تدفع قوى سياسية عراقية عديدة إلى إجراء انتخابات مبكرة، كحل لإنهاء الأزمة الحالية، ومنع تطور الخلافات بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وقوى "الإطار التنسيقي" الذي يجمع حلفاء إيران، إلى صدام في الشارع، خصوصاً بعد استنجاد "الإطار" بأنصاره في الشارع أول من أمس الاثنين، إذ لم يكن يفصل بين الطرفين سوى شارع واحد في بغداد، فيما يتحرك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لعقد اجتماع يضم الأطراف كافة لوضع حل للأزمة الحالية، التي انعكست على الشارع العراقي.
وبلغت حدّة التصعيد بين معسكري الصراع في العراق، ذروتها أول من أمس الإثنين، خلال تظاهرات شعبية من قبل الطرفين في بغداد، رافقتها إجراءات واستنفار أمني غير مسبوق، خشية وقوع صدامات بين أنصار الجانبين، قبل أن يطلب "الإطار التنسيقي" من أنصاره الانسحاب، على الرغم من نصبهم خياماً واسعة أمام المدخل المؤدي للمنطقة الخضراء.
أنصار الصدر يخلون البرلمان
وعقب ذلك شهدت العاصمة هدوءاً نسبياً، استمر حتى أمس الثلاثاء، وسط استمرار تدفق أنصار الصدر إلى داخل المنطقة الخضراء وإصدار تعليمات لهم من قبل قيادة التيار بإخلاء مبنى البرلمان والبقاء في محيطه، ولا سيما بعد تسجيل حريق في إحدى قاعاته أمس.
وقال المقرب من زعيم التيار، والذي يعرف بـ"وزير الصدر"، صالح محمد العراقي، في بيان له أمس، إنه "بعد تحرير مجلس النواب وتحوّله إلى مجلس للشعب بفضل الله وجهود الثوار، تقرر إخلاء مبنى البرلمان، وتحوّل الاعتصام أمام وحول المبنى، خلال مدة أقصاها 72 ساعة من تاريخ هذا المنشور".
مقرب من الصدر: ديمومة الاعتصام مهمة جداً لتحقيق المطالب
وأضاف "إن كانت هناك أماكن أخرى ينبغي الاعتصام أمامها، فستأتيكم التعليمات تبعاً"، مشدداً على أن "ديمومة الاعتصام مهمة جداً لتتحقق مطالبكم التي سنوافيكم بها لاحقا، لذا يجب تنظيم الاعتصام على شكل وجبات مع بقاء زخم الأعداد في أوقات محدّدة".
وتابع أنه ستتم "إقامة صلاة الجمعة الموحدة لصلوات جُمع بغداد وبابل والكوت وكربلاء والنجف في ساحة الاحتفالات في نهاية هذا الأسبوع"، معلناً "أننا في طور تشكيل لجنة من قبل المحتجين لإدارة الاحتجاجات وتنظيمها والاهتمام بكل ما يلزم".
وحتى بعد ظهر أمس الثلاثاء، كان مئات المعتصمين لا يزالون متجمعين داخل مبنى البرلمان العراقي، وخارجه.
ونصبت خيم في حدائق البرلمان، بالإضافة إلى مواكب عاشورائية تقليدية تقوم بتقديم الطعام والشراب، وفق وكالة "فرانس برس".
أمنياً، أعلنت قيادة عمليات بغداد، فتح جسر الجمهورية والباب الشرقي وسط العاصمة المؤدي إلى المنطقة الخضراء بشكل كامل، والذي جرى إغلاقه أول من أمس الإثنين قبل خروج تظاهرة أنصار "الإطار التنسيقي".
وقالت القيادة في بيان، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، "وجّه بالفتح الكامل للجسر الجمهوري والباب الشرقي والمنطقة الخضراء من جهة بوابة وزارة التخطيط خلال الساعات المقبلة".
في هذه الأثناء، قالت مصادر سياسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "حل البرلمان والتوجه إلى اتفاق على موعد لانتخابات جديدة، باتا خياراً مطروحاً بقوة خلال الساعات الماضية بما فيها من أطراف في الإطار التنسيقي، كحل للخروج من الأزمة الحالية بتسوية لا غالب ولا مغلوب وتجنب صدام في الشارع".
ووفقاً للمصادر نفسها، وأحدها عضو في البرلمان عن تحالف "الفتح"، فإن الاجتماع الأخير لقوى "الإطار التنسيقي"، طرح هذا الحل بقوة، خصوصاً من قبل حيدر العبادي وعمار الحكيم وفالح الفياض.
وأكد النائب نفسه أن "التيار الصدري والسنّة والأكراد لا يعارضون الخيار، لكن الحديث الآن حول من يدير العملية الانتخابية، ومع وجود إصرار من قبل الإطار التنسيقي على إجراء تعديلات في قانون الانتخابات الحالي وإدارة مفوضية الانتخابات الحالية".
وبيّنت المصادر أن الكاظمي "يُجري حراكاً واتصالات غير معلنة مع الأطراف السياسية كافة، بما في ذلك التيار الصدري، بهدف رعايته اجتماعاً سياسياً يجمع كل الأطراف السياسية، حتى يكون هناك اتفاق على المرحلة المقبلة وإنهاء عملية التصعيد في الشارع العراقي، وطرح ومناقشة إجراء الانتخابات المبكرة بشكل رسمي ما بين القوى السياسية".
ومما تسرب عن مبادرة الكاظمي، أنها تنص على تأليف لجنة تضم ممثلين عن جميع الكتل السياسية لطرح خريطة طريق للحل بعد إجرائها حواراً وطنياً.
