مأزق إدارة بايدن: مواصلة دعم إسرائيل أم سحب "الشيك على بياض"؟

06 نوفمبر 2023
دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الثاني (Getty)
+ الخط -

مع مرور شهر على حرب غزة، وقبل سنة بالضبط من انتخابات الرئاسة الأميركية، تجد إدارة الرئيس جو بايدن نفسها في وضع مربك، أدت إليه حسابات مغلوطة، فالعملية العسكرية الإسرائيلية متعثرة، وصار من الصعب على واشنطن تسويق استمرارها من دون أفق واعد، بعد أن تحولت إلى مجزرة يضج بها العالم، وخاصة عالم الحلفاء.

وفي الوقت نفسه، كشفت أرقام استطلاع "نيويورك تايمز" الأحد، أن وضع الرئيس الانتخابي متعثر، حيث يتقدم عليه سلفه دونالد ترامب في خمس ولايات حاسمة، يتعذر عليه تجديد رئاسته من دون الفوز فيها.

في مثل هذه المحطة من انتخابات 2020، كان بايدن متقدماً على ترامب وبقي على تقدمه، أمّا الآن فقد انعكست المعادلة، وربما ساهم دعم الرئيس المفتوح لحربي إسرائيل وأوكرانيا في مفاقمة هبوط رصيده الهابط أصلاً لأكثر من سبب، من بينها الاعتراض على حروب الخارج، ومنها حرب غزة، كما كشفت الأرقام الأخيرة.

بالكاد نصف الأميركيين (51%) مؤيد لتزويد إسرائيل بالمزيد من الأسلحة، وفقط 50% يؤيدون "طريقة" ردها العسكري على غزة، حسب استطلاع جامعة "كوينيبياك" المشهود لها بدقة تشخيص استطلاعاتها لنبض الرأي العام.

لم يشفع بالرئيس دعمه اللامحدود لإسرائيل، وهذه أرقام لها ترجمات انتخابية مقلقة للإدارة إذا ما طالت الحرب، وازدادت كلفتها، وقد انعكس ذلك على شكل تخبط طيلة الأسبوع الماضي، وكأن واشنطن في مأزق. لا هي قادرة على المراهنة على الحسم العسكري الاسرائيلي الموعود في وقت غير بعيد، ولا على التراجع عن "الشيك على بياض" الذي أعطته لإسرائيل تحت عنوان "حقها بل واجبها في الدفاع عن نفسها"، والذي يعني عملياً تفويضها بالثأر المفتوح لرد الاعتبار، وإعادة التوازن في المنطقة على ما كان عليه حتى 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

"هذه حربها وهذا قرارها"، كما قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الأسبوع الماضي، مكتفياً هو وغيره من المسؤولين بتذكير إسرائيل، لكن من دون إلزامها، بوجوب "حماية المدنيين قدر الإمكان". وهذه مسألة جرى منحها الأسباب التخفيفية من باب التبرير بأن للحروب "خسائر جانبية – ضحايا مدنيون" يصعب تجنبها، بحسب السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوغ الذي شدد الأحد على أن العملية العسكرية "غير محدودة بسقف زمني، ولا ينبغي أن يحثنا أحد" على الاستعجال بإنهائها، قبل "إنجاز مهمتنا".

كلامه موجه على ما بدا إلى بعض الجهات الأميركية التي بدأت تدعو إلى "هدنة"، مثل السيناتور كريس مورفي، أو التي دعت إلى "وقف إطلاق نار"، مثل السيناتور ريتشارد ديربن، وكلاهما ديمقراطي ومن المقربين من بايدن، والمؤثرين في لجنتي العلاقات الخارجية والعدلية المهمتين في مجلس الشيوخ.

وكان حوالى 12 من الديمقراطيين في مجلس النواب قد دفعوا باتجاه خطوات من هذا النوع، فضلاً عن عدد متزايد من أهل الرأي والخبرة العسكرية والخارجية والأمنية، التي ما زالت تشكك بالقدرة على اقتلاع "حماس". وازدادت الشكوك والمخاوف بعد دعوة الوزير الإسرائيلي عميحاي الياهو أخيراً إلى الاستعانة بالسلاح النووي، والتي أوحت بأن حسم المواجهة بالحرب التقليدية صار مسألة مستبعدة، وبما استدعى استحضار هذا الخيار التدميري الذي قد يكون متداولاً في مطبخ القرار الإسرائيلي، ولو على سبيل الترهيب، على غرار تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين به في حربه الأوكرانية. كما تجدد التخوف من إمكانية توسيع الحرب لو طالت مراوحة الحملة العسكرية في غزة.

على هذه الخلفية وفي ضوء تزايد الضغوط المحلية (التظاهرات المتزايدة في الحجم والمشاركة في المدن الأميركية، وحتى في الجنوب المحافظ) والدولية، تقررت الزيارة العاجلة التي قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة لعقد هدنة، والتي زعمت الإدارة أنها "تحبذها"، لكن الزيارة كانت محكومة بالفشل لأنها جاءت أولاً كرد فعل لتنفيس الضغوط، أكثر منها محاولة لالتقاط الأنفاس. ومن جهة ثانية لأنها تركت حق الفيتو في الموضوع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تفرض حساباته المحلية استمرار الحرب المشتعلة، ولغاية تحقيق أغراضها التي حددها لها.

وكان من اللافت غياب كبار مسؤولي الإدارة، بلينكن وأوستن وسوليفان، عن المشاركة في البرامج الإخبارية الهامة ليوم الأحد في شبكات التلفزة الرئيسية، كما جرت العادة في الأسابيع الأربعة الماضية. وفي ظرف من هذا النوع، لا تفسير لهذا الغياب سوى أن الادارة ليس لديها ما تقدمه لتسويغ مواصلة الحرب، وعدم جديتها في موضوع الهدنة، وهو أضعف الإيمان. ولهذا اكتفت بمشاركة مساعد سوليفان جون فاينر في اثنين من البرامج، للتنويه بنجاح مساعيها لتأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مع الوعد بزيادة تدفقها وتكرار معزوفة حماية المدنيين، في محاولة لتحويل الفرع إلى الأصل في الأزمة.