مبعوث أوروبي في سورية... بداية تخلٍ عن شروط التطبيع؟

04 نوفمبر 2024
بيرغر في أنقرة، 21 أغسطس 2019 (رسيت أيدوغان/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعيين مبعوث أوروبي خاص: الاتحاد الأوروبي عيّن كريستيان بيرغر مبعوثاً خاصاً في سورية، مما يثير تساؤلات حول تغيير استراتيجيته تجاه نظام الأسد، رغم تحفظ فرنسا ورفض ألمانيا.

- التحول في الموقف الأوروبي: التحول جاء بدعوة سبع دول بقيادة إيطاليا لدور أوروبي فاعل في سورية، مع مخاوف من موجات هجرة جديدة، وضغوط من دول مثل إيطاليا والنمسا، مع تأكيد الاتحاد على موقفه الموحد.

- التداعيات والمواقف الدولية: تعيين المبعوث قد يشير إلى تطبيع محتمل مع نظام الأسد، وسط انقسام دولي بين بدء حوار سياسي والتمسك برفض التطبيع دون حل سياسي شامل.

عيّن الاتحاد الأوروبي أخيراً مبعوثاً خاصاً في سورية في خطوة طرحت تساؤلات عما بعدها وإمكان اتجاه الاتحاد إلى التخلي عن استراتيجيته في التعامل مع نظام بشار الأسد، القائمة على "لاءات"، أبرزها عدم التطبيع مع هذا النظام، ما لم يتعاطَ بشكل إيجابي مع العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفق القرار الدولي 2254. وبحسب مواقع إعلامية عربية وإيطالية، عيّن مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الدبلوماسي النمساوي كريستيان بيرغر مبعوثاً خاصاً جديداً للاتحاد الأوروبي في سورية. ويبدو أن الجهود التي قادتها في العام الحالي رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أثمرت هذه الخطوة التي لا تجد توافقا لدى كل دول الاتحاد الأوروبي، مع تحفظ فرنسا على هذه الخطوة، ورفض ألمانيا.

التحول الأوروبي تجاه سورية

وبدأ التحول في الموقف الأوروبي حيال نظام الأسد قبل بضعة أشهر، حين دعت سبع دول أوروبية، أبرزها إيطاليا، في رسالة إلى بوريل، إلى دور أوروبي أكثر فاعلية في سورية، يساعد على إعادة عدد من اللاجئين السوريين في بلدان الاتحاد. كما طالبت بالتخلي عن الاستراتيجية الأوروبية المتبعة منذ عام 2017 في التعامل مع نظام الأسد والتي تقوم على "ثلاث لاءات" هي: لا للتطبيع مع دمشق، لا لرفع العقوبات، لا لإعمار سورية ما لم يُحقَّق تقدّم ملموس في العملية السياسية حسب القرار الدولي رقم 2254. ولا يمكن عزل الخطوة الأوروبية الجديدة إزاء النظام السوري عن المخاوف من موجات هجرة شبيهة بتلك التي حدثت في عام 2015، فضلاً عن أن هجرة السوريين إلى دول الاتحاد الأوروبي لم تنقطع أبداً بعد ذاك العام، إذ لا يزال الشباب السوريون يتوافدون إلى دول أوروبية من عدة منافذ دخول غير شرعية، في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية المزرية في كل مناطق النفوذ في سورية. وجاءت خطوة الاتحاد الأوروبي في ظل صعود اليمين في العديد من الدول الأوروبية، ما يعني إجراءات أكثر صرامة للحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا الذين يشكل السوريون نسبة كبيرة منهم.

محمد صبرا: قرار تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي في سورية جاء بضغط من إيطاليا والنمسا

في هذا الصدد، أعلنت الحكومة الهولندية اليمينية الجديدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، قوانين وُصفت بـ"الصارمة" للتعامل مع ملف اللاجئين، مؤكدة أنّ "استمرار تدفق طالبي اللجوء يؤدي إلى مشاكل في مجالات الإسكان العام والرعاية الصحية والتعليم". ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد اللاجئين السوريين في دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العدد ربما وصل في العام الجاري إلى نحو مليوني شخص، أغلبهم يعيش في ألمانيا والسويد وهولندا، وقسم منهم حصل على جنسيات هذه البلدان.
ومن المرجح أن يحاول النظام تجيير الخطوة الأوروبية لصالحه من خلال مواصلة سياسة الابتزاز، للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية في مقابل التعاطي مع ملف اللاجئين. ولطالما زعم النظام أن العقوبات المفروضة عليه تحول دون عودة ملايين اللاجئين إلى بلادهم، ويطالب برفعها عنه، ودعم ما يسمّى مشروعات "التعافي المبكر". وتعليقاً على تعيين الاتحاد الأوروبي مبعوثاً له في سورية، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه الخطوة تأتي في خضم تغييرات في المستويين الإقليمي والدولي حيال الملف السوري"، مضيفاً: "هناك تطبيع عربي مع النظام، وتقارب من الجانب التركي". وتابع: "هناك عوامل مؤثرة هي ما تؤكد أن هذه الخطوة تطبيع أوروبي مع النظام أو خلاف ذلك. المزاج الدولي يتجه للتعامل مع نظام الأسد على أنه أمر واقع ونسيان الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين".


