متعاونو أفغانستان... مصير مجهول

09 يونيو 2021
يخشى المترجمون بشكل خاص على حياتهم (فرانس برس)
+ الخط -

تخرّج الشاب الأفغاني عبد المحسن من كلية هندسة الحاسوب بجامعة كاردان قبل أربع سنوات، طامحاً إلى مواصلة الدراسة وإكمال الماجستير في التخصص نفسه، ولكن حالة أسرته المعيشية حالت دون ذلك، لذا بدأ يبحث عن عمل. وبعد جولة على مؤسسات حكومية أفغانية من أجل الحصول على العمل بلا جدوى، وجد عبد المحسن وظيفة في مؤسسة توفر الوقود للقوات الأميركية، وباشر العمل فيها منذ ثلاث سنوات، مقابل راتب قدره 800 دولار، بما يكفي لاحتياجات منزله لا أكثر ولا أقل، خصوصاً أن والده مصاب بأمراض مزمنة ويحتاج إلى عناية فائقة وأدوية بشكل متواصل.
الآن وبعد أن قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/ أيلول المقبل، أبلغت المؤسسة عبد المحسن وأقرانه، البالغ عددهم أكثر من 20 شخصاً، أن عملهم قد ينتهي آخر شهر يوليو/ تموز المقبل، ما يعني أنه سيبقى بلا عمل. غير أن أكثر ما يشغل باله هو العيش في أفغانستان في ظل الأجواء السائدة، إذ إن جميع أقاربه وأهل قريته في مديرية خوجياني بإقليم ننجرهار الشرقي يعرفون أنه كان يعمل مع الأميركيين وكثير من هؤلاء عناصر في حركة "طالبان"، بالتالي فإن حياته وحياة عائلته باتت في خطر.


أوصى الأميركيون العديد من المتعاملين بالانتظار قبل تقرير مصيرهم

يقول عبد المحسن في حديث "العربي الجديد": "لم أكن أرغب منذ البداية أن أعمل مع القوات الأجنبية، ولكن الحالة المعيشية لأهلي وأسرتي وتراكم الديون علينا، أجبراني على العمل مع القوات الأجنبية لأني كنت أخشى من مثل هذا اليوم. الآن عندما تخرج القوات الأجنبية والأميركية من أفغانستان سنصبح في حالة مأساوية، وسنخسر العمل ونواجه الخطر". ويشير إلى أن "المشكلة الأساسية في أفغانستان أن القتيل لن يعرف بأي ذنب يُقتل، والاغتيالات متواصلة في كابول وفي الأقاليم، فأول من أمس الإثنين، اغتيل ثلاثة أشخاص، اثنان منهما موظفان في الأمن".

ويضيف عبد المحسن أنه إلى جانب جميع العاملين في المؤسسة تحدثوا مع المسؤولين فيها حول مستقبلهم المجهول، وهناك من أقرانه من عمل معهم لثماني سنوات أو أكثر. والمسؤولون الأميركيون أوصوهم بالانتظار حتى يخرج القرار في شأنهم، إنه وجميع أقرانه يرغبون في الخروج من أفغانستان إلى مكان آمن.

وترتفع وتيرة التصعيد بشكل غير مسبوق في أفغانستان على وقع خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، فلا يمر يوم إلا ويسقط فيه عشرات من عناصر الأمن وحركة "طالبان" بين قتيل وجريح. كما أن الحركة توسع رقعة نفوذها بشكل يومي، إذ سيطرت خلال شهر واحد على 20 مديرية في أفغانستان. وكل ذلك يحصل في ظل استمرار عمليات اغتيال العاملين والموظفين في الحكومة وأجهزة الدولة والمؤسسة الأجنبية.

وتنذر الحالة السائدة باندلاع حرب أهلية، بل تزيد من فرص استيلاء "طالبان" على سدة الحكم مرة أخرى، أو سقوط عدد من الأقاليم في قبضتها على أقل تقدير، كما يتوقع مراقبون. وفي ظل هذه الأجواء والتكهنات، يخشى الأفغان عموماً والعاملون مع القوات الأجنبية خصوصاً من مصير قاتم، لا سيما إذا ما دخلت البلاد في أتون حرب أهلية، أو استولت "طالبان" على سدة الحكم مرة أخرى.

وعمل المتعاونون الأفغان مع القوات الأجنبية في مجالات عدة، بما في ذلك سائقين، ومزودي طعام، إلى جانب الترجمة. ويخشى المترجمون بشكل خاص على حياتهم، لا سيما أنهم كانوا يعملون جنباً إلى جنب مع القوات الأجنبية، وعلى تماس مباشر مع الأفغان، سواء عند تنقل القوات الأجنبية بين القرى والبلدات أو خلال حضورهم التحقيقات مع المعتقلين.