وأكدت أن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لا يزال يرفض فتح أي حوار مع الإطار التنسيقي على الرغم من كل الوساطات السياسية، والعمل مستمر لإقناع الصدر لفتح باب الحوار من جديد مع الإطار التنسيقي، مع دفع الجميع نحو الانتخابات المبكرة لمنع تطور الخلاف السياسي إلى صدام مسلح ما بين جمهور الصدر وحلفاء إيران في العراق".
ودعا الكاظمي، أول من أمس، الأطراف السياسية إلى التهدئة والتوجه نحو حوار وطني لوضع خريطة طريق لحلّ أزمة التصعيد التي يشهدها العراق. ودعوة الكاظمي للحوار هي الثانية له خلال 48 ساعة، في موازاة دعوات مماثلة أطلقت من داخل قيادات في "الإطار التنسيقي" وأطراف سياسية أخرى، في محاولة لخفض التصعيد بين "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي".
وأعرب زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، المنضوي في "الإطار التنسيقي"، عن "تأييده" مبادرة الكاظمي، "لا سيما ما يتعلق بجلوس فرقاء وشركاء المشهد العراقي على طاولة حوار تتبنى مبادرة وطنية شاملة تفضي لإنهاء الانسداد السياسي في البلاد".
كما أبدى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، أمس الثلاثاء، تأييده دعوة الكاظمي لجلوس جميع الأطراف السياسية على طاولة الحوار، لافتاً إلى إمكانية تنظيم "انتخابات نيابية ومحلية" مبكرة.
وقال الحلبوسي في تغريدة "نؤيد مبادرة رئيس مجلس الوزراء لإيجاد صيغة حل بشأن الأحداث التي تشهدها البلاد، وأهمية جلوس الجميع إلى طاولة الحوار، والمضي بخطوات عملية، لحل الأزمة الراهنة، وصولاً إلى انتخابات نيابية ومحلية وفق توقيتات زمنية محددة".
من جهته، قال السياسي المقرب من التيار الصدري، فتاح الشيخ، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الكل أصبح يدرك حالياً أن لا حل للأزمة السياسية الحالية إلا من خلال حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة، لكن هذه الانتخابات تكون وفق شروط تختلف عن الانتخابات السابقة".
وبيّن الشيخ أن "الانتخابات المبكرة الجديدة، يجب أن تكون في أجواء خالية من السلاح المنفلت ومن المال السياسي ومن مشاركة الفاسدين، ويكون فيها تشديد لتطبيق كامل فقرات قانون الأحزاب، وهذا ما سيعمل عليه التيار الصدري، بعد التوجه لهذا الخيار".
وأضاف "واهم من يعتقد أنه من الممكن أن يجعل التيار الصدري خارج المعادلة السياسية، التيار بقوته الشعبية سيفرض ما يريده والكل سيكون مطبّق لشروط الصدريين، والاعتراض حالياً من قبل الإطار هو لكسب الوقت والحفاظ على صورة قيادات الإطار أمام جمهوره".
من جهته، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" فاضل موّات، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الذهاب نحو الانتخابات المبكرة، ربما يكون حلاً للأزمة السياسية الحالية، لكن هذه العملية الانتخابية لا يمكن أن تجرى في ظل حكومة تصريف الأعمال، خصوصاً أن هذه الحكومة أدارت عملية انتخابية سابقة عليها الكثير من الملاحظات والشبهات".
مقرب من الصدر: ديمومة الاعتصام مهمة جداً لتحقيق المطالب
وبيّن موّات أن "إجراء أي انتخابات برلمانية يتطلب موافقة جميع الكتل السياسية، وليس فرض هذا الأمر من قبل جهة معنية، كما أن هذه العملية تحتاج إلى تعديل في قانون الانتخابات من قبل مجلس النواب الحالي، خصوصاً أن هناك تعديلات ملزمة للبرلمان أوصت بها المحكمة الاتحادية العليا".
وأضاف أن "قوى الإطار التنسيقي والأطراف السياسية كافة تعمل على عقد حوار موسع وشامل لكل الأطراف السياسية لحل الأزمة الحالية وفق الحوار والتفاوض والاتفاق على المرحلة المقبلة، ومنع تطور الخلافات إلى صراع وصدام في الشارع العراقي، خصوصاً أن هناك أطرافاً خارجية تعمل وتسعى لذلك، ولهذا على الأطراف كافة الحذر".
استخدام الشارع أمر خطر جداً
إلى ذلك، قال المحلل السياسي علي البيدر، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "استخدام الشارع في الصراع السياسي أمر خطر جداً، وهذا قد يدفع إلى تطور الصراع إلى الصدام والاشتباك المسلح، خصوصاً أن طرفي النزاع لديهم أجنحة مسلحة ولها تواجد بكافة المحافظات العراقية".
وبيّن البيدر أن "الذهاب نحو الانتخابات المبكرة أصبح أمراً لا بد منه لإنهاء الخلاف والصراع الحالي، لكن هذا لا يعني إنهاء كل الأزمة، فهي ربما تتعمق وتزيد ما بعد الانتخابات البرلمانية الجديدة، فهذا الأمر وارد جداً، خصوصاً إذا عملت الأطراف نفسها على منع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تشكيل حكومة الأغلبية التي يريدها".
ولفت إلى أن مساعي حل الأزمة التي يقودها حالياً الكاظمي، "سوف تدفع القوى السياسية للاتفاق على إجراء انتخابات مبكرة جديدة في العراق، لكن هذا الأمر سيخلق خلافاً جديداً بشأن أي حكومة ستدير هذه العملية. فالتيار سيبقى مصرّاً على بقاء الكاظمي، والإطار يريد إجراء هذه العملية وفق حكومة مؤقتة، ولهذا لا حل قريباً للأزمة، والتصعيد متوقع بأي لحظة".