هُزمت مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنها حصدت 42% من الأصوات، وفق التقديرات الأولية، ما يعني أنها أوصلت اليمين المتطرف الى أبواب السلطة، مع أعلى نسبة أصوات في انتخابات رئاسية منذ الحرب العالمية الثانية.
وحصلت مارين لوبان (53 عاماً)، المرشحة للمرة الثالثة إلى الانتخابات الرئاسية، والتي وصلت للمرة الثانية إلى الدورة الحاسمة، على عشر نقاط أكثر مما حصلت عليه في 2017، وإلى ضعف النتيجة التي حققها والدها، الزعيم التاريخي لليمين المتطرف الفرنسي جان ماري لوبان في 2002 في مواجهة جاك شيراك.
لكنها اصطدمت بـ"السد المنيع" في فرنسا ضد اليمين المتطرف الذي دفع الناخبين إلى التصويت لماكرون، ولو "اضطراراً"، لمنع وصول لوبان إلى الرئاسة والذي قد تكون له عواقب كبيرة على فرنسا، على الصعيدين الوطني والدولي.
وأمضت مارين لوبان العقد الماضي وهي تحاول تحسين صورتها لدى الرأي العام من دون أن تبدّل برنامجها، لكنها استراتيجية أتت ثمارها على ما يبدو.
وعملت السيدة الطموحة التي عرفت بطباعها الحادة، والابنة الصغرى لجان-ماري لوبان، مؤسس "الجبهة الوطنية" وأحد أبرز الوجوه المثيرة للجدل في التاريخ الحديث للسياسة الفرنسية، على "نزع الشيطنة" عن حزبها.
على مدى عقود، بقي لوبان الأب الاسم الطاغي في اليمين المتطرّف الفرنسي، وعملت مارين بتروّ على تفكيك ما أسّسه والدها، خصوصاً إزالة كل الرواسب العنصرية والمعادية للسامية التي طبعت خطابه.
ووصل بها الأمر إلى حدّ طرد والدها في آب/أغسطس 2015 من الحزب، بعدما باتت على قناعة بأن مواقفه الخلافية والجدلية ستبقى عائقا أمام أي انتصار على المستوى الوطني.
وقالت في هذا الشأن "اقتديت بهذا الرجل (...) قاتلت كثيراً لأجله لكن في لحظة معيّنة، وجب التوقف عن ذلك". وعملت لوبان على تغيير صورة الحزب الذي تترأسه منذ 2011، عبر مسار "تطبيع" كانت إحدى محطاته تغيير الاسم، إذ حلّ "التجمع الوطني" بدلا من "الجبهة الوطنية" في 2018.
كما دفع الإرث الثقيل الذي تركه جان-ماري الحزب الى أن يخوض الحملة الانتخابية الأخيرة مع التركيز على اسم "مارين" بدلا من كنيتها التي كانت عبئا عليها منذ أعوام طويلة.
وقالت في مقابلة مع مجلة "كلوزر" إنه خلال شبابها "لم يكن سهلاً على الناس الانخراط في علاقة عاطفية مع مارين لوبان" بسبب الاسم الذي تحمله، وأضافت: "أذكر أن أحد الرجال اختار الانفصال عني بسبب ثقل الضغط الذي فرضه عليه محيطه الاجتماعي". ولوبان أم لثلاثة أولاد من زواجين أفضيا إلى الطلاق.
العلاقة مع روسيا
وسعت لوبان خلال الأعوام الماضية إلى تقديم صورة أكثر ودّية عن نفسها: ردود فعل أقل انفعالاً في مواجهة أسئلة الصحافيين، ملابس بألوان فاتحة، وابتسامة حاضرة حتى في خضم المناظرة التلفزيونية مع ماكرون قبل أيام، في الجوهر السياسي، تركّز على الاقتصاد الذي كان هامشياً في قائمة أولويات الجبهة الوطنية، سعياً لجذب ناخبين "خسروا" جراء العولمة.
ركزت لوبان في حملة 2022 في مواجهة ماكرون، المصرفي السابق الذي يصفه البعض بأنه "رئيس للأثرياء"، على القدرة الشرائية التي باتت الشغل الشاغل للفرنسيين مع ارتفاع أسعار موارد الطاقة والغذاء عالمياً في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا، وحضرت خلال الحملة العلاقة بين لوبان وروسيا التي زارتها خلال 2017، بشكل أساسي في المناظرة التلفزيونية مع ماكرون.
اتهمها الأخير بالارتهان مادياً لروسيا بسبب قرض حصلت عليه من مصرف روسي، وبأنها باتت "تعتمد" على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ردّت لوبان بتأكيد دعمها "أوكرانيا حرّة لا تتبع لا للولايات المتّحدة ولا للاتحاد الأوروبي ولا لروسيا، هذا هو موقفي".
في موقفها من الاتحاد الأوروبي الذي يعد محوراً أساسياً في سياسة ماكرون الخارجية، تركز مارين لوبان على "الأولوية الوطنية". فهي تريد أن يتفوق في الدستور، القانون الفرنسي على أي قانون آخر. ولم تعد تتحدث عن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي كما في 2017، لكنها تبقى مشككة في جوانب كثيرة من علاقة بلادها بالتكتل.
الهجرة والإسلام
وتقول الباحثة في معهد العلوم السياسية في باريس سيسيل آلدوي المتخصصة في دراسة اليمين المتطرف، إن برنامج مارين لوبان "لم يحِد على الإطلاق عن أسس الجبهة الوطنية مثل الهجرة والهوية الوطنية، إلا أنها اختارت مفردات أخرى لتبريره".
وتوضح أن لوبان باتت "تهاجم الإسلام وتريد الحدّ بشكل جذري من الهجرة غير الأوروبية تحت ذرائع العلمانية والقيم الجمهورية، وحتى النسوية"، وخلصت دراسة لمؤسسة جان جوريس نشرت حديثاً، إلى أن مواقف لوبان بشأن الهجرة باتت أكثر تشدداً.
وتريد المرشحة اليمينية المتطرفة أن تدرج في الدستور "الأولوية الوطنية" التي ستحرم الأجانب من امتيازات عدة.
وتريد أيضاً، كما إريك زمور، مرشح اليمين المتطرف الآخر الذي خرج من السباق الرئاسي في الدورة الأولى، طرد المهاجرين غير القانونيين والمجرمين ومرتكبي الجنح الأجانب، إضافة إلى الذين يشتبه بتطرّفهم والأجانب العاطلين عن العمل لأكثر من عام.
(فرانس برس)