أنهى مجلس الأمن الدولي في نيويورك اجتماعه المغلق حول السودان، مساء الثلاثاء، دون أن يصدر عنه أي موقف موحد حول التطورات الأخيرة، على الرغم من أنّ الكثير من الدول الأعضاء عبّرت عن إدانتها للانقلاب العسكري. وجاء الاجتماع بطلب من بريطانيا وفرنسا وإستونيا والنرويج وأيرلندا والولايات المتحدة.
وقال نائب السفير الروسي للأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، في تصريحات للصحافيين في نيويورك: "إنّ من الصعب وصف ما حدث في السودان بالانقلاب العسكري. هناك تعريف معيَّن للانقلاب العسكري. هناك أوضاع مشابهة في الكثير من المناطق في العالم ولا تسمى بالانقلاب العسكري... البعض يسميها تغيير حكم. علينا أن نرى، ولكن يجب أن يقرر الشعب السوداني بنفسه ما إذا كان هذا انقلاباً عسكرياً أو لا".
وأضاف: "هذه ليست مهمتنا (كمجلس الأمن) أن نطلق مسميات معينة على تلك الأحداث". ورأى أنه "يجب أن تناشد الأمم المتحدة (جميع الأطراف) بوقف العنف والعودة إلى الحوار"، مشدداً على أنّ "العنف من جميع الأطراف غير مقبول، ويجب أن يتوقف وهذه رسالتنا".
ورداً على عدد من الأسئلة الإضافية لـ"العربي الجديد" في نيويورك حول استخدامه لكلمة "عنف" بدلاً من "انقلاب" وما الذي يقصده بذلك، قال: "قد نختلف على تعريف الانقلاب، ولكن لا أعتقد أننا سنختلف على تعريف العنف. عندما يقتل الناس، وهناك تظاهرات، وهجمات ولا يهمّ من يستخدم العنف، سواء الشرطة أو الجيش أو المتظاهرون... هذا (العنف) غير مقبول".
وبشأن ما إذا كان لديه تعليق على حقيقة أنّ الجيش السوداني يهاجم المتظاهرين السلميين، قال: "بحسب علمي، فإنّ الهجمات تُشنّ كذلك من قبل المتظاهرين، وليس من قبل الجيش فقط. يجب أن يتوقف العنف من قبل جميع الأطراف. وبحسب ما يمكنني رؤيته، فإنّ هناك كذلك تظاهرات غير سلمية، وهناك دائماً تظاهرات يستخدم العنف فيها. ولذلك نطالب بوقف جميع أنواع العنف". وجاءت تصريحات الدبلوماسي الروسي قبل دخوله لحضور اجتماع مجلس الأمن الدولي.
ومن جهتها، أدانت السفيرة البريطانية للأمم المتحدة في نيويورك، باربرا وودورد، الانقلاب العسكري في السودان، مناشدة إطلاق سراح جميع المعتقلين، بمن فيهم رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك. وعبّرت عن قلق بلادها إزاء الأنباء التي تشير إلى ضرب المتظاهرين، بمن فيهم النساء والفتيات.
وقالت قبل دخولها لحضور الاجتماع: "وضع شعب السودان حياته على المحك من أجل الديمقراطية قبل سنتين، ولا ينبغي له القيام بذلك مجدداً".
وعبّر كل من ممثلي النرويج وإستونيا كذلك عن إدانتهما للانقلاب العسكري، وصرّحت نائبة السفيرة النرويجية، ترين هميرباك، قائلة: "يجب احترام الحق في التجمع السلمي في السودان. وأصدرت النرويج مع الولايات المتحدة وبريطانيا بياناً يؤكد مواصلتنا دعم الديمقراطية وحكومة مدنية".
إلى ذلك، جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس "إدانته بشدة للاستيلاء العسكري على السلطة بالقوة في السودان"، وحثّ جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، مطالباً "بإطلاق سراح رئيس الوزراء والمسؤولين الآخرين الذين اعتُقِلوا بشكل غير قانوني على الفور".
وأضاف غوتيريس: "صحيح أنّ السودان قد حقق إنجازات مهمة، لا يمكن عكسها. وبالتالي، من الضروري إعادة جميع الترتيبات والمؤسسات الانتقالية على النحو المحدد في الوثيقة الدستورية. الشراكة المدنية العسكرية أمر بالغ الأهمية. ويجب إعادة تأسيسها على المستوى الذي قامت عليه"، ثم أضاف: "أعتقد أنّ الشعب السوداني أظهر بوضوح رغبته الشديدة في الإصلاح والديمقراطية".
وجاءت تصريحات غوتيريس خلال مؤتمر صحافي مقتضب عقده الثلاثاء في نيويورك، على هامش فعاليات الجمعية العامة حول المناخ.
ثم تحدث غوتيريس عمّا أسماه "وباء الانقلابات العسكرية" التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة. وعزا ذلك إلى ثلاثة عوامل، قائلاً: "حقيقة وجود انقسامات جيوسياسية قوية، وكون مجلس الأمن يواجه العديد من الصعوبات في اتخاذ تدابير قوية، وتأثير جائحة كورونا والصعوبات التي تواجهها العديد من البلدان من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، هذه العوامل الثلاثة تخلق بيئة يشعر فيها بعض القادة العسكريين بأنه يمكنهم الإفلات التام من العقاب. ويمكنهم فعل ما يشاؤون دون أن يحدث لهم شيء".
ووجه غوتيريس نداءً إلى القوة الكبرى من أجل "توحيد صفوفها في مجلس الأمن والتأكد من وجود ردع فعال في ما يتعلق بوباء الانقلابات"، آسفاً لأنّ "الردع الفعال غير موجود اليوم. لقد رأينا ذلك في ميانمار، وشاهدناه أيضاً في العديد من المناطق الأفريقية".