مع بدء العد التنازلي لانعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، تتجّه الأنظار إلى العاصمة بكين التي تستضيف الحدث السياسي الأهم في البلاد في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول الحالي. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يؤمّن الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ، من خلال المؤتمر، فترة رئاسية ثالثة، مخالفة للمعايير والبروتوكول الحزبي المتّبع منذ عقود، مما قد يعزز مكانته باعتباره أقوى حاكم في البلاد منذ عهد الزعيم الراحل ماو تسي تونغ.
ولطالما مثّلت مؤتمرات الحزب أهمية كبيرة باعتبارها المطبخ السياسي الذي تُتخذ فيه القرارات وترسم السياسات والخطوط العريضة الخاصة في الحزب والدولة، سواء ما يتصل بالشأن السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، بالإضافة إلى تحديد أولويات الصين للسنوات الخمس المقبلة أو ما يُعرف بـ"الخطة الخمسية".
تحوّلات في تاريخ الصين
وعادة ما تكون هذه المؤتمرات نقطة تحوّل في سياسات البلاد الداخلية والخارجية، ولعل أبرز المؤتمرات التي كانت علامة فارقة في تاريخ الصين الحديث، ذلك الذي عُقد في سبتمبر/أيلول عام 1956، والذي شهد إقرار الخطة الخمسية الثانية التي تستهدف تحويل البلاد من الزراعة إلى الصناعة، وهي خطة تُعرف أيضاً باسم "القفزة الكبرى إلى الإمام"، والتي تسبّبت في كارثة إنسانية (مجاعة) أودت بحياة نحو 30 مليون شخص.
شكّل مؤتمر الحزب الحادي عشر في أغسطس 1977 إعلاناً لأفول حقبة ماو تسي تونغ
كما يبرز مؤتمر الحزب التاسع الذي عقد في إبريل/نيسان عام 1969، ويُعتبر مؤتمراً محورياً نظراً لانعقاده في ذروة الثورة الثقافية التي اندلعت في منتصف ستينيات القرن الماضي. وصادق المجتمعون خلاله على التطهير السياسي للطبقة البرجوازية في الحزب الشيوعي، ما أدى إلى دخول البلاد في حقبة من الفوضى والدمار والفلتان الأمني، لم تنته إلا بموت ماو تسي تونغ عام 1976.
أيضاً مؤتمر الحزب الحادي عشر الذي عُقد في أغسطس/آب 1977، ويُعتبر أول مؤتمر للحزب من دون زعيمه ومؤسسه ماو، وقد مثّل إعلاناً لأفول الحقبة الماوية مع تولي الزعيم دينغ شياو بينغ مقاليد السلطة، والذي يُعرف بأنه مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح التي انتهجتها البلاد آنذاك، وأدت في وقت لاحق إلى صعود الصين كقوة اقتصادية بارزة على الساحة الدولية.
تاريخياً، عُقد أول مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني في يوليو/تموز 1921 في مدينة شانغهاي، واتخذ الحزب من الماركسية اللينينية عقيدة له، ونجح في استمالة الشباب على الرغم من أن الشيوعية كانت آنذاك الأيديولوجية الأقل تأثيراً بين المذاهب السياسية والاجتماعية. وفي ما بعد أُدرجت أفكار ماو في دستور الحزب، وبات الشخصية المحورية التي تمثل السلطة المطلقة.
وكانت مؤتمرات الحزب تعقد بصورة غير منتظمة نظراً لمرور البلاد بأحداث وحروب متباينة، مثل الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937-1945)، والحرب الأهلية بين الكومنتانغ (الحزب القومي الصيني) والشيوعيين (1927- 1949). ولم تنتظم إلا بعد المؤتمر التاسع الذي عُقد عام 1969، حيث باتت منذ ذلك الحين تعقد مرة كل خمس سنوات.
أول خرق لدستور الحزب الشيوعي
وبرأي الباحث في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، تشو يونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن مؤتمرات الحزب الشيوعي مثّلت مراحل ومحطات مفصلية في تاريخ الصين كانت فيها عقيدة الحزب الثابت الوحيد.
ولفت تشو إلى أن المؤتمر المقبل سيشهد أول خرق لدستور الحزب منذ تأسيسه قبل مائة عام، على اعتبار أن تمديد ولاية الرئيس شي لفترة ثالثة مخالف لما اعتاد عليه حكّام البلاد، بمن فيهم الزعيم الأوحد ماو، الذي لم يرأس الصين منذ استحداث منصب رئيس الدولة عام 1954، سوى فترة واحدة (1954-1959)، بينما كان الرئيس الراحل ليو شاوتشي أول من حكم الصين لفترتين (1959- 1968)، أما آخرهم قبل شي، فكان الرئيس السابق هو جينتاو (2003- 2013).
المؤتمر العشرون سيكون إعادة لإحياء فكرة القيادة الفردية التي تميزت بها حقبة ماو تسي تونغ
وأوضح تشو يونغ، أن المؤتمر العشرين سيكون أيضاً إعادة لإحياء فكرة القيادة الفردية التي تميزت بها حقبة ماو تسي تونغ، وذلك بعد عقود من القيادة الجماعية التي ظهرت ملامحها في أواخر سبعينيات القرن الماضي. ولفت إلى أن أعضاء اللجنة الدائمة (7 أفراد) في الحزب كانوا يمثلون هرم السلطة، وكان منصب الرئيس أقرب إلى القيادة الشرفية. وأضاف: جاء شي ليستأثر بجميع السلطات، ويشن حملة شرسة ضد منافسيه في إطار مكافحة الفساد داخل الحزب، الأمر الذي مهد أمامه الطريق ليكون صاحب السلطة العليا من دون منازع.
وتوقع تشو، أن يقلص الرئيس الصيني خلال المؤتمر المقبل عدد أعضاء اللجنة الدائمة إلى خمسة أفراد (موالين لشي)، مما يضمن له هيمنة مطلقة، باعتباره الأمين العام للحزب ورئيس اللجنة العسكرية، والأمين العام للجنة المركزية، إلى جانب منصبه كرئيس لجمهورية الصين الشعبية.
من جهته، قال أستاذ الدراسات السياسية في جامعة جينان الصينية، شياو لونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أهمية مؤتمرات الحزب الشيوعي، تكمن في ما شهدته عبر التاريخ من قرارات وأحداث لا تزال تترك أثراً كبيراً على حياة الصينيين. وأضاف أن ما أضفى هذا الاهتمام الشعبي والرسمي، هو الظروف التي أحاطت بنشأة الحزب حين كانت البلاد مرتعاً للغزاة، قبل أن يأتي الشيوعيون لينقذوا البلاد من براثن الاستعمار.
وتابع: إن التضحيات التي قدّمها قادة الحزب بدءاً من مسيرة الجيش الأحمر عام 1934، مروراً بدحر المستعمر الياباني عام 1945، وطرد الكومنتانغ وإعلان الدولة عام 1949، جميعها كانت عوامل ساهمت في إضفاء شيء من القداسة على مؤتمرات الحزب، إضافة إلى ما تخلل هذه المحطات من أحداث دموية ومؤسفة، ورافقتها أيضاً في اتجاه آخر حالة من الحذر والترقب. ورأى أن هذه العوامل ربما تفسر ذلك الاهتمام الذي يحظى به المؤتمر المقبل والذي يتزامن انعقاده مع توترات أمنية شديدة في محيط جزيرة تايوان.