أثار رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة السودانية، العقيد إبراهيم الحوري، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، بعد مقال تحدّث فيه عن "ساعة صفر" جديدة لقرارات قادمة.
وقال الحوري، في مقاله المنشور بصحيفة "الجيش السوداني"، أمس الثلاثاء، تحت عنوان "ساعة صفر"، إن للجيش "ساعة صفر" يحتفظ معها بالقرارات التي تلبّي أشواق وطموحات السودانيين نحو حكومة وطنية بفترة انتقالية، تمهد لانتخابات يقول فيها الشعب كلمته، مؤكداً أن ساعة الصفر تلك هي ميقات زماني قادم لا محالة إذا كان منهج القوى السياسية ما زال محفوفاً بـ"سلوك الغبينة"، و"دس المحافير" والتطاول على القوات المسلحة، ونسيان وتناسي هموم المواطن، وتأجيج الفتن لتأليب الرأي العام على ثوابت البلاد ومقدراتها.
وأضاف، في مقال حاز رواجاً وصدى، أن "ساعة الصفر" هي قرارات لا تنقصها الجرأة أو الحكمة المعمول بها في منهج الجيش الذي ما زال ينتظر أن تعود الأحزاب إلى رشدها، وتعلن توحّدها وتقدم ما هو ملموس وعملي في مستقبل حكم السودان.
وحذر الحوري من انتقاد الجيش والتآمر عليه في اجتماعات الغرف المظلمة، مع من أسماهم "عملاء السفارات"، الذي رآه اتجاهاً مرصوداً بالأدلة والبراهين الساطعة، ومخططاً مكشوفاً لدى الأجهزة الأمنية، مشيراً إلى أنه عندما اكتملت أركان حلقة التآمر، قبل "قرارات أكتوبر التصحيحية" (الانقلاب)، أخرج الجيش القرارات الجراحية واستعمل طبيبه المشرط واستأصل الدمامل، بحسب تعبيره.
وطالب الحوري، القوى المدنية، بتوحيد صفها، وذهب إلى أن لها مطلق الحرية في تكوين حكومتها، "أما إذا لم تواكب ضخامة المسؤولية وحساسية المرحلة وتصلح من شأنها وتتستر على فشلها بدعاوى هيكلة القوات المسلحة، وغيرها من القضايا التي تحاول من خلالها وضع العراقيل أمام حكومة وطنية؛ فإن الجيش عندها، وباعتباره الشريك الأساسي في الثورة والتغيير مع شعبه لن ينتظر أحزابا لا يجمعها التوافق على حد أدنى من برنامج وطني متفق عليه من صفوفها".
يقول الخبير العسكري المقدم متقاعد عمر أرباب، إن مقال رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة لا يُقرأ بمعزل عن الخطابات الانقلابية الأخرى، من تهديد بالحرب والحرب الأهلية، وجميعها توضح حجم الورطة التي وجد فيها الانقلابيون أنفسهم، مشيراً إلى أن الحديث عن "ساعة صفر" جديدة، كما جاء في المقال، يمثل نوعاً من التهديد بانقلاب جديد، وهو تخبط لازَم الانقلاب من يومه الأول لانعدام الرؤية، وظهر ذلك في عجزه عن تشكيل حكومة، وإكمال هياكل السلطة الانتقالية، وفشله في الحصول على أي اعتراف دولي.
وأوضح أرباب لـ"العربي الجديد"، أن الانقلابيين ظنوا أنها أيام معدودات ويتناسى الداخل والخارج أمر الانقلاب، فيبسطون سيطرتهم على السلطة، لكن مناهضة الانقلاب لا تزال حية في الشارع السوداني، وبالأمس القريب خرجت التظاهرات بالقرب من القصر الرئاسي، مؤكداً على أن الانقلاب وبمثل تلك المقالات فقد البوصلة كلياً ويريد الخروج من ورطته بإجراءات جديدة أو عبر المبادرات الوطنية.
