- مانويل فالس يقارن بين الحرب على غزة وحرب التحالف الدولي على داعش، محاولاً تبرير الأعمال الإسرائيلية وتحميل فرنسا مسؤولية أعمالها في العراق، مما يثير جدلاً واسعاً واستهجاناً.
- الجدل يكشف عن تنافس سياسي حول الدفاع عن إسرائيل وتشكيل تحالف ضد حماس، مع تظاهرات دعماً لغزة من اليسار الراديكالي واتهامات لميلانشون وحزبه بمعاداة السامية، فيما يستنكر النشطاء تصريحات فالس.
لا جدال في فرنسا حول حجم الانقسام السياسي الذي تُحدثه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك وسط موجة متفاقمة من "رهاب الإسلام"، وربط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية. وإذ وثّق نواب وسياسيون يساريون تعرضهم لتهديدات عدة فقط لدفاعهم عن الفلسطينيين، لم يجد رئيس الحكومة الأسبق، مانويل فالس، الذي شغل هذا المنصب لعامين (2014 – 2016) في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند، حرجاً، أخيراً، في مقارنة حرب الإبادة الجماعية التي تنفذّها إسرائيل في القطاع، بحرب التحالف الدولي على تنظيم داعش في العراق، التي راح ضحيتها أيضاً عدد كبير من المدنيين العراقيين.
وأقحم فالس، الحامل للجنسيتين الفرنسية والإسبانية، والمعروف بفشله السياسي وبدعمه المطلق لإسرائيل، في حديث السبت الماضي، لإذاعة "راديو جي" (إذاعة محلية في باريس تعنى بالمجتمع اليهودي)، فرنسا في حرج جديد في موازاة محاكمة ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تسهيل الإبادة في غزة. حاول فالس تشبيه حركة حماس في غزة بـ"داعش"، في تواطؤ مع التضليل السياسي والعسكري والإعلامي الذي بنت عليه إسرائيل سرديتها لعدوانها في القطاع، فجرّ فرنسا إلى مستنقع اتهامها بارتكاب حرب إبادة في مدينة الموصل العراقية، كجزء من التحالف الدولي، حيث قال إن قوات بلاده "قتلت آلاف المدنيين" في الموصل للقضاء على "داعش".
والجدل الذي أثاره فالس ليس بعيداً عن تصريحات سياسيين فرنسيين على ضفتي اليمين واليمين المتطرف، ومن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، النهضة، الذين يتنافسون للدفاع عن إسرائيل. وكان ماكرون سبّاقاً منذ بداية الحرب، لاقتراح تشكيل تحالف دولي ضد حركة حماس، على غرار التحالف الدولي ضد داعش قبل أن تتلاشى هذه الفكرة التي لم تجد قبولاً حتى بين أقرب حلفائه. وتجري هنا عملية شيطنة ممنهجة، استعرت مع حرب غزة، على حزب اليسار الراديكالي "فرنسا غير الخاضعة"، وزعيمه جان لوك ميلانشون، الذي ينظّم تظاهرات ضخمة في باريس، دعماً لغزة، ويندّد بحملة التخويف التي تشّن ضد داعمي فلسطين، ورشّح فرنسية من أصول فلسطينية، هي ريما حسن، للانتخابات الأوروبية المقرّرة الصيف المقبل.
فالس: فرنسا قتلت المئات بل الآلاف في الموصل بعد عام 2015، "لكي تحمي نفسها من داعش"
وأغمض فالس، السبت الماضي، عينيه عن كل الحقائق التاريخية التي تخصّ القضية الفلسطينية، والتي تتعامل باريس معها رسمياً، من بوابة أهمية تطبيق الحلّ العادل للصراع، والتنديد ببناء المستوطنات، ولو أنها تذهب بعيداً كغيرها من الدول الغربية الكبرى في دعم إسرائيل والتغطية على جرائمها. ولكن لتبرير جرائم إسرائيل في غزة، ذهب فالس أبعد من ذلك، مقرّاً بأن فرنسا نفسها "قتلت المئات بل الآلاف في الموصل" بعد عام 2015، "لكي تحمي نفسها من داعش".
وقال فالس: "كان هناك مئات، بل آلاف القتلى المدنيين، الذين استخدمهم داعش في الموصل دروعاً بشرية، بسبب الضربات التي نفذّتها القوات العراقية وقوات التحالف الدولي التي شاركنا فيها كفرنسيين"، وأضاف أن "هدف تخليص الموصل من داعش نجح" (مع قتل الملايين من المدنيين). ورأى أن "أهداف حماس لا تقارن بأي شكل من الأشكال مع حق الدفاع عن النفس الشرعي لدولة ديمقراطية لا تتحمل أن تكون هناك منظمة إرهابية سوف تستعيد (الإرهاب) كلّما سنحت لها الفرصة"، مشدّداً على أن فرنسا "مسؤولة بشكل كامل عن أعمالها في العراق"، وأنها "تحملت مسؤولياتها لحماية نفسها".
