مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا: غياب "الجنوب العالمي" يريح روسيا

09 يونيو 2024
جنود أوكرانيون على جبهة خاركيف، 3 يونيو 2024 (خوسيه كولون/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جهود أوكرانيا لإشراك دول "الجنوب العالمي" في الضغط على روسيا قبل مؤتمر سويسرا للسلام في لوسيرن فشلت، مع تأكيد حضور أكثر من 80 دولة للمؤتمر الذي يهدف لتحقيق سلام شامل لأوكرانيا.
- غياب دول مؤثرة مثل الصين ومجموعة "بريكس" باستثناء الهند، وتراجع كييف عن مناقشة نقاط أساسية في خطة السلام بسبب عدم دعوة روسيا، مما أثر على جدوى المؤتمر.
- غياب الرئيس الأمريكي جو بايدن وتمثيل الولايات المتحدة بنائبة الرئيس كامالا هاريس، ووصف الكرملين للقمة بأنها "عديمة الجدوى" دون روسيا، بينما تأمل كييف في أن يكون المؤتمر نقطة انطلاق نحو السلام.

قبل أيام من الموعد المقرر لعقد مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا في منتجع بجبال الألب في مدينة لوسيرن يومي 15 و16 يونيو/ حزيران الحالي، بدا أن الجهود الأوكرانية الحثيثة في إشراك دول "الجنوب العالمي" في المؤتمر للضغط على روسيا فشلت.

وجاء ذلك على الرغم من الجولات المكوكية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أوروبا وآسيا، منذ نهاية الشهر الماضي، لاقناع مزيد من الدول الفاعلة من خارج أوروبا والقارة الأميركية بحضور مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا لإنهاء الحرب المتواصلة في أوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022 من دون مشاركة روسيا الطرف الثاني في الحرب.

الحضور والغياب

وأكد مكتب الرئيس الأوكراني، في بيان مطلع الشهر الحالي، مشاركة نحو 107 وفود تمثل الدول والمنظمات الدولية في المؤتمر. وكانت وزارة الخارجية السويسرية أعلنت، أخيراً، أنها أرسلت 160 دعوة للدول والمنظمات الدولية للمشاركة في المؤتمر، مشيرة إلى أن أكثر من 80 دولة أكدت حضوره.

وحسب الموقع الإلكتروني لزيلينسكي فإن هدف مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا الرئيسي هو توفير "منصة للحوار حول سبل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم لأوكرانيا وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي"، ووضع "إطار لتحقيق هذا الهدف".

اختصار نقاط البحث

وفي ظل إحجام عدد من الدول عن المشاركة في مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا بسبب عدم دعوة روسيا، تراجعت كييف عن مناقشة الكثير من النقاط الأساسية في خطة زيلينسكي المكونة من عشر نقاط، والتي تم عرضها للمرة الأولى أمام قمة العشرين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأوكرانية، سيرغي نيكيفوروف، إن المحادثات التي تعتمد على صيغة السلام المكونة من 10 نقاط التي طرحها زيلينسكي، ستعطي الأولوية لثلاثة مواضيع رئيسية، هي الأمن الغذائي والسلامة النووية والإفراج عن جميع الأسرى. وأشار، في لقاء مع القنوات الحكومية الأوكرانية الثلاثاء الماضي، إلى أن "هذه النقاط الثلاث على وجه التحديد لديها القدرة على توحيد دول ذات وجهات نظر مختلفة".

سيرغي نيكيفوروف: المحادثات ستعطي الأولوية لثلاثة مواضيع رئيسية

ورغم أن الحضور أفضل بكثير من المؤتمرات التي عقدت العام الماضي في كوبنهاغن (15) وجدة (43) ومالطا (66)، واجتماع دافوس في يناير/ كانون الثاني الماضي بحضور ممثلي 83 دولة، والتي ناقشت جميعها صيغة السلام الأوكرانية فإن غياب الصين ودول مجموعة "بريكس"، باستثناء تمثيل متدنٍ للهند، وكذلك السعودية وباكستان ودول آسيوية وأفريقية فاعلة عن مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا يقوّض أساس المؤتمر الهادف إلى اشراك دول "الجنوب العالمي" في الضغط على روسيا عبر تبنيها بعض نقاط خطة السلام الأوكرانية.

