مباحثات فيينا النووية اليوم: صراع الخطتين الإيرانية والأميركية

06 ابريل 2021
تتمسك إيران بمطلب رفع العقوبات الأميركية أولاً (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من أن اجتماع يوم الجمعة الماضي لأطراف الاتفاق النووي المتمثلة بمجموعة "4+1" (الصين وفرنسا وروسيا وألمانيا وبريطانيا) من جهة وإيران من جهة ثانية، وهو الثاني من نوعه بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، قد شكل المؤشر الأبرز على كسر الجمود لو جزئياً في هذا الملف، خصوصاً مع الاتفاق على عقد محادثات في فيينا اليوم الثلاثاء، بحضور أميركي ومن دون أي محادثات مباشرة بين الوفدين الإيراني والأميركي، إلا أن تطورات الساعات الماضية قللت من التفاؤل بخصوصه
وتعززت هذه الأجواء، بعدما مهدت طهران، ضمنياً أمس الإثنين، لفشل المحادثات في فيينا اليوم عبر تقليلها من أهميتها وتمسكها بشرطها رفع العقوبات الأميركية أولاً. وتقرر خلال اجتماع يوم الجمعة الماضي، والذي عقد افتراضياً، استكمال المباحثات النووية، اليوم الثلاثاء، "حضورياً" في فيينا، بمشاركة الطرف الأهم في الأزمة، أي الولايات المتحدة الأميركية، وذلك للمرة الأولى منذ انسحابها من الاتفاق عام 2018. لكن بعد رفض الجانب الإيراني "القاطع"، فلن تشارك واشنطن في مباحثات فيينا في إطار شامل يجمع جميع أطراف الاتفاق النووي بما فيها طهران، بل ستُجرى هذه المباحثات في مسارين، عسى أن يلتقيا في نهاية المطاف ليشكلا مساراً واحداً. ومن المقرر أن تجري أطراف الاتفاق النووي مباحثات بشكل منفصل، مع الوفد الأميركي برئاسة المبعوث للشأن الإيراني روبرت مالي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير الخارجية عباس عراقجي.

نائب إيراني: نحن أقوى بعد التوقيع على وثيقة التعاون مع الصين

وحاول المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، أمس الإثنين، التقليل من أهمية اجتماع فيينا اليوم، مؤكداً أنه لا يختلف عن الاجتماعات السابقة. وقال، في مؤتمر صحافي، إن الإجتماع الدوري للجنة "4+1" وإيران "كان من المقرر أن ينعقد خلال مارس/آذار الماضي لكنه انعقد الجمعة الماضي بشكل افتراضي، ويتواصل في فيينا الثلاثاء لاستكمال المباحثات". وأكد أن بلاده "لن تجري أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع أميركا في فيينا أو أي مكان آخر"، مشيراً إلى أن جدول أعمال هذه المباحثات "هو رفع العقوبات الأميركية الظالمة على إيران، وكيفية تنفيذ التعهدات بالاتفاق النووي من قبل الأطراف الأخرى" موضحاً أن "المباحثات فنية وحقوقية". وأضاف: "غداً (اليوم) سيتضح أن مجموعة 4+1 يمكنها تأمين منافعنا من الاتفاق أم لا"، لافتاً إلى أن طهران ترحب "إذا أرادت أميركا تصحيح مسارها الخاطئ"، مع التأكيد على ضرورة رفع جميع العقوبات والتحقق من رفعها قبل عودة إيران إلى تعهداتها النووية.
وفي حين أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس، أن بلاده تتوقع انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بعد لقاء فيينا، مشيراً إلى احترام موسكو لقرار طهران عدم إجراء مفاوضات مباشرة مع الجانب الأميركي، نقلت مواقع إخبارية روسية عن مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، قوله إن موسكو مستعدة للمساعدة في تسهيل اتصالات غير مباشرة بين الجانبين عند الضرورة.