أحمد القربي: اليمين الأوروبي يريد إعادة اللاجئين السوريين

وأعرب القربي عن اعتقاده أن المجتمع الدولي بات ينظر إلى النظام على أنه "جزء من حل وليس مشكلة"، مضيفاً: "صعود اليمين في أوروبا مشكلة، لأنه ينظر إلى بشار الأسد على أنه نموذج يمكن التعامل معه، وأن المعارضة تضم فصائل إرهابية". ورأى أن تعيين مبعوث أوروبي في سورية يمكن أن تكون مقدمة للتطبيع "في حال تجاوب نظام الأسد مع جهود دول أوروبية، وخصوصاً إيطاليا، للتعاطي مع ملف اللاجئين"، مضيفاً: اليمين يريد إعادة العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، وإذا لم يتعاط الأسد بشكل إيجابي مع الاتحاد الأوروبي، فلن تقدم دوله على الانفتاح الكامل مع النظام. ورأى القربي أن موقف المعارضة السورية على هذا الصعيد "غير مؤثر"، مضيفاً: "الوسيلة الوحيدة لمواجهة الخطوة الأوروبية تجاه نظام الأسد تفعيل الملف الحقوقي، خصوصاً أن مذكرات توقيف بحق شخصيات مهمة في نظام الأسد، فضلاً عن التظاهرات الرافضة الخطوة الأوروبية كما حدث أخيراً في هولندا".

قرار تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي

من جهته، قال الحقوقي محمد صبرا، الذي كان كبير مفاوضي المعارضة السورية في مفاوضات جنيف في عام 2017، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قرار تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي في سورية "جاء بضغط من إيطاليا والنمسا بذريعة معالجة أزمة اللاجئين". وتابع: رغم تأكيدات مسؤولي الاتحاد أن الموقف الأوروبي الموحد اتجاه التطبيع مع نظام بشار الأسد لم يتغير، إلا أن القرار بحد ذاته يشكل ثغرة في هذا الموقف. وأشار إلى أن "حكومات اليمين التي تحكم في بعض الدول الأوروبية تحاول الدفع باتجاه أكبر، وهو بدء حوار سياسي مع نظام الأسد"، مضيفاً: "لكن يبدو أن قرار تعيين موفد لشؤون اللاجئين جاء نتيجة تسوية بين مجموعة الدول التي تقودها ايطاليا للبدء بهذا الحوار وبين المجموعة التي لا تزال تتمسك برفض التطبيع مع النظام وبرفض رفع العقوبات حتى إنجاز الحل السياسي". ودعا صبرا السوريين إلى "التحرك باتجاه الضغط على مؤسسات الاتحاد الأوروبي للعمل معاً من أجل حل شامل لأزمة اللجوء منذ عام 2011، وهذا الحل يبدأ بإنجاز الحل السياسي وفق القرار 2254". إلى ذلك، رأى الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تعيين الاتحاد الأوروبي مبعوثاً له في سورية "يعد تحولاً جزئياً في موقفه"، معرباً عن اعتقاده أن النظام سيحاول الاستفادة من هذه الخطوة لـ"إعادة شرعيته".

وكانت دول الاتحاد الأوروبي علقت بدءاً من عام 2011 نشاطها الدبلوماسي في سورية احتجاجاً على العنف الذي اعتمده النظام لقمع الثورة السورية التي بدأت في ربيع ذلك العام، واعتمدت سياسة العقوبات للضغط عليه لتغيير سلوكه. وفرض الاتحاد مع الولايات المتحدة وكندا ودول أخرى، بدءاً من ذلك العام، عقوبات مشددة، تدرجت إلى أن وصلت إلى حد القطيعة والحصار شبه الكامل. ولكن هذه العقوبات لم تدفع النظام أو تجبره على تغيير سلوكه، بل عمل على التحايل عليها بشتى الطرق، ما أدى إلى تأثر المدنيين بهذه العقوبات. وكان تدفق اللاجئين جزءاً من رد النظام على العقوبات الأوروبية، إذ عمل على دفع السوريين إلى الهجرة من خلال ارتكاب المجازر، بأسلحة تقليدية وأخرى محرمة دولياً، فضلاً عن تدهور الاقتصاد، وانعدام الآمال بحلول سياسية للقضية السورية بسبب رفض النظام تطبيق القرارات الدولية.