يتواصل القتال بين مسلحين فلسطينيين في مخيم عين الحلوة للاجئين بمدينة صيدا، جنوبي لبنان، لليوم السادس على التوالي، في جولة هي الثانية خلال أقل من شهر.
ويشهد أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني منذ تأسيسه عام 1948، عمليات اغتيال وأحياناً اشتباكات، خصوصاً بين الفصائل الفلسطينية ومجموعات إسلامية متشددة. ويُعرف مخيم عين الحلوة بإيوائه مجموعات متشددة وخارجين عن القانون، ويقطن فيه أكثر من 60 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة، ولا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع واحد.
بدء الاشتباكات
في نهاية يوليو/ تموز الماضي، اندلعت اشتباكات بين عناصر من "حركة فتح" ومجموعة مسلّحة تطلق على نفسها اسم "الشباب المسلم"، أسفرت عن مقتل 14 شخصاً، بينهم قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي، القيادي بحركة "فتح"، مع 4 من مرافقيه، ما شكل منعطفاً في الاشتباكات.
غداة ذلك، تحولت أحياء المخيم وشوارعه إلى ساحة حرب بين حركة "فتح" والإسلاميين الذين كانوا ينتمون سابقاً إلى جماعة "جند الشام" (وفق مصادر فلسطينية)، ويشكلون مجموعة تنشط في المخيم تحت اسم "الشباب المسلم".
وفي بداية أغسطس/ آب الماضي، عاد الهدوء إلى المخيم إثر سلسلة اتصالات بين فصائل فلسطينية ومسؤولين وأحزاب لبنانية، وتم الاتفاق على ضرورة تسليم المشتبه بهم في اغتيال العرموشي وعددهم 8 أشخاص.
والخميس الماضي، عادت الاشتباكات بين الجانبين، وأسفرت حتى أمس الاثنين عن مقتل 6 أشخاص وجرح عشرات آخرين.
وهرباً من الاشتباكات الدائرة، نزح عدد من المدنيين إلى خارج المخيم. ولا يدخل الجيش أو القوى الأمنية اللبنانية إلى المخيمات بموجب اتفاقات ضمنية سابقة، تاركين مهمة حفظ الأمن فيها للفلسطينيين أنفسهم. لكن الجيش اللبناني فرض تدابير مشددة على طرق صيدا، خشية أن تطاولها رشقات الاشتباكات، وندد سابقاً بتعرض أحد مراكزه القريبة من المخيم لقذيفة هاون وإصابة 6 من عناصره بجروح.
مخططات خارجية
وحول عودة الاشتباكات للمخيم، قال مسؤول الإعلام في حركة "حماس" بلبنان وليد كيلاني لـ"الأناضول": "هناك متفلتون لديهم أجندات خارجية للعبث بأمن المخيمات وخاصة عين الحلوة"، وأضاف: "هناك جهات خارجية (لم يسمّها) تريد ضرب الاستقرار الأمني في مخيم عين الحلوة لأنه لا يوجد مبرر واضح لعودة الاشتباكات".
وأوضح كيلاني أنه "تم الاتفاق مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك (تضم مختلف الفصائل)، على خطوات عدة، منها انتشار قوة أمنية فلسطينية من كافة الفصائل للفصل بين المتقاتلين والعمل على تسليم المتهمين (بقتل العرموشي) بكل الوسائل المتاحة ما عدا الاقتتال الحاصل حالياً".
وأشار إلى أن "ما يجري حالياً هو المزيد من القصف وإطلاق النار المتبادل الذي يؤدي إلى تشريد وترويع الآمنين من أطفال ونساء وعجز، وهذا لا يخدم سوى العدو الإسرائيلي".
وقال كيلاني: "لا أحد يستطيع حسم الأمور على الأرض عسكرياً. الرابح والخاسر لن ينالوا شيئاً سوى تهجير المزيد من سكان المخيم، وخاصة كلا الفريقين (المتقاتلين)، لم يتقدم أحدهما على الآخر، وما زالت مناطق السيطرة مكانها".
وأعرب القيادي في "حماس" عن أمله بأن يتم تطبيق الاتفاق الذي توصلت إليه القوى الفلسطينية مع المدير العام للأمن العام اللبناني لوقف نهائي لإطلاق النار، ووضع خريطة طريق تعالج كل أسباب هذه المعركة.
وأمس الاثنين، عُقد اجتماع أمني في بيروت مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك (جميع الفصائل) في لبنان بدعوة من مدير عام الأمن العام بالإنابة إلياس البيسري، تم الاتفاق خلاله على وقف فوري ودائم لإطلاق النار في مخيم عين الحلوة و"متابعة تسليم المطلوبين".
عدم تسليم المتهمين
من جهته، لفت مصدر فلسطيني مسؤول في المخيم متحدثا لـ"الأناضول"، إلى أن "الأسباب الرئيسية لتجدد الاشتباكات في المخيم هي عدم تسليم المتهمين الثمانية من (تجمع الشباب المسلم) بحسب الاتفاق الذي تم في أغسطس الماضي".
وأوضح المصدر الفصائلي الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنه "بعد خمسة أيام من بدء الاشتباكات الأولى في نهاية يوليو الماضي، تم الاتفاق خلال الاجتماع الذي حصل بحضور كافة الفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق النار وتسليم المشتبه بهم باغتيال العرموشي إلى الجيش اللبناني خلال أسبوع، وهذا ما لم يحصل حتى اليوم".
ولفت المصدر إلى أن "القوى الإسلامية أجرت لمدة أسبوع أو عشرة أيام مفاوضات مع تجمع (الشباب المسلم) من أجل تسليم المتهمين الثمانية للجيش اللبناني من دون اشتباكات، ولكنهم رفضوا تسليمهم".
صعوبة وقف الاشتباكات
وأشار المصدر إلى أن الاشتباكات "ما زالت مستمرة، وعندما نجتمع ونتفق على وقف إطلاق النار تعود وتتجدد، لأن (فتح) لن ترضى إلا بتسليم المتهمين".
وأكد أن الاجتماع الذي تم مع الأمن العام اللبناني، أمس الاثنين، أكد تثبيت وقف إطلاق النار منذ السابعة من مساء أمس، وتكليف القوة الفلسطينية المشتركة باستدعاء المتهمين الثمانية لتسليمهم للقضاء اللبناني.
وقال المصدر إن الاتفاق "جيد إذا طُبّق، ولكن من لم يسلّم نفسه بحسب أول اتفاق لن يسلّم نفسه وفق الاتفاق الذي تم الاثنين، وخاصة أن أحد المتهمين يدعى عز الدين أبو داود (ضبايا) قتل خلال الاشتباكات أمس". واستبعد المصدر أن "يسلم السبعة الباقون أنفسهم، لذلك لن يكون من السهل وقف الاشتباكات".
وكانت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية قد قالت أمس إنه "تم نقل أحد المطلوبين البارزين من (تجمع الشباب المسلم) في مخيم عين الحلوة المدعو عز الدين أبو داود (ضبايا) إلى مستشفى الراعي مصاباً بجروح خطيرة خلال اشتباكات المخيم، وبالتزامن حضرت قوة من مخابرات الجيش إلى المكان".
(الأناضول)