أكد زعيم "حزب العمال" البريطاني المعارض كير ستارمر، في كلمة له، اليوم الإثنين، أن "المملكة المتحدة بكل أجزائها تحتاج إلى علاقات أفضل مع دول الاتحاد الأوروبي"، كما عبّر قبل أيام عن دعم حزبه للصفقة التي يسعى إليها رئيس الوزراء ريشي سوناك مع بروكسل بشأن بروتوكول أيرلندا الشمالية، والتي تثير غضب العديد من الأطراف في الحكومة وخارجها، لدى الأحزاب الموالية وتلك المعارضة.
وتكمن "حبكة" النزاع بين سوناك ومنتقديه في رغبة جزء مؤثّر من المحافظين والداعمين لـ"بريكست" بـ"تمزيق" أجزاء هامة من البروتوكول الذي ينظم حركة التجارة بين المملكة المتحدة وأوروبا عبر أيرلندا الشمالية، وفقاً لقوانين الاتحاد الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية.
وكان سوناك قد خاض مباحثات صعبة ومعقدة خلال الأسبوع الماضي مع معظم الأطراف المعنية بالبروتوكول المتنازع عليه منذ أكثر من سنة، حيث التقى برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، كما توجّه في زيارة إلى أيرلندا الشمالية للقاء مسؤولي "الحزب الاتحادي الديمقراطي" المضرب عن تقاسم السلطة احتجاجاً على البروتوكول.
ما هو بروتوكول أيرلندا الشمالية؟
لبروتوكول أيرلندا الشمالية جانبان أساسيان، الأول تجاري بحت يتعلق بكيفية نقل البضائع عبر الحدود، والثاني سياسي ينظم العلاقة بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جهة، وبين حكومتي ويستمينستر وأيرلندا الشمالية من جهة أخرى. لا بل ويتعلق الجانب السياسي بمسائل أعقد، إذ لم تقتصر الخلافات على الحكومة ومعارضيها، بل شملت أيضاً متشدّدي الحزب والوسطيين، المؤيدين لخروج بريطانيا، والمعارضين.
ويمكن اختصار الجانب التجاري بمعضلة نقل البضائع بين الحدود بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث إنه لم تكن ثمة حاجة سابقاً لترتيبات تجارية خاصة بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد، بما أن الجانبين يخضعان لقواعد الاتحاد الأوروبي، أما اليوم فثمة صراع متعلق برغبة بعض الأطراف بإلغاء دور محكمة العدل الأوروبية وإبطال قوانينها في ما يخص تنظيم التجارة بين الجانبين، وخصوصاً أن لأيرلندا الشمالية حدوداً برية مع جمهورية أيرلندا، وهي جزء من الاتحاد الأوروبي.
كما أن القواعد الأوروبية في ما يخص وارداتها من بعض السلع، كالحليب والبيض، تخضع لقواعد غذائية صارمة. يضاف إلى ذلك التاريخ السياسي المضطرب لأيرلندا الشمالية، والذي يمثّل تحدياً سياسياً وحساساً في المحادثات الجارية بين جميع الأطراف. إذ إن "الحزب الاتحادي الديمقراطي" والمؤيدين لـ"بريكست" يرون في البروتوكول وما يفرضه من "كاميرات مراقبة ومراكز حدودية"، خطراً على الاستقرار السياسي في البلاد، بما يقوّض اتفاقية "الجمعة العظيمة".
وسبق لحكومة الزعيم السابق بوريس جونسون أن سعت إلى تمرير مشروع قانون يتيح لها "تمزيق" أجزاء مهمة من البروتوكول، عبر إنشاء ما يسمّى بالممرات الحمراء، وتلك الخضراء للبضائع المصدّرة إلى أيرلندا الشمالية من بقية أنحاء المملكة المتحدة، على أن يكون الممر الأخضر للتجار الموثوقين الذين ينقلون البضائع فقط إلى أيرلندا الشمالية، وبالتالي يتم إعفاؤهم من الرقابة الجمركية، بينما يخصص الممر الأحمر للمنتجات المتجهة إلى جمهورية أيرلندا وبقية دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخضعها لفحوصات وضوابط جمركية أكثر صرامة وتعقيداً.
كما سعت حكومة جونسون إلى تغيير القواعد الضريبية بما يتناسب مع قوانين الحدود الخاصة بالمملكة المتحدة، إضافة إلى إنشاء هيئة مستقلة لتسوية النزاعات التجارية بدلاً من محكمة العدل الأوروبية. إلا أن الاتحاد الأوروبي رأى في مشروع القانون الذي دافع عنه جونسون "انتهاكاً للقانون الدولي، وتراجعاً عن صفقة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المتفق عليها عام 2019".
لحظة تاريخية وحاسمة
كل هذا يجعل من "المباحثات النهائية" الجارية في بريطانيا اليوم بين سوناك وفون ديرلاين لحظة تاريخية وحاسمة بالنسبة إلى جميع الأطراف، خصوصاً مع العراقيل التي يفرضها "الحزب الاتحادي الديمقراطي"، أكثر أحزاب أيرلندا الشمالية تأثيراً، والذي اشترط على الحكومة اجتياز سبعة "اختبارات" أو تحديات لكي يعود إلى تقاسم السلطة، وهي:
- تحقيق المساواة بين جميع أجزاء المملكة المتحدة في ما يتعلق بالتجارة.
- تجنب الموردين غير البريطانيين.
- عدم إنشاء نقاط تفتيش للسلع في موانئ أيرلندا الشمالية مثل بلفاست ولارن، كون البحر الأيرلندي لا يحتوي على حدود.
- أن يكون لمواطني أيرلندا الشمالية رأي في أي لوائح جديدة قد تؤثر عليهم.
- ألا تفرض إجراءات جديدة على البضائع المتداولة بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية.
- ألا تفرض حواجز تنظيمية جديدة بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية ما لم توافق عليها جمعية أيرلندا الشمالية.
- احترام الموقف الدستوري لأيرلندا الشمالية "نصاً وروحاً"، على النحو الذي تحدّده اتفاقية الجمعة العظيمة لعام 1998، من خلال الحصول على موافقة مسبقة على أي انتقاص في الوضع الدستوري.
يذكر أن اجتياز تلك الاختبارات سيتطلب من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تغيير نهجهما بشكل أساسي تجاه أيرلندا الشمالية، وتجاه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.