في موازاة ذلك، تبدو الأجواء في الولايات المتحدة أقل تفاؤلاً. وفيما كتب المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي، في تغريدة يوم الجمعة الأولى عقب الاجتماع الافتراضي الذي انعقد أن "هذه خطوة أولى"، مشيراً إلى أن "المباحثات الصعبة أمامنا، لكننا على الطريق الصحيح"، ذكرت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" أمس الإثنين أن الرئيس الأميركي جو بايدن يواجه معضلة بشأن الملف النووي الإيراني، مشيرة إلى أن بوسعه أن يتباطأ، ويخاطر باندلاع حرب وانهيار المحادثات، أو يتحرك بسرعة، حتى لو كان ذلك يعني صفقة معيبة ربما تضر جدول أعماله داخلياً. وذكرت الصحيفة أن بعض المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" يعتبرون أن حدة التوترات مرتفعة لدرجة أنه لا يمكن لبايدن تأخير عملية التوصل إلى اتفاق أكثر. وقال مسؤولون عسكريون أميركيون للصحيفة إنه بدون اتفاق يقيد البرنامج النووي الإيراني، يصبح الخيار مراقبة إيران تقترب أكثر من صنع قنبلة نووية، أو الذهاب إلى الحرب لوقفها.
ويقول عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، فدا حسين مالكي إنه "غير متفائل كثيراً"، مؤكداً أنه "لم تعد هناك فرصة لألاعيب جديدة". ويضيف مالكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الإيراني يرحب بعودة الإدارة الأميركية إلى الاتفاق النووي، وأن هذه العودة لا تحتاج إلى التفاوض أو أن تكون وفق مبدأ "خطوة خطوة"، وهو مبدأ أكدت السلطات الإيرانية رفضها له عدة مرات خلال الأيام الأخيرة.
الرفض الإيراني لهذا المبدأ يعود إلى مخاوف من خسارة الأوراق من دون الحصول على شيء، إذ يقول مالكي إن "إيران لو دخلت هذا المسار لن تربح ولن تحصل على أي شيء". ويضيف "لم يعد هناك أي شيء فيما يتعلق بالاتفاق النووي لنتفاوض عليه"، مشيراً إلى أن "الملف قد أغلق" عام 2015، مؤكداً أن الموقف الإيراني هو "رفع جميع العقوبات والتحقق منه قبل العودة إلى التعهدات النووية".

روبرت مالي: المباحثات الصعبة أمامنا، لكننا على الطريق الصحيح
 

ويرى مالكي، وهو دبلوماسي سابق أيضاً، أن "الجانب الأميركي يسعى للحصول على تنازلات من إيران لاستهلاكها داخلياً لتبرير عودته إلى الاتفاق النووي"، مستبعداً مرونة إيرانية خلال مباحثات فيينا أو أي مباحثات تليها لاحقاً، فيما يتعلق بشرط "رفع العقوبات بالكامل ومرة واحدة، والتحقق منه عملياً". وفي السياق، يعتبر مالكي أن "لا شيء في الجعبة الأميركية، وهي أصبحت فارغة، لكن جعبتنا ممتلئة" في إشارة إلى "أوراق القوة" التي يقول إن طهران تمتلكها في المباحثات، وعازياً إليها زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، نهاية فبراير/شباط الماضي، عشية تعليق إيران البروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة على برنامجها النووي، الذي تعهدت به "طوعاً" بالاتفاق، قبل وقف العمل به اعتباراً من 23 فبراير الماضي.
كما يرى النائب الإيراني المحافظ، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "إيران اليوم في وضع أقوى" بعد التوقيع على وثيقة "التعاون الشامل" بين طهران وبكين من قبل وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارته العاصمة الإيرانية نهاية الشهر الماضي. ويربط مالكي التحركات الدبلوماسية الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي واجتماع الجمعة الماضي، واجتماع اليوم، بـ"القلق" الأميركي والأوروبي من توسيع العلاقات الإيرانية الصينية، مشيراً إلى أن تلك التحركات مدفوعة بهذه المخاوف.
في غضون ذلك، يرى مراقبون أن نجاح إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية، وبيعها كميات كبيرة من النفط إلى الصين خلال الشهور الأخيرة، وفق بيانات شركات تتبع مسارات ناقلات النفط، هو الذي دفعها إلى تشديد موقفها ووضع شروط. وهذا ما يؤكده أيضاً مالكي، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن "هذا النجاح لا شك عزز موقف طهران". 
صراع خطتين
وتشارك إيران والولايات المتحدة في مباحثات فيينا "بمشروعين مختلفين"، حسب الخبير الإيراني البارز هادي خسروشاهين. ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن واشنطن تتحرك "وفق مبدأ خطوة بخطوة، والتكتيك التفاوضي الأكثر مقابل الأكثر" لكن "طهران تطالب بعودة متزامنة للطرفين في خطوة واحدة". ويعتبر خسروشاهين أن ذلك "دليل على ظهور مرونة في مواقف الطرفين"، غير أنه يؤكد، في الوقت ذاته، أن "اختلاف الخطط هذا يُظهر أن الثقة بالبعض لا تزال مفقودة أيضاً"، مشيراً إلى مخاوف إيرانية من أنه "إذا ما قبلت بمبدأ الخطوة بالخطوة تفقد أهم أوراق الضغط التفاوضية، وهو تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة وتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة".