ودعا أرباب، جميع قوى الثورة، إلى عدم التركيز على تلك الخطابات التي تعكس الحالة النفسية التي وصل إليها الانقلابيون أكثر من كونها حلاً لأزمة أدخلوا البلاد فيها.
ويقول شهاب إبراهيم، الناطق الرسمي باسم "قوى إعلان الحرية والتغيير"، إن مقال الحوري يؤشر إلى رغبة عبد الفتاح البرهان وأعوانه للتحشيد لصالح الجيش في مواجهته مع قوات الدعم السريع، وربما لخلق أزمة مع المدنيين لإلهاء الرأي العام عن مواجهة مرتقبة بين الطرفين.
وتوقّع إبراهيم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن يتحول الهجوم الإعلامي إلى واقع عملي بمطاردة قادة الأحزاب، والتضييق على الحريات العامة، والمضي في تعديل الانقلاب بطريقة جديدة بعد أن فشلت الطرق الأخرى، بما فيها خلق مبادرات وهمية لصالح الانقلاب، منوها إلى أن الحرية والتغيير لن تنجرّ لمعركة مع المؤسسة العسكرية، لكنها لن تتراجع عن مطالبها وخططها لإنهاء الانقلاب العسكري وعودة العسكر إلى ثكناتهم.
واستبعد إبراهيم قدرة الانقلاب على تشكيل حكومة في الوقت الراهن أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، لأنه بتقديره "لو كانت له القدرة على ذلك لفعلها منذ 4 يوليو/تموز الماضي، تاريخ إعلان انسحاب المؤسسة العسكرية من السياسة"، مؤكداً أن الواجب على القوى السياسية كافة، التي عناها المقال، هو تفويت الفرصة على أعوان البرهان بعد الدخول في مواجهة مع المؤسسة العسكرية كمؤسسة، وإدارة المعركة مباشرة مع الانقلابين وحدهم، والتنبه لخطورة تعدد الجيوش في البلاد.
الصحافي علي ميرغني رأى أن صحيفة القوات المسلحة تعبّر عن لسان حال الجيش، وهي الناطق الرسمي باسمه، وعندما يكتب رئيس تحريرها، فهذا يعني أنه تلقّى توجيهات بالكتابة، مشيراً إلى أن المقال من وجهة نظره يحمل عدة رسائل للخارج والداخل، وحمل محاولة جس نبض للخارج توطئة لتحرك غالباً سيقوم به الجيش قريباً جداً، والراجح هو تشكيل حكومة مدنية بدون انتظار القوى السياسية، مع منح الحكومة سلطات محددة لتسيير البلاد، لحين تنظيم انتخابات يتوقع لها أن تكون خلال 12 شهراً.
وأضاف ميرغني لـ"العربي الجديد"، أن الرسائل الموجهة للداخل عبر المقال، منها ما هو موجه للحركات المسلحة، وربما بالدرجة الأولى لحركة العدل والمساواة، ممثلة في رئيسها جبريل إبراهيم وزير المالية، لأن المقال أورد عبارة "تناسي هموم المواطن"، وهى عبارة تعني إبراهيم بالدرجة الأولى، بل إنه متهم عند الجميع، مواطنين وجيش وقوى سياسية، بتسخير موارد البلاد لاتفاق السلام، أو لمصلحة الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق. ورأى أن المقال ربما يحمل لفت نظر لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، عقب قبوله مشروع الدستور المقترح من بعض المحامين السودانيين.
ويبين ميرغني، أن ضعف القوى السياسية وحادثة باشدار، وهى الحادثة التي تم فيها تفريق موكب خاص بقوى إعلان الحرية والتغيير في الخرطوم، ربما منحت المكون العسكري تطمينات بأن خلافات القوى السياسية كبيرة، يضاف إليها تراخي المليونيات الأخيرة، منوها إلى أن المكون العسكري يسابق الزمن قبل الذكرى الأولى لـ25 أكتوبر، تاريخ وقوع انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للقيام ببعض الإجراءات.