وأخفق زيلينسكي في إقناع دول آسيا في دعم مؤتمر السلام في سويسرا لمواجهة الخطر الروسي الذي يهدد أمنها، رغم حرصه على المشاركة في "منتدى حوار شانغريلا" في سنغافورة، الأسبوع الماضي، بحضور رؤساء وقادة جيوش عشرات الدول المطلة على المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا.
وعجز خطاب وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولونغرين في جلسة نقاش في المنتدى في إثارة قلق الآسيويين من الحرب، وحضهم على المشاركة مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا حين قالت: "أعلم أن الحرب في أوكرانيا تبدو بالنسبة للبعض هنا أبعد مما هي عليه من وجهة نظري، لكنني على قناعة تامة بأنه سيكون للنتيجة تأثير عميق علينا جميعاً وعلى النظام الأمني العالمي". وإضافة إلى عدم الثقة بالولايات المتحدة والغرب لعوامل تاريخية، فإن الكثير من الدول الآسيوية تشارك الدول الغائبة عن مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا بضرورة دعوة روسيا إليه، ومناقشة خطط أخرى للسلام غير خطة زيلينسكي من أجل الخروج بنتائج.

غياب بايدن عن مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا

وشكل إعلان غياب الرئيس الأميركي جو بايدن عن مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا ضربة قوية لكييف. وأكد البيت الأبيض، في بيان مطلع الأسبوع الحالي، أن نائبة الرئيس كامالا هاريس ستمثل بلادها في القمة ضمن وفد يضم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان. ومعلوم أن زيلينسكي ناشد بايدن حضور مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا، قائلاً في مؤتمر صحافي في بروكسل في 30 مايو/ أيار الماضي: "أعتقد أن قمة السلام تحتاج إلى الرئيس بايدن، والقادة بحاجة إلى بايدن لأنهم سينظرون إلى رد فعل الولايات المتحدة". وخلص إلى أن غياب الرئيس الأميركي عن مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا "لن يقابله إلا تصفيق (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين – تصفيق شخصي وقوفاً".

وسعى المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إلى التخفيف من تأثير غياب بايدن. وقال، الاثنين الماضي، رداً على سؤال فيما إذا كان الرئيس يبعث برسالة خاطئة على مستوى العالم من خلال التخلي عن مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا لحضور حفل جمع تبرعات في كاليفورنيا: "لم يكن هناك أي زعيم في جميع أنحاء العالم يدعم أوكرانيا أكثر شدة من جو بايدن". وأضاف أن هاريس ستحضر القمة "بسبب رغبتنا في أن نكون ممثلين حول تلك الطاولة"، وسيساعد وجودها في إثبات أن "أوكرانيا ليس لديها داعم أقوى من الولايات المتحدة". وشدد على أنه "بغض النظر عمن يمثل الولايات المتحدة في هذه القمة، لا يمكن القول إن الولايات المتحدة تراجعت بأي شكل من الأشكال عن دعم أوكرانيا".

بين المأمول والواقع

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في تصريح صحافي مطلع الأسبوع الحالي، إن القمة ستكون "عديمة الجدوى على الإطلاق" بدون مشاركة روسيا. وقال مسؤولون أوكرانيون أكثر من مرة إنه من الممكن دعوة موسكو لحضور قمة مستقبلية لبحث إنهاء غزوها لكن بشروط كييف. وأوضح وزير الخارجية الاوكراني، دميترو كوليبا، في تصريح صحافي في الثاني من مايو الماضي، أن "هناك طريقتين فقط لإيصال روسيا إلى موقف حيث تتصرف بحسن نية، الأول هو النجاح في ساحة المعركة، والثاني هو وجود تحالف من الدول التي تتقاسم نفس المبادئ ونفس النهج". وأشار إلى أن "النقطة الأخيرة هي أيضاً السبب الرئيسي وراء عدم مشاركة روسيا في القمة المقبلة في سويسرا". ولم يستبعد كوليبا إمكانية إجراء لقاءات ومفاوضات مباشرة مع روسيا في مرحلة لاحقة. وخلص إلى أنه "في النهاية، من المستحيل إنهاء الحرب دون مشاركة الجانبين".

