أثارت الاستقالة المفاجئة للمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، أمس الثلاثاء، الكثير من التساؤلات حول أسبابها وتأثيرها على مسار العملية الانتخابية التي تمثل الأمم المتحدة جزءاً كبيراً وهاماً في تسييرها.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، تقديم كوبيتش استقالته من منصبه للأمين العام، مشيراً إلى أن الأخير يعمل على إيجاد بديل مناسب، وقال "ندرك تماماً موعد الانتخابات ونعمل بأسرع صورة ممكنة لضمان استمرارية القيادة".
واستدرك دوغاريك، في مؤتمر صحافي، بالقول إن كوبيتش "لن يترك مقعده ولن يترك البعثة مغلقة"، مشيراً إلى أنه سيقدم إحاطته "أمام مجلس الأمن" اليوم الأربعاء.
وأُعلن كوبيش مبعوثاً أممياً إلى ليبيا، في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، وتسلم مهامه رسمياً مطلع فبراير/شباط الماضي، خلفاً للدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز، نائبة رئيس البعثة والتي أدارت البعثة بالتكليف بعد استقالة المبعوث السابق غسان سلامة.
وتختلف تقديرات المتابعين والمراقبين للشأن الليبي لأسباب استقالة كوبيتش، وتأثيراتها على مسار العملية الانتخابية، إذ يرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب أن كوبيتش تسلم الملف الليبي في وقت حرج وحساس.
وبخلاف ما قد يرى بعض المتابعين أن الفترة التي تسلم فيها كوبيتش ولايته كانت البلاد تتجه في طريق الاستقرار بعد تمكن ملتقى الحوار السياسي من إنجاز خارطة طريق وسلطة تنفيذية موحدة، إلا أن ذويب يراها مرحلة أكثر صعوبة كما أثبت الواقع خلال الأشهر الماضية.
ويشير ذويب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الصعوبات التي واجهت كوبيتش تمثلت في عدم قدرته على توجيه الأوضاع وفق للبوصلة خارطة الطريق نحو المراحل المحددة للوصول إلى مرحلة الانتخابات بسبب تمرس قادة الأطراف الليبية على التعامل بمرونة مع أي اتفاق محلي أو دولي واستثماره لمصالحهم.
وتمثلت أولى محطات عمل كوبيتش في استمرار إشرافه على أعمال ملتقى الحوار السياسي، التي كانت مهمته في تلك الآونة إنجاز قاعدة دستورية للانتخابات بعد أن توافق على انتخاب أول سلطة تنفيذية موحدة، ودعا أعضاء الملتقى للقاء أكثر من مرة.
كما تجاوب كوبيتش مع أغلب العراقيل داخل الملتقى من خلال إنشاء لجنة انبثقت عن لجنة أخرى عُرفت بلجنة التوافقات داخل الملتقى لتجسير هوة الخلافات حول مقترحات القاعدة الدستورية، قبل أن يُعلن فشل الملتقى في مهمته بعد خمسة أيام من آخر لقاء للملتقي في جنيف بين 28 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز الماضيين، وهو الإعلان الذي مثل مؤشرات على بداية ارتباك عمل كوبيتش، بحسب رأي ذويب.
واعتبر ذويب أن "الخطأ الذي مهد لفشل كوبيتش والاستقالة هو تفريغ ملتقى الحوار السياسي من قوته وإرجاع مهمة إنجاز الإطار الدستوري للانتخابات إلى الأطراف المختلفة وعلى رأسها مجلسا النواب والدولة"، مشيراً إلى أن سبب نجاح وليامز في إحداث أكبر اختراق في جدار الأزمة الليبية هو انتزاع القرار من يد المجلسين ونقله إلى ملتقى الحوار السياسي إذ حولته إلى يد ضاربة في وجه قادة المجلسين.
ويلفت ذويب إلى أن كوبيتش نقل مهمة إنجاز الإطار الدستوري إلى مجلس النواب ثم اضطر للتراجع على خلفية احتجاج المجلس الأعلى للدولة عن حقه في إعداد الإطار الدستوري وطالب مجلس النواب بضرورة إشراك المجلس الأعلى للدولة، لكن دون أن يستطيع إجبار مجلس النواب على قبول ذلك.
