجة مخالفة المبادئ الدولية لدخول المساعدات، بالإضافة إلى محاولة تغيير مواقف الدول من موضوع المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس.
وحذر الفريق من أن روسيا ستعمل جاهدة لإغلاق حركة القوافل الإنسانية في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهو ما يؤكد أن الآلية خلال الأشهر الستة التالية هي الأخيرة في مضمون نقل المساعدات.
ونص القرار على زيادة فعالية نقل المساعدات عبر الخطوط، بالإضافة إلى زيادة أنشطة التعافي المبكر. واعتبر "منسقو الاستجابة" أن النظام السوري هو المستفيد الأكبر منها، وبالتالي العمل على شرعنة النظام الحالي وإعادة تمويل ما دمرته روسيا في حربها ضد السوريين.
وأشار الفريق إلى أن المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس مع النظام السوري غير كافية ولا تصلح لإمداد المنطقة بالاحتياجات الإنسانية، واستحالة تنفيذها خاصةً مع العراقيل الكبيرة التي يضعها النظام السوري وروسيا على دخول القوافل الإنسانية عبر خطوط التماس، بالإضافة إلى استغلال المساعدات الإنسانية من قبل النظام السوري في تمويل عملياته العسكرية ضد المدنيين، وشدد على ضرورة قيام المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي بإيجاد حلول بديلة إضافية خلال المرحلة المقبلة، وذلك لغياب أي حلول سياسية للملف السوري حتى الآن، ولضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود.