يتقاطع إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الثلاثاء، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم يحقق معجزة" خلال زيارته لروسيا وأوكرانيا، على الرغم من وصفها بـ"المهمة وتشكل عنصر انفراج"، مع ما أسرّ به ماكرون في الطائرة للوفد المرافق له، في هذا السياق.
فقد نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية، اليوم الأربعاء، عن مصادر مقربة من ماكرون قوله إن نظيره الروسي فلاديمير بوتين أثار دهشته، وإن الزيارة لم تكن سهلة.
بوتين يصرّ على رفض توسع الناتو
وفي طريقه إلى كييف، ذكر الرئيس الفرنسي أنه أصيب بالدهشة من إصرار نظيره الروسي على تجميد توسع حلف شمال الأطلسي، قائلاً: "لقد وجدته مصمماً، واثقاً من نفسه تماماً ويتقدم بمنطقه".
أصيب ماكرون بالدهشة من إصرار نظيره الروسي على تجميد توسع حلف شمال الأطلسي
ذلك الأمر كان واضحاً حين خرج الرئيسان للتحدث إلى الصحافيين بعد 5 ساعات من المباحثات، إذ كانت لهجة بوتين حازمة تجاه أعضاء الأطلسي، الذين مثّلهم ماكرون بشكل أو بآخر بزيارته هذه، خصوصاً عندما قال بنبرة تهديدية، إن "الناتو وروسيا ليسا قابلين للمقارنة، روسيا قوة نووية".
تحاشي إثار قلق أوكرانيا
ولم تقتصر صعوبة هذه الزيارة على شقها الروسي بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، إذ كانت هناك مسألة في غاية الحساسية بالنسبة إلى الجانب الأوكراني، تعلقت بمفهوم "الفنلدة" أو الحياد الإجباري، وما إذا كانت قد نوقشت خلال المباحثات بين بوتين وماكرون في موسكو.
و"الفنلدة" (من فنلندا) مصطلح من أيام الحرب الباردة، كان يستخدم في إشارة إلى تأثير الاتحاد السوفييتي بسياسات فنلندا خلال الحرب الباردة. ووفق التصور الفنلندي لهذا المصطلح، فهو يعني كيفية فهم الديناميكيات التي قد تحتاج إليها أمة صغيرة للتعامل مع قوة عظمى شاءت الجغرافيا أن تضعها إلى جوارها، من دون أن تنتهك سيادة تلك الأمة الصغيرة.
هذه المسألة أثارت فضول الأوكرانيين، لكن "لوموند" نقلت عن ماكرون نفيه القاطع أن يكون قد تفوه بهذا المصطلح خلال لقائه مع بوتين، على الرغم من عدم إخفاء الإليزيه بحثه عن صيغة تضمن أمن أوكرانيا، من دون أن يُتجاهَل المطلب الرئيسي لبوتين، وهو وضع حد لتوسع حلف الأطلسي شرقاً على حدود روسيا.
وكان ماكرون قد قال على متن الرحلة التي أقلته إلى موسكو، الاثنين الماضي، عندما سُئل عن خيار "الفنلدة" إنها "أحد النماذج المطروحة على الطاولة"، لكنه لحساسية هذا المصطلح بالنسبة إلى الأوكرانيين، وحتى بعض الحلفاء الأوروبيين، استدرك بالقول: "أعتقد أننا سنبتكر شيئاً جديداً".
والحساسية التي يحملها هذا المصطلح بالنسبة إلى أوكرانيا وحلفاء أوروبيين آخرين، نابعة من أنها تفترض إبقاء أوكرانيا خارج حلف الأطلسي، على الأقل لفترة من الوقت، مع تقديم ضمانات أمنية لها. وهو منظور لا تريد دول مثل بولندا أن تسمع عنه.
وفي هذا السياق، أشارت "لوموند" إلى أن الوفد المرافق لماكرون أكد أن الرئيس الفرنسي "لا ينطق أبداً بكلمة من المحتمل أن تثير غضب حلفائه"، وأن هذا المصطلح غير مناسب في الوضع الحالي: "الأمر متروك لأوكرانيا لتقول ما تريد للدفاع عن سيادتها، وليس على الأوروبيين اقتراح ذلك، أو حتى فرضه".
ماكرون كان حذراً جداً حول مسألة "الفنلدة" عندما التقى نظيره الأوكراني
وأشارت "لوموند" إلى أن ماكرون كان حذراً جداً في مسألة "الفنلدة" عندما التقى نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وعندما سئل عن هذا الموضوع، أجاب بوضوح: "لم أستخدم أيّاً من هذه الصيغ مطلقاً (خلال لقائه بوتين)، لقد قلت إن إنهاء سياسة الباب المفتوح التي ينتهجها (الناتو) قد يمثل مشكلة، خصوصاً بالنسبة إلى فنلندا والسويد"، حيث يوجد نقاش في الانضمام إلى الحلف.
وبناءً على زيارتَي ماكرون، من المقرر أن يعقد الاجتماع المقبل بين الممثلين الفرنسيين والألمان والروس والأوكرانيين، في صيغة "النورماندي"، يوم غد الخميس في برلين.
وفي حال إحراز تقدّم، يمكن أن تعقد قمة بين رؤساء الدول الأربعة، لكن كل ذلك مرهون بموافقة الكرملين، الذي نشر للتو نحو 125 ألف جندي على الحدود، وذلك "يجعل التقدم أصعب"، وفق ما قال ماكرون من كييف.