تحوّلت التسريبات الإعلامية في إيران، منذ مساء الخميس الماضي، عن مضمون بعض ما تم التوصل إليه في المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، إلى لغز يثير تساؤلات ملحة بشأن توقيت التسريبات، والهدف من نشرها.
ووصلت المفاوضات النووية إلى محطتها الأخيرة، وينتظر الجانب الإيراني الرد الأميركي على تحفظاته التي قدمها الإثنين الماضي على النص "النهائي" الذي عرضه الاتحاد الأوروبي على الطرفين قبل نحو أسبوعين.
وانتشرت على شبكات تواصل اجتماعي إيرانية، منذ مساء الخميس الماضي، تسريبات بشأن نص الاتفاق المحتمل بالمفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الدولية، زادت مع صباح أمس الجمعة، بعد أن كشف موقع "إصلاحات برس" الإصلاحي عن المزيد من التفاصيل، قائلا إن هذه المعلومات، تفوه بها كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني في اجتماع خاص.
كما زعمت قناة "إيران إنترنشنال" الناطقة بالفارسية ومقرها لندن، والمتهمة إيرانيا بأنها ممولة من السعودية، أنها حصلت على تسجيل صوتي لكبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني في "الاجتماع الخاص" يشرح فيه ما حصلت عليه إيران من "امتيازات".
وذكرت القناة أنها حصلت على هذه المعلومات، الخميس الماضي، مشيرة إلى أنها تتناول "الامتيازات" التي قدمتها الولايات المتحدة لإيران، وأن المعلومات المسربة وُزعت بين المحافظين المقربين من الحكومة الإيرانية المحافظة.
وتعاملت وكالات الأنباء والمواقع الإيرانية المهمة، الرسمية وشبه الرسمية أو حتى غير الرسمية، بحذر شديد مع هذه التسريبات، وعلى الرغم من أنها بالتفاصيل التي نشرت، كانت متوفرة بالكامل صباح الجمعة على مواقع إيرانية غير معروفة وحسابات افتراضية، لكن بعضها فضلت عدم تناولها، وأخرى تناولتها.
ومن اللافت أيضا أن هذه التسريبات، سواء تلك التي سُربت عبر مواقع وحسابات افتراضية إيرانية أو تلك التي نشرتها قناة "إيران إنترنشنال"، تشمل فقط الامتيازات والمزايا التي تمكن الوفد الإيراني حسب هذه التسريبات من انتزاعها من الولايات المتحدة الأميركية ولا تشمل التنازلات التي قدمتها إيران.
واليوم السبت، بعد انتهاء عطلة الجمعة، اكتفت صحف إيرانية، بنشر جانب من تلك التسريبات، من دون تعليقات عليها، وصحف أخرى تجاهلتها، لكن صحيفة "كيهان" المعروفة بمعارضتها للاتفاق النووي، نشرت جزءا من المعلومات المسربة على صفحتها الرئيسة تحت عنوان ملفت للنظر (البيت الأبيض: أهداف إسرائيل وأميركا من الاتفاق النووي سواسية)، وهو عنوان يناغم توجهات الصحيفة المعارضة للاتفاق النووي والمفاوضات الرامية إلى إحيائه.
كما أنه مع مرور يومين تقريبا على التسريبات، وعلى خلاف العادة، لم يصدر أي تعليق، سلبا أو إيجابا، أو أي نفي رسمي أو شبه رسمي من السلطات الإيرانية، بينما في حالات مشابهة، كانت تنشر وكالات أنباء رسمية وشبه رسمية، تعليقات نقلا عن مصادر إيرانية مسؤولة أو مطلعة، بالنفي أو التأكيد أو التوضيح.
وفي الوهلة الأولى، قد يكون الهدف من هذه التسريبات، هو تحضير وتسويق إيراني للاتفاق بين التيار المحافظ المهيمن على السلطات الثلاث في البلاد وسط معارضة وانتقادات أوساط محافظة متنفذة لمخرجات المفاوضات، وما يرجح هذه الفرضية أن المسرب حتى اللحظة يشمل فقط التنازلات التي حصلت عليها إيران من الولايات المتحدة لتسويقها لإقناع تلك الأوساط المعارضة للاتفاق.
معركة إعلامية
وفي السياق، في معرض رده على سؤال لـ"العربي الجديد" بشأن أهداف هذه التسريبات، يرى الخبير الإيراني هادي خسرو شاهين أن إيران والولايات المتحدة الأميركية "على ما يبدو دخلتا معركة مبكرة في مجال الدبلوماسية العامة"، مضيفا أنه "بالنظر إلى الحساسات الداخلية تجاه إحياء الاتفاق النووي في كل من طهران وواشنطن، فكل طرف يسعى إلى تسويق أنه هو الرابح وحصل على امتيازات أكثر".
ويؤكد خسرو شاهين لـ"العربي الجديد" أنه "في هذه المعركة الإعلامية يحظى إقناع الرأي العام لدى اللاعبين الاثنين بأهمية كبيرة، لكن بسبب الاختلاف في طبيعة الأنظمة السياسية في طهران وواشنطن فيبدو أن إمكانية تحصيل الإجماع على مستوى الهياكل السياسية والرأي العام متاحة في إيران أكثر من الولايات المتحدة".
وعليه، يشير إلى تصريحات وانتقادات حادة للرئيس الأميركي جو بايدن من قبل مشرعين أميركيين، واتهامهم له بالخضوع لما يعتبرونه ابتزاز إيران، مضيفا أنه "في إيران لا توجد مثل هذه الهجمات غير المسبوقة التي يتعرض لها الرئيس الأميركي".