وصف فاسيلي نيبينزيا مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا بأنه مجرد تجمع لن يقدم أي قيمة مضافة

وتأمل كييف في أن يشكل مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا نقطة انطلاق في الطريق الصعب إلى السلام، عبر بناء شكل من أشكال الإجماع الدولي يحدد شكل وآليات عملية السلام، وما هي المبادئ التي ينبغي أن تستند إليها، وكيف يمكن لروسيا أن تشارك في العملية. وتسعى أوكرانيا إلى أن يوقع ممثلو الدول الحاضرة في مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا على وثيقة للمبادئ المشتركة لحل الصراع تكون إطاراً لمحادثات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا تنتهي لمصلحة كييف.

وتنطلق كييف من أساس المؤتمر، وهو خطة السلام الأوكرانية (خطة زيلينسكي) ذات النقاط العشر، والتي تركز بقوة على الحاجة إلى استعادة سلامة أراضي أوكرانيا وحدود الدولة المعترف بها دولياً. وتدعو "خطة زيلينسكي" للسلام أيضاً إلى انسحاب جميع القوات الروسية من أراضي أوكرانيا، وإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة جرائم الحرب الروسية، وتقديم ضمانات ضد أي عدوان روسي مستقبلاً. وتتضمن الخطة إلى جانب القضايا المباشرة المتعلقة بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، اتخاذ تدابير لمعالجة قضايا مثل الإشعاع والسلامة النووية، وأمن البنى التحتية للطاقة والطاقة، والأمن الغذائي العالمي، بما في ذلك تدابير لضمان استمرار إمدادات الحبوب الأوكرانية لبعض دول العالم الفقيرة.

رفض روسي

وكثفت روسيا جهودها الدبلوماسية في الشهور الأخيرة لحض الدول على عدم المشاركة في مؤتمر سويسرا. وشكك المسؤولون الروس في مصداقية سويسرا بصفتها طرفا محايدا. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 13 فبراير/شباط الماضي، سويسرا بأنها "دولة معادية (لروسيا) بشكل علني". وفي 20 مايو/ أيار الماضي وصف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا بأنه مجرد تجمع لن يقدم أي قيمة مضافة. وقال، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي: "إن مؤتمر السلام الزائف المقرر عقده في سويسرا هو استمرار للاجتماعات الفاشلة السابقة التي عقدت في كوبنهاغن وجدة ومالطا ودافوس، ومن حيث المبدأ لن يقدم أي قيمة مضافة".

ورداً على برنامج مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا رأى نيبينزيا أن أساس النقاش في الاجتماع سيكون "صيغة السلام التي طرحها زيلينسكي، محذراً من طرق الغرب الملتوية لزيادة حضور دول "الجنوب العالمي". وقال: "لا تخطئوا، فالخطة الملتوية لرعاة الحدث هي أن يعرضوا على الضيوف جدول أعمال يُفترض أنه غير تصادمي، مع التركيز بشكل خاص على الأمن النووي والغذائي وحرية الملاحة وتبادل الأسرى والمعتقلين وعودة الأطفال، ثم تقديم وجودهم على أنه انضمام مفترض إلى إنذار نهائي لروسيا".

