ماكرون وتبون يوقعان السبت اتفاق "شراكة متجددة" في العاصمة الجزائرية

27 اغسطس 2022
تبون وماكرون خلال لقائهما الخميس (Getty)
+ الخط -

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، أنه سيوقع، السبت، مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون اتفاق "شراكة متجددة" لم يكن في برنامج الزيارة لإعطاء دفعة للعلاقات وتجاوز الفتور الذي شهدته في الأشهر الأخيرة.

وقال ماكرون، في كلمة ألقاها أمام حشد من الجالية الفرنسية في العاصمة: "سأعود بعد وهران إلى الجزائر العاصمة لأحيي الرئيس تبون ووزراءه والتوقيع على إعلان مشترك تقرر ليل أمس (الخميس) لأن الأمور تسير على ما يرام في ظل حماسة اللحظة".

وتحدثت الرئاسة الفرنسية عن الاتفاق الذي يؤمل أن يرسي "شراكة متجددة وملموسة وطموحة".

وأضاف ماكرون أن مع الجزائر "قصة لم تكن قطّ بسيطة، لكنها قصة احترام وصداقة ونريدها أن تبقى كذلك، وأجرؤ على القول إنها قصة حبّ"، على حد تعبيره.

وأكد أنه سيعمل على "شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم" تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع اجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنوياً إلى 38 ألفاً.

وأكد الرئيس الفرنسي أنه يريد "إرساء مشاريع تعاون في كل المجالات" الاقتصادية والفنية خصوصاً السينمائية.

كما شدد على دفاعه عن فكرة تسهيل حصول بعض الفئات من الجزائريين على تأشيرات فرنسية من أجل المساهمة في ظهور "جيل فرنسي جزائري جديد في الاقتصاد والفنون وغيرها".

كما دعا ماكرون إثر لقائه رواد أعمال جزائريين شباباً إلى "هيكلة المشاريع الابتكارية"، وسيكون لبنك الاستثمار العام (بي بي آي فرانس) "دور رئيسي في تعزيز مشاريع الجالية".

وأشار إلى أن الجالية الجزائرية التي يتحدث أفرادها غالباً الفرنسية والعربية والإنكليزية ولغات أخرى، وكذلك الشباب من ضفتي المتوسط يمثلون "فرصة" للبلدين.

وينصّ جدول زيارة ماكرون على أنه سيتوجه مساء الجمعة إلى وهران غرب الجزائر، حيث يلتقي شباباً فنانين ورياضيين وراقصين، كما سيزور متجر شركة إنتاج موسيقى الراي الشهيرة "ديسكو مغرب" الذي عاد إلى دائرة الضوء بعد إبرازه في فيديو أغنية المطرب الفرنسي الجزائري الشهير دي جي سنايك.

وتحدث ماكرون وتبون لساعات، الخميس، على انفراد وبصحبة وزراء من البلدين بينهم وزيرا الدفاع.

وامتدت النقاشات حتى وقت متأخر من الليل حول مسألة التأشيرات بحسب ماكرون، وذلك بعد أن قررت فرنسا في خريف 2021 خفضها إلى النصف بالنسبة للجزائر التي اعتُبرت غير متعاونة في إعادة قبول مواطنيها المُرحّلين من فرنسا.

كما ادعى الرئيس الفرنسي أن بلاده تتعرض لحملة "تشويه" تقودها شبكات تركية وصينية وروسية، بسبب تركها الساحة في أفريقيا.

وأضاف، في تصريحات للصحافيين خلال زيارة مقبرة "سانت أوجين" بمدينة بولوغين شمالي الجزائر، أن فرنسا مستهدفة من قبل ناشطي "الإسلام السياسي"، متهماً إياهم بأنهم يمارسون وينشرون "سياسة معاداة فرنسا"، وفق تعبيره.

كما اتهم تركيا وروسيا والصين بأن لديها "أجندات استعمارية جديدة وإمبريالية في القارة السمراء، وإيواء هذه الدول لشبكات لمعادات فرنسا في أفريقيا".

وعند إرساء المصالحة بينهما الخميس، أعلن ماكرون وتبون تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين "للنظر معاً في هذه الفترة التاريخية" من بداية الاستعمار (1830) وحتى نهاية حرب الاستقلال (1962)، "بدون محظورات". لكن ماكرون استبعد تقديم أي اعتذار كما تطالب الجزائر.

وقال ماكرون "في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيراً ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم" مؤكداً " أنا أريد الحقيقة والاعتراف وإلا لن نمضي قدماً أبداً". وأضاف أنّ "إجراء مباراة ودية في كرة القدم من شأنه ان يسمح بتجاوز الماضي".

هل ينجح ماكرون في ترميم العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر؟

في سياق متصل، اعتبر المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا، الجمعة، أن مصالحة الذاكرة بين فرنسا والجزائر "تتطلب وقتاً" وتمر أيضاً عبر "إبلاغ" الأجيال الشابة بتاريخ الاستعمار الفرنسي.

وقال ستورا، الذي وضع بتكليف من الرئاسة الفرنسية تقريراً عن ذاكرة الاستعمار والحرب سلّمه في مطلع 2021، إنّ "هذا التاريخ لا يمكن قراءته وتفسيره بنهايته أي عام 1962" مع استقلال الجزائر.

وأضاف، في تصريحات للصحافيين على هامش زيارة ماكرون إلى الجزائر أنه "يجب أن نحاول فهمها انطلاقاً من جذورها... لتكون لنا رؤية أوسع لطبيعة الوصول الفرنسي إلى الجزائر" عام 1830، مشيراً خصوصاً إلى "مصادرة الأراضي والمذابح... وتهجير السكان... والمعارك والمقاومة".

وأكد المؤرخ المتخصص في تاريخ الجزائر أنّ "المشكلة تتصل بالإبلاغ، بالمعرفة. لا يوجد تداول لتلك المعلومات"، ودعا إلى تدريس هذه الحقبة التاريخية على نطاق أوسع في المدارس الفرنسية.

وشدد بنجامان ستورا على أن "صياغة الذاكرة تحدث أيضاً من خلال الإبلاغ أو عدم الإبلاغ".

وأردف الباحث الذي ولد في مدينة قسنطينة شرق الجزائر عام 1950 "سيفاجأ الكثير من الفرنسيين عندما يكتشفون الكهوف المدخنة (مذابح المدنيين على أيدي الجيش الفرنسي عبر إشعال النار في مداخل كهوف لجؤوا إليها) وتهجير السكان. إنهم لا يعرفون كل ذلك" خصوصاً بشأن الخمسين سنة الأولى من الاستعمار التي اتسمت بدموية شديدة.

ولفت إلى أنه "ليس بخطاب واحد ومبادرة واحدة وكلمة واحدة وعمل واحد سنهدّئ الفوران الاستثنائي في المجتمعين"، مضيفاً "يتطلب الأمر وقتًا وبيداغوجيا وإدراج كل ذلك في الكتب المدرسية".

(فرانس برس، الأناضول)

المساهمون