بدأت اليوم، الاثنين، الجولة الخامسة من جولات التفاوض حول مشروع الدستور بين المعارضة السورية والنظام في مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، حيث من المفترض أن يبدأ الجانبان في مقاربة المبادئ الدستورية، في خطوة واسعة باتجاه صياغة دستور جديد للبلاد، يأمل المجتمع الدولي أن يكون بوابة واسعة لحلّ سياسي للقضية السورية.
وقال الرئيس المشارك للجنة الدستورية هادي البحرة، عن المعارضة السورية، إنّ اللجنة الموسّعة لجهة هيئة التفاوض السورية خرجت "بأوراق متكاملة وبعدد من الاقتراحات تم التوافق على معظمها".
وفي تصريحات له، نُشرت على معرّفات اللجنة الدستورية على مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم، أشار البحرة إلى أنّ "المبادئ الأساسية التي سيتم نقاشها، وهي بمثابة هيكل عام للدستور تبنى عليها باقي فصوله، هي حقوق المواطنة المتساوية، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، فضلاً عن اللاجئين والنازحين السوريين"، وفق البحرة.
وتضم اللجنة الدستورية ممثلين عن المعارضة السورية والنظام، إضافة إلى ممثلين من المجتمع الدولي من كلا الجانبين. وتتألف اللجنة الدستورية لسورية من هيئة موسعة (هدفها إقرار الدستور) من 150 عضواً، ثلثهم من النظام وثلثهم الآخر من المعارضة، والثلث الأخير من المثقفين ومندوبي منظمات من المجتمع المدني السوري، اختارتهم الأمم المتحدة من الطرفين (النظام والمعارضة). وانبثقت من الهيئة الموسعة لجنة مصغرة (هدفها صياغة الدستور) من 45 عضواً بواقع 15 عن كل مجموعة، تتخذ قراراتها بموافقة 75% من أعضائها، وبرئاسة مشتركة من النظام والمعارضة.
وطيلة 4 جولات عقدت، لم يستطع الجانبان التوصل إلى نتائج يمكن البناء عليها لكتابة دستور للبلاد، حيث رفض وفد النظام الدخول بنقاش حول المبادئ الدستورية، محاولاً حرف اللجنة عن مسارها، من خلال الإصرار على الاتفاق على ما يسمّيه بـ"المبادئ الوطنية"، في سعي واضح لإضاعة الوقت وصولاً إلى منتصف العام، حيث ينوي النظام تنظيم انتخابات رئاسية وفق دستور عام 2012 لضمان بقاء بشار الأسد في السلطة لسبع سنوات مقبلة، وهو ما ترفضه المعارضة السورية بالمطلق.
وأوضح سليمان القرفان، وهو نقيب المحامين الأحرار في محافظة درعا وعضو اللجنة الدستورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أهم المبادئ الدستورية المتوافق عليها من قبل المعارضة السورية "التداول السلمي للسلطة، وفصل السلطات بشكل حقيقي"، مضيفاً أنه لا يمكن الحديث عن فصل سلطات بظل تخويل الدستور للرئيس سلطة التشريع وسنّ المراسيم والقوانين بعيداً عن السلطة التشريعية.
وأشار إلى أنه من ضمن المبادئ "إصلاح السلطة القضائية، المحكمة الدستورية، واللامركزية، والعدالة الانتقالية، والتي تهدف إلى الاعتراف بما اقتُرف من انتهاكات لحقوق الإنسان ودمج معاناة الضحايا ضمن الذاكرة الوطنية".
كما تهدف العدالة الانتقالية إلى "تحقيق المصالحة بين المواطنين ومؤسساتهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، وترسيخ ثقافة المسؤولية الجنائية لدى الدولة ومؤسساتها، وتحديد المسؤوليات، والتأكد من عدم تكرار الانتهاكات، وجبر الضرر، وإعادة الثقة للضحايا في الدولة والمجتمع وفي قدرتهما على حمايتهم، والعمل على تعويض كل السوريين، وخصوصاً ذوي المعتقلين والمهجرين قسراً والمغيبين والمخفيين".
وبيّن أنه من ضمن المبادئ "إعلاء مبدأ المواطنة وحظر التمييز، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، وتحترم التعددية، وتكفل الحرية والعدل والمساواة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة". ومن جملة المبادئ "السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، يمارسها من خلال الانتخابات النزيهة، تحت الإشراف القضائي، ووفقاً لنظام انتخابي يضمن عدالة التمثيل للمواطنين دون أي تمييز أو إقصاء"، وفق القرفان.