وحول هذه المحطات الجديدة، يقول الخبير القانوني عبد الكريم حفيظ، العامل في مؤسسة "روز إيند ستاكس"، المعنية بقضايا العاملين مع القوات الأميركية لـ"العربي الجديد"، إن محسن ليس الوحيد الذي يواجه هذا المصير، بل هناك مئات آخرون. ويؤكد أنه لا يوجد عدد دقيق لكل هؤلاء العاملين على مر السنوات الماضية، ولكن ما هو معلوم هو أنهم جميعاً يواجهون خطر، وأن المشكلة الأساسية أن استقبال قضايا هؤلاء من قبل الجهات الأميركية يأخذ وقتاً طويلاً. ويضيف حفيظ أن قضايا العاملين مع القوات الأميركية تتفاوت من ناحية المدة التي تستغرقها، إذ ثمة قضايا تُقبل في خمسة أشهر، ولكن أخرى تأخذ فترة أطول كخمسة أعوام وما يقاربها. بالتالي، لا يمكن القول إن جميع العاملين مع القوات الأميركية قادرون على الخروج من أفغانستان، ما يجعل حياتهم في خطر.

من جهتها، تحاول "طالبان" تهدئة الوضع، مع دعوتها المتعاملين مع القوات الأميركية والأجنبية إلى البقاء في أفغانستان، وعدم مغادرة البلاد خوفاً من الاستهداف. وذكرت في بيان، أول من أمس الإثنين، أنها لن تتعرض لهؤلاء ولن تستهدفهم، مطالبة إياهم بالعودة إلى العمل إلى الحياة العادية والعمل من أجل خدمة البلاد وفق تخصصاتهم. في الوقت نفسه دعتهم لإبداء الندم على "ما فعلوا" وأن "لا يختاروا في المستقبل طريقاً معادياً للدين والوطن".


تحاول "طالبان" تطمين المتعاملين لكن البعض يشكك في ذلك

تطمينات "طالبان" لا تجد قبولاً لدى المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع الجنرال المتقاعد دولت وزيري، الذي يعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه لا يمكن الاعتماد على هذه التطمينات، وبيان "طالبان" لن يطمئن هؤلاء، لأن الحرب مشتعلة في البلاد. ويشير إلى أنه معروف أن أفغانستان ميدان عراك بين القوى المحلية والدولية، وأن "طالبان" ليست الجهة الوحيدة التي يمكن أن تستهدف هؤلاء المتعاملين، بل هناك تنظيمات هي أكثر تشدداً من الحركة مثل "داعش". وكما تقول الاستخبارات الأفغانية، فإن بعض الاغتيالات ينفّذها التنظيم. ومن هنا يمكن القول إن المترجمين للقوات الأجنبية والعاملين معها هم الشريحة المعرّضة للخطر مقارنة بأي شريحة أخرى.

ويوضح وزيري أن القيادة الميدانية لـ"طالبان" ليست موحّدة، وكثير من الأعمال تُنفّذ في الميدان من دون علم قيادة الحركة، إذ نرى بشكل يومي عمليات اغتيال تنفذها جهات مجهولة ولا تتبناها أي جهة. وهي عمليات إما تقوم بها القيادة الميدانية في الحركة، أو جهات أخرى، ما يشير إلى أنه لا جدوى مما أصدرته الحركة من بيانات تطمينية.


لكن الناشط إنعام الله رحماني يقول لـ"العربي الجديد"، إن مثل هذه البيانات ليست في صالح العاملين مع القوات الأجنبية، لأنها قد تضرّ بقضاياهم في الخارج، وهو يعطي المبرر للقوات الأجنبية أن تترك العاملين معها في أفغانستان. وحول تأثير بيان "طالبان" على ما يوصف بهروب العاملين مع القوات الأجنبية من أفغانستان، يعتبر أن لا تأثير على ذلك، لأن هؤلاء ليسوا وحدهم الذين يغادرون البلاد، بل كل من بوسعه الخروج من التجار والفنانين وغيرهم يهربون من البلاد.

وكانت الحكومة البريطانية قد أعلنت عزمها استقبال 1358 من الأفغان العاملين مع قواتها في أفغانستان، كما يفترض أن يستفيد من هذا البرنامج أكثر من ثلاثة ألاف شخص. ويمكن للعاملين مع القوات البريطانية في فترة ما بين عامي 2006 و2014 أن يستفيدوا من هذا البرنامج، شرط ألا تقلّ مدة عملهم عن 18 شهراً. كما أعلنت الحكومة الألمانية أنها ستُخرج مع قواتها من أفغانستان العاملين معها من الأفغان.

المساهمون