ويضيف الخبير الإيراني خسرو شاهين أن "نجاح إيران في هذا المجال (تسويق الاتفاق) في الدبلوماسية العامة والحرب الإعلامية ملحوظ".
أهم التسريبات:
أهم ما ذكره موقع "إصلاحات برس" الإيراني، صباح الجمعة، ومواقع وحسابات افتراضية إيرانية أخرى، هو كالتالي:
ـ في يوم اجتماع وزراء خارجية أطراف الاتفاق النووي للتوقيع عليه، سيتم تعليق ثلاثة أوامر تنفيذية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وسيتم إلغاء العقوبات عن 17 بنكا ومؤسسات اقتصادية إيرانية فرضت عليها العقوبات بأوامر ترامب التنفيذية بعد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي في العام 2018.
ـ التحقق من رفع تلك العقوبات سيستغرق ستين يوما، لافتا إلى أنه بعد ستين يوما من التوقيع على الاتفاق ستقوم برلمانات الدول الأعضاء بالمطلوب منها لإقرار الاتفاق.
ـ بعد أربعة أشهر من إبرام الاتفاق، سيبدأ تنفيذه بالكامل، على أساس أن "تكون جميع الأطراف قد نفذت جميع تعهداتها" بعد 45 يوما من بدء تنفيذ الاتفاق النووي.
ـ ستبيع إيران خلال فترة أربعة أشهر بعد إبرام الاتفاق وقبل بدء تنفيذه بالكامل 50 مليون برميل نفط وخلال هذه الفترة سترفع أيضا العقوبات عن 150 مؤسسة اقتصادية إيرانية منها "لجنة الإمام الخميني" التابعة لمؤسسة القيادة الإيرانية، علما بأن اللجنة مؤسسة اقتصادية عملاقة.
ـ خلال هذه الفترة سيتم الإفراج عن 7 مليارات دولار إيرانية مجمدة لدى كوريا الجنوبية، كما أن الجانبين الإيراني والأميركي سينفذان صفقة تبادل السجناء بعد إبرام الاتفاق.
أهم تسريبات قناة "إيران إنترنشنال":
1ـ سيبحث موضوع رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية للولايات المتحدة الأميركية في مفاوضات أخرى بعد إحياء الاتفاق النووي.
2ـ الولايات المتحدة الأميركية تضمن ألا تؤثر عقوباتها على الحرس على بقية الأقسام والشركات، أي أنها لن تفرض عقوبات على شركة بسبب التجارة مع الحرس.
3ـ ستكون كمية اليورانيوم المستورد من روسيا إلى إيران ضعف كمية الكعكة الصفراء الإيرانية المصدرة إلى الخارج.
4ـ يؤكد كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني أنه لقاء إلغاء الأوامر التنفيذية لترامب لم يقدم أي تنازل.
5ـ نص الاتفاق يسمح لإيران بالتخلي عن تعهداتها في حال نقضت الأطراف الأخرى الاتفاق مرة أخرى.
6ـ ينص الاتفاق على "تعهد حازم" من الرئيس الأميركي (ليس المقصود هو بايدن وحده) لاحترام الاتفاق النووي ما دامت إيران تلتزم به.
7ـ آلية "فض النزاع" لن تفعّل إلا على أساس تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية وإذا أرادت دولة تفعيل الآلية بشكل أحادي، فإن بقية الأطراف لن تتعاون معها وستعوض عن خسائر تلحق بالجانب الإيراني.
ومن شأن تفعيل الآلية، أن يعيد الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن ويحيي 6 قرارات أممية سابقة صدرت ضد إيران، وأُلغيت بموجب القرار الـ2231 الصادر بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015. وبعد إحياء هذه القرارات، سيعاد تلقائيا فرض العقوبات الأممية على إيران.
8ـ أميركا تضمن نشاط جميع الشركات حتى نهاية عهد بايدن وسيتم إعفاء هذه الشركات من العقوبات الأميركية حتى عامين ونصف عام بعد الانسحاب الأميركي المحتمل لاحقا.
9ـ يُتوقع أن يعلن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاحقا بعد تقرير إيجابي للمدير العام للوكالة رافائيل غروسي انتهاء التحقيقات بشأن المواقع الإيرانية الثلاثة المشتبهة بممارسة أنشطة نووية غير معلنة.
10- يقول باقري كني في التسجيل إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قبلا في مفاوضات الدوحة أن ملف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، له صلة بالمفاوضات النووية، مضيفا أن منسق المفاوضات إنريكي مورا أبلغه بأن المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف أعلن معارضة روسيا لطلب إيران بإغلاق التحقيقات، لكن باقري كني يؤكد أن مورا "يكذب لأن أوليانوف دائما دعم المطلب الإيراني".
11ـ إيران بعد الإفراج عن سبعة مليارات دولار من أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية، ستفرج عن جميع السجناء الأميركيين مزدوجي الجنسية.
كما يؤكد باقري كني، حسب التسجيل الصوتي أن بلاده رفضت المطالب الأميركية التالية بالمفاوضات:
ـ إقحام البرنامج الصاروخي والقضايا الإقليمية بالمفاوضات.
ـ الطرف الآخر كان يطالب إيران بتدمير أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طراز IR6، وهي 100 جهاز، لكن في نهاية المطاف وافقوا على احتفاظ إيران بهذه الأجهزة في مخزن تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.