وفي الأسبوع الماضي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في بيان، إن لديها نسخة من جدول أعمال القمة النهائي، الذي لا يزال يحتوي على تسع من نقاط زيلينسكي العشر، بما في ذلك "الطلب النهائي" من روسيا بسحب قواتها والعودة إلى حدود عام 1991، والتعويضات وإعادة البناء من الأصول الروسية المجمدة. ورفضت وزارة الخارجية السويسرية التعليق على ما جاء على لسان زاخاروفا مباشرة، مشددة، في بيان، على أنه يمكن تقديم خطط سلام مختلفة خلال القمة.

بدائل من الصين

وفي خطوة بدا أنها منسقة مع روسيا، أعلنت الصين والبرازيل، في مايو/ أيار الماضي، عن مبادرة مماثلة لمؤتمر سويسرا. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في تصريح صحافي الأربعاء الماضي، إن الفكرة حظيت بدعم 45 دولة، 26 منها مستعدة للانضمام إلى "فهم مشترك للحقائق الحالية". وهذه الحقائق تنص على أنه يتعين على كييف وموسكو أن تشاركا في المفاوضات، وستكون النتيجة اتفاقاً عادلاً يأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين ويضع المصالح الوطنية في المقدمة. وكان لافروف، اقترح في 30 مايو الماضي، أن تقوم الصين بترتيب مؤتمر سلام تشارك فيه روسيا وأوكرانيا.

منطلقات التفاوض الروسية

رغم حديث موسكو المتواصل عن انفتاحها على المفاوضات لوقف الحرب، فإن الشروط التي تضعها ترقى إلى الطلب من كييف الاستسلام الكامل. ويمكن إجمال الشروط الروسية في التصريحات التي أدلى بها بوتين في مايو الماضي، وحدد فيها الشروط الروسية لانهاء الحرب أو تجميدها، وتنطلق من البناء على الاتفاقات المبدئية مع كييف التي تقول موسكو إنه تم التوصل لها في المفاوضات ما بين مارس/ آذار ومايو 2022 أساسا لأي مفاوضات، إضافة إلى الاعتراف بـ"الحقائق الجديدة على الأرض"، أي أن تحتفظ روسيا بما حققته على الأرض والسيطرة على قرابة 18 في المائة من أراضي أوكرانيا. وتطالب موسكو كييف بالحياد وعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) ونزع السلاح، وإنهاء مظاهر "النازية الجديدة". وبدا أن موسكو ستزيد مطالبها حول بناء منطقة عازلة منزوعة السلاح على الحدود مع أوكرانيا لمنع الهجمات بالصواريخ والمسيرات.

صراع عسكري دبلوماسي مركب

ومنذ بدء الاعلان عن مبادرات لتسوية النزاع، مثل المبادرات الصينية والأفريقية، بات الصراع بين البلدين دبلوماسياً وعسكرياً، ويتأثر موقف كل منهما بالتطورات على الأرض. ورغم التقدم الميداني الروسي في الشهور الأخيرة، رفضت أوكرانيا تقديم تنازلات مراهنة على زيادة الدعم الغربي، وإبعاد حلفاء روسيا عنها. في المقابل تبدو روسيا مرتاحة أكثر، فقد حققت قواتها بعض المكاسب التكتيكية في الشرق والشمال الشرقي، لكنها غير قادرة على تحويلها إلى تقدم استراتيجي كبير محتمل. كما أن فشل الغرب وأوكرانيا في جذب دول مؤثرة مثل الصين والسعودية وباكستان وغيرها لحضور مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا يقوي الدبلوماسية الروسية.

ومن المؤكد أن التطورات العسكرية على الأرض ستؤدي الدور الأهم في إجبار هذا الطرف أو ذاك على تقديم تنازلات، بدءا من التخلي عن الشروط المسبقة. فموسكو تشكك في شرعية زيلينسكي بعد انتهاء فترة رئاسته في 20 مايو الماضي، وزيلينسكي أصدر مرسوماً في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي بعدم التفاوض مع بوتين رداً على ضم المقاطعات الأوكرانية الأربع. كما أن الوقائع الميدانية وحجم الضغوط الدولية على روسيا والدعم المقدم لأوكرانيا ستلعب دوراً مهماً في مستقبل الصراع وطرق تسويته.