مانويل فالس يثأر من ميلانشون
وعندما سأله المذيع (حازيزا فريديريك) حول رأيه في تصريحات شخصيات من حزب ميلانشون (فرنسا غير الخاضعة)، التي وصفها في تصاعد مستمر لناحية "معاداة السامية" (وسأل ما إذا كانت تهدّد اليهود في فرنسا، وقد تصل إلى حدّ تسليح المعادين للسامية)، أجاب فالس الذي كان انضم إلى فريق هولاند قبل أكثر من عقد عن الحزب الاشتراكي (ثم انتقل لحزب ماكرون): "من الطبيعي أن الكلمة السياسية عليها الكثير من المسؤوليات، بإمكانها إحداث كارثة... هناك موجة حراك لليسار المتطرف وجماعة الـ(ووك woke وهي التسمية اليمينية لحركات الوعي المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والعدالة، خصوصاً في الجامعات، وهو مصطلح أول من تبناه اليمين في الولايات المتحدة) نراها تتطور في الجامعات، عندما الطلاب اليهود خصوصاً في تولوز، لم يعودوا يستطيعون أن يرتادوا الجامعة، حيث يكتب على لافتات ممنوع على الصهيونيين، وأنا أقول إنهم يستخدمون كلمة الصهيونية، ولكن هي الأمر ذاته، أنا كنت من الأوائل الذين قالوا إن معاداة الصهيونية هي ذاتها معاداة السامية". ورأى أن ميلانشون "أصبح معاديا للسامية، بسبب خطابه المعادي لإسرائيل".
وشبّه فالس وضع ميلانشون، بالسياسي البريطاني جورج غالاوي، الداعم للفلسطينيين، والذي فاز في انتخابات فرعية للبرلمان في منطقة روتشديل هذا العام. وقال فالس حول ذلك: "النائب غالاوي الذي انتخب قبل أسابيع في مانشستر، والذي كنّا نسمّيه قبل 20 عاماً نائب بغداد سيتي، ويستخدم الكراهية ضد إسرائيل للحصول على أصوات المجتمع الأنغلو باكستاني، إنه نموذج حزب فرنسا غير الخاضعة".
ويستكمل فالس، بتصريحه الإذاعي الأخير، خطاباً اعتمده منذ العدوان على غزة، علماً أنه زار الأراضي المحتلة للتضامن مع دولة الاحتلال. ويقوم هذا الخطاب، بالنسبة لفالس، وللكثير من أمثاله من السياسيين والمنظّرين اليمينيين في فرنسا، على فكرة "صراع الحضارات" وأن إسرائيل هي دولة "مزدهرة ديمقراطياً في قلب الشرق الأوسط العربي". وكان فالس قد ألقى كلمة في مارس/آذار الماضي، في باريس، رأى فيها أن إسرائيل "تقاتل في غزة ليس فقط للدفاع عن نفسها، ولكن لحماية القيم والأمن لحضارة تحت الحصار من قبل جماعة من الجبناء والإلغائيين".
جيرم غليزيس: فرنسا أصبحت متواطئة في جرائم حرب في العراق؟ هل يدرك السيد فالس ما يترتب على أقواله؟
وبينما واجهت كلام فالس السبت حملة استهجان على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى من غير المبالين بغزة، بل رفضاً لإقحام فرنسا بقضية "إبادة"، إلا أنه حظي مثلاً بإشادة قوية من المتطرفين إلى اليمين، ومن بينهم النائب اليهودي في البرلمان الفرنسي، ماير حبيب، الذي يمثل حزب اتحاد الديمقراطيين والمستقلين، المتحالف مع ماكرون، وينوب عن الدائرة الثامنة الانتخابية للفرنسيين في الخارج (تشمل الأراضي المحتلة). وماير صديق مقرب من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويقود حملة مستعرة في فرنسا لتشويه يسار ميلانشون والخضر والشيوعيين، وكل الناشطين المتضامنين مع الفلسطينيين في فرنسا. في المقابل، وفي تعليق له على تصريح فالس، استهجن الناشط عن "الخضر"، أحد أعضاء المجلس البلدي لباريس، جيرم غليزيس، في منشور على "إكس"، كيف أن "فرنسا أصبحت متواطئة في جرائم حرب في العراق؟ هل يدرك السيد فالس ما يترتب على أقواله"؟
يذكر أن فالس، معروف بفشله السياسي، وهو خسر عام 2022، ترشحه في الانتخابات التشريعية الفرنسية عن دائرة في الخارج (تشمل إسبانيا)، التي فاز بها أحد مرشحي ميلانشون. وذكّر موقع "كونتر أتاك" الفرنسي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كيف زرع فالس شجرة زيتون في إيفري دعماً لغزة عام 2008 وأعلن رفضه الاستيطان، وذلك حين كان عمدة (عن الحزب الاشتراكي) لهذه المنطقة الفرنسية.