خسروشاهين: اختلاف الخطط الأميركية والإيرانية يُظهر أن الثقة بالبعض لا تزال مفقودة

وبالتالي، فطهران قلقة من أنه في حال قبولها بالتخلي عن هذه الأنشطة النووية راهناً، ستفقد أوراقها الضاغطة مستقبلاً، إذا طرح الطرف الآخر مطالب أكثر لتعديل الاتفاق النووي والدور الإقليمي والبرنامج الصاروخي في إطار الخطوات اللاحقة، حسب خسروشاهين. وفي المقابل، يؤكد أن الولايات المتحدة أيضاً تراودها مخاوف من أنها في حال عملت وفق مبدأ "الخطوة الواحدة"، الذي تطالب به طهران ورفعت العقوبات مرة واحدة بالكامل، أن تفقد قدرتها على المناورة في المفاوضات المستقبلية، و"تفشل مسبقاً في الحصول على ضمانات لازمة من إيران للبدء في مباحثات لتعديل الاتفاق النووي والسياسات الإقليمية بعد إحياء الاتفاق". وعليه، "فالخلافات السياسية قائمة، والطرفان لم يدخلا بعد المسار الفني، لكن الرغبة لإحياء الاتفاق النووي دفعتهما إلى تراجع محدود"، كما يقول خسروشاهين، مؤكداً أن "المفاوضات ستكون صعبة وطويلة".
ويشير إلى عوامل يمكن أن تضع عراقيل في دواليب المفاوضات مثل "انعدام الثقة بين طهران وواشنطن والضغوط السياسية الداخلية في الولايات المتحدة واحتدام التنافس السياسي في إيران على أعتاب الانتخابات الرئاسية" المزمع أن تجرى في 18 يونيو/حزيران المقبل، ليؤكد خسروشاهين أن هذه العقبات "من شأنها أن تُدخل المباحثات في مأزق". غير أنه يرى أن الأطراف الوسطية يمكنها تقريب وجهات نظر الطرفين إلى "نقطة تعادل للضغط على إيران للقبول بمشروع الخطوة بخطوة، والضغط على أميركا للقبول بخطوات (إيرانية) أصغر وأكثر إطمئناناً، بدلاً من تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة وحظر تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة". فهذا الحل الوسط، وفق خسروشاهين، "يجنّب الطرفين التخلي عن أدواتهما الضاغطة بالكامل، والتخلي عنهما بشكل جزئي قبل بناء الثقة"، مضيفاً أنه "في الخطوة الثانية يمكن أن يسهل الإعلان السياسي للرئيس الأميركي جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي الأمور ويعيد الثقة المتبادلة، لكي تتخذ الخطوات اللاحقة بشكل أسرع".