وأضاف: "النظام السياسي للدولة جمهوري ديمقراطي يقوم على التوازن بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، وتعدد الأحزاب السياسية وإنشائها بالإخطار، شريطة ألا تكون عضويتها على أساس ديني أو جغرافي أو عرقي أو طائفي أو فئوي أو أي مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الإعلان".
كما تؤكد المبادئ الدستورية أنّ "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، والكرامة الإنسانية حق أصيل لكل إنسان، وحظر التمييز، وتكفل الدولة حرية العقيدة، وتضمن حرية ممارسة العبادات والشعائر الدينية، وتحمي دور العبادة"، إضافة إلى أن "حرية التعبير مصانة في الدستور السوري، كما يحق للمرأة منح جنسيتها لأبنائها"، وفق القرفان.
وفي السياق ذاته، يوضح محمد خالد الشاكر، وهو معارض سوري وأستاذ في القانون الدولي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتفاق على المبادئ العامة "يشكل الخطوة الأولى من مراحل بناء الدستور، سواء مناقشته أو إصلاحه أو كتابته"، مضيفاً: "وكل ما عدا ذلك هو ابتعاد عن الأساس القانوني لعمل اللجنة الدستورية".
ومضى بالقول: "تشكل المبادئ العامة الفيصل بين أطراف التسوية السياسية، والاتفاق على المبادئ العامة لدستور جديد يتضمن القواعد التي يتأسس عليها بناء دولة طبيعية، وبالتالي كتابة أو إصلاح أو مناقشة الدستور، بما يضمن الوصول إلى سلام مستدام، يحول دون وقوع الأجيال القادمة في هزة عنيفة أخرى".
وبيّن الشاكر أن "فكرة المبادئ العامة للدستور تبدأ من إقرار الحقوق الطبيعية، وهي التي يتضمنها الدستور وتعطى للفرد كونه إنساناً وتولد معه، كتلك المتعلقة بحق الحياة، والحق في الحرية، وحق المساواة، وحق الكرامة، وحق التملك، والحق في الإجراءات القانونية المنصفة وغير ذلك".
وبحسب الشاكر "تضمن المبادئ العامة فكرة الحقوق الطبيعية، كحقوق ما فوق العقد الاجتماعي وما قبل الدولة، وغير منشأة من قبل السلطة، وبالتالي لا يحق لأي سلطة المسّ بها أو حرمان الفرد منها، كونها غير ممنوحة من السلطة وقبل السلطة ذاتها".
وأوضح أن الحقوق الطبيعية "ترتبط بفكرة الحق الدستوري المكتسب، أي عدم خضوعها لخاصية التغيير لأنها تتعلق بحقوق الإنسان"، مضيفاً: "وبالتالي فواجب الدولة أن تحترمها وتحميها كشرط للديمقراطية". وتابع بالقول: "الحقوق الطبيعية هي المبادئ فوق الدستورية، التي يخلط الكثيرون بينها وبين المبادئ العامة الأساسية التي يتضمنها متن الدستور، وتكون قابلة للتصرف والتبديل، ومرهونة بتغير وتبدل النظام العام والفلسفة السياسية في الدولة".
من جانبه، أشار رئيس "تجمع المحامين الأحرار السوريين" غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المبادئ الدستورية "تتضمن وحدة الجغرافيا السورية، ومبدأ فصل السلطات، وهو من المبادئ المهمة، وخصوصاً أن الدستور الذي وضعه النظام في عام 2012 لا يتضمن هذا المبدأ الذي يُعدّ أساسياً لتعزيز التحول الديمقراطي"، وفق قرنفل.
إلى ذلك، من المرجح أن تنشأ خلافات بين وفدي المعارضة والنظام حول هذه المبادئ التي تشكل الأساس الذي يُبنى عليه الدستور، وخصوصاً أن النظام لا يزال يصرّ على أن مهمة اللجنة "تعديل بعض المواد في دستور عام 2012 وليس كتابة دستور جديد"، بينما تصرّ المعارضة على نسف دستور النظام الذي ترى أنه فُصّل على مقاس بشار الأسد، ومنح منصب الرئيس صلاحيات مطلقة.