ضغوط المتنافسين الخارجيين في الملف الليبي
لم يتمكن كوبيتش من مواجهة الضغوط الخارجية والاختلافات الداخلية بشأن المسار الدستوري، بحسب ذويب، خصوصا بعد أن فرض مجلس النواب قوانين انتخابية أصدرها بشكل أحادي في مسار العملية الانتخابية.
وقال "باعتقادي أن الأمر لا يتعلق باحتجاجات الرافضين لتفرد مجلس النواب بإصدار قانون الانتخابات بقدر ما يتعلق بغياب أي إطار دستوري للانتخابات، ويبدو أن كوبيتش لا يوافق على النتائج الكارثية التي ستصل إليها البلاد في ظل غياب قاعدة دستورية".
وقد تبدو تلك الأسباب مقبولة خصوصاً وأنها تستند إلى واقع ومراحل ثابتة، لكن البعثة الأممية التي تمثل إرادارة المجتمع الدولي للملف الليبي لا يمكن القول بأنها بعيدة عن تأثير المتنافسين الخارجيين في الملف الليبي، خصوصا مع الانخراط الأميركي الكبير مؤخرا لصالح سياساتها المنزعجة من التوغل الروسي العسكري في ليبيا، مضافاً إليها التوتر والخلافات بين تركيا ودول أوروبية على خلفية الوجود التركي في ليبيا والمرتبط باتفاق بحري ليبي تركي ترى أطراف إقليمية أنه يمس مصالحها في البحر المتوسط.
ويرى الباحث الليبي في الشأن الدولي مصطفى البرق أن واشنطن تحاول فرض رؤيتها بشأن حل الأزمة الليبية.
ويشرح البرق مضمون الرؤية الأميركية بأنها تهدف إلى توجيه مسار الأزمة الليبية لإنتاج سلطة جديدة تكون مهمتها الأولى التعامل مع ملف التدخل الخارجي، معتبراً أن هذا الاتجاه جعل الجانب الروسي في المقابل يفكر في الانخراط بشكل أكبر لإفشال العملية الانتخابية للحيلولة دون الوصول إلى النتائج المرجوة في ملف التدخل العسكري الخارجي.
الظهور المفاجئ للقذافي
يرى البرق أن روسيا هي من تقف وراء الظهور المفاجئ لسيف الإسلام القذافي، مؤكداً أن واشنطن أدركت أن روسيا لن تغادر وأن بمقدورها التحالف مع شخصيات ليبية جديدة مثل سيف الإسلام وغيره بعد أن فقدت المناورة من خلال خليفة حفتر وحروبه الفاشلة.
وأوضح أن ارتفاع مستوى الاستقطاب في الملف الليبي كان من الأسباب المباشرة لاستقالة كوبيتش، معبرا في ذات الوقت عن مخاوفه من عدم قدرة الأمم المتحدة على تعيين مبعوث جديد بسبب حدة الاستقطابات الدولية في الملف الليبي.
وتداولت وسائل إعلام ليبية أنباء عن إمكانية عودة وليامز لرئاسة البعثة بسبب النجاحات التي حققها في السابق، لكن البرق لا يرجح ذلك، وقال "لن تقبل موسكو تولي أي شخصية أميركية او غير أميركية تحمل مشروع الرؤية الأميركية".
ويرجح البرق أن تكون واشنطن هي من دفعت كوبيتش إلى الاستقالة بسبب ضعفه عن مواصلة ما حققه وليامز، وقال "إن كان الأمر كذلك فواشنطن تفكر في الدفع بشخصية مقربة من سياستها، وهو ما سترفضه موسكو"، معتبرا بأنه نذير بدخول الملف الليبي إلى حالة متقدمة من التنافس الأميركي الروسي.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، شهدت أروقة الأمم المتحدة خلافات حادة حول مقترح دفعت به لندن، ودعمتها واشنطن، بشأن إحداث تغيير في هيكل البعثة الأممية، يتبنى فصل صلاحيات المبعوث الخاص للأمم العام للأمم المتحدة عن رئيس البعثة، لكن موسكو عارضته بشدة وهددت بحقها في استخدام الفيتو، ويرجح البرق أن تكون استقالة كوبيتش أحد تجليات الخلافات الدائرة حول مهام البعثة.