استمع إلى الملخص
- خلال حكم رئيسي، شهدت العلاقات بين إيران وروسيا تطوراً ملحوظاً في قطاع الغاز والتعاون العسكري والتقني، بما في ذلك استخدام روسيا للمسيرات الإيرانية في النزاع مع أوكرانيا.
- لا توجد توقعات بتغييرات جذرية في السياسة الخارجية الإيرانية بعد انتخاب رئيس جديد، مع استمرار التركيز على العلاقات مع الدول الشرقية وموقف متشدد تجاه الغرب، وسط تحذيرات روسية من تفاقم التوترات في الشرق الأوسط.
عُرف الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، اللذان قضيا في حادثة تحطم المروحية الرئاسية في محافظة أذربيجان الشرقية في 19 مايو/أيار الحالي، بانتمائهما إلى اللوبي الإيراني الداعم للدفع قدماً بالعلاقات مع موسكو، ما يفرض تساؤلات عمّا إذا كان مقتلهما سيؤثر على الشراكة الإيرانية الروسية.
الشراكة الإيرانية الروسية في عهد رئيسي
وشهدت سنوات حكم رئيسي (انتخب رئيساً في يونيو/حزيران 2021) الذي تمّ توديعه إلى مثواه الأخير أول من أمس الخميس (في مشهد)، تطوراً لافتاً للعلاقات الروسية الإيرانية، والشراكة الإيرانية الروسية بما فيها مشاريع مشتركة في قطاع الغاز بقيمة مليارات الدولارات، والمضي قدماً في تحقيق مشروع ممر النقل "الشمال - الجنوب"، والاستفادة الروسية من التجربة الإيرانية في التعايش مع العقوبات، والتعاون العسكري التقني، لاسيما على ضوء اعتماد روسيا على المسّيرات الإيرانية في حربها مع أوكرانيا.
إلا أن النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، الذي سيقوم بأعمال الرئيس بالوكالة لمدة 50 يوماً حتى إجراء الانتخابات الرئاسية (حُدّد موعدها في 28 يونيو/حزيران المقبل)، يُعرف هو الآخر بمناصرته تطوير الشراكة الإيرانية الروسية والعلاقات مع روسيا، وشارك عام 2022 في المفاوضات المتعلقة بالجوانب العسكرية للتعاون، وبصفة خاصة إمدادات مسيّرات "شاهد" الإيرانية. ولما كانت الكلمة الأخيرة في إيران للمرشد الأعلى على خامنئي، ما كان للتقارب بين البلدين الخاضعين للعقوبات أن يتم من دون مباركته، ما يعزّز الترجيحات بأن الشراكة الإيرانية الروسية بعد مقتل رئيسي ستستمر في التطور.
وتوقع رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في موسكو، مراد صادق زاده، استمرار النهج الإيراني الحالي نحو تعزيز العلاقات مع الدول من الكتلة الشرقية، بما فيها روسيا، بعد أن أدركت القيادة العليا للبلاد مأزق التوجه نحو التقارب مع الغرب في عهد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني. وقال صادق زاده في حديث لـ"العربي الجديد": "ليس سرّاً أن رئيسي نظراً لانتمائه لكتلة المحافظين، كان من أنصار اتباع الخط المتشدد في السياسة الخارجية وتطوير العلاقات ضمن المحور الشرقي، بما فيها الصين والهند وروسيا والدول الصديقة في المنطقة، أي كافة البلدان غير الغربية".
مراد صادق دازه: مجلس خبراء القيادة وخامنئي هما اللذان يحددان الخطوط العريضة للسياسة الخارجية
وقلّل صادق زاده من احتمال حدوث تغييرات هامة في السياسة الخارجية الإيرانية بعد انتخاب رئيس إيراني جديد أو أن يؤثر ذلك على الشراكة الإيرانية الروسية بقوله إن "الرئيس في إيران له صلاحيات تنفيذية وقدر من الثقل في وضع ملامح السياسة الخارجية للبلاد، ولكن مجلس خبراء القيادة وخامنئي هما اللذان يحددان خطوطها العريضة".
وحول رؤيته لأسباب تحول إيران من النهج الإصلاحي إلى الخط المتشدد بقيادة رئيسي، قال: "أدركت القيادة الإيرانية العليا أن من الصعب التوصل إلى اتفاقات مع الغرب، فأصبحت الأولوية للشراكة الشرقية وتعزيز مكانة البلاد في المنظمات الدولية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ونيل العضوية الكاملة في مجموعة بريكس منذ بداية العام الحالي، ومن المنتظر أن يشارك الرئيس الجديد في قمتها في مدينة قازان الروسية في الخريف المقبل". وعلى الصعيد الإيراني الداخلي، استبعد صادق زاده احتمال وقوع أي اضطرابات، قائلاً: "منظومة السلطة الإيرانية صامدة إلى حد كبير، وقد تم تكليف نائب الرئيس محمد مخبر، بتولي الرئاسة بشكل مؤقت حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن غياب العنصر الهام مثل الرئيس لا يؤدي إلى انهيار المنظومة".
الإصلاحيون مُبعدون؟
بدوره، توقع الصحافي والمستشرق الروسي، رسلان سلیمانوف، ألا تشهد السياسة الخارجية الإيرانية أي تغييرات تذكر على المستويين الإقليمي والدولي بعد انتخاب رئيس جديد، مرجحا ألا يسمح مجلس صيانة الدستور لأي مرشح إصلاحي بخوض سباق الرئاسيات.
سليمانوف: احتمال أن تشدّد إيران نهج سياستها الخارجية حيال إسرائيل والمنطقة بشكل عام
وقال سليمانوف في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مشاركة أي مرشح سواء في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية في إيران مرهونة بموافقة مجلس صيانة الدستور الذي لم يعد منذ عام 2020 يحبذ أنصار التيار الإصلاحي"، مذكرا بأن رئيسي فاز بسهولة في انتخابات عام 2021 بغياب أي منافس إصلاحي للمرة الأولى في التاريخ الإيراني المعاصر. وتوقع ألا يسمح مجلس صيانة الدستور للإصلاحيين بخوض الانتخابات المرتقبة، مضيفاً: "من المعلوم أن رئيس الجمهورية في إيران لا يؤدي دوراً محورياً في صياغة سياسات البلاد بشقيها الداخلي والخارجي، إذ إن خامنئي هو الشخص المنوط به ذلك، بينما تقتصر المهام الرئاسية على تطبيق هذه السياسات".
وجزم سليمانوف باستمرار تماسك النخبة السياسية الإيرانية بعد مقتل رئيسي، قائلاً إن "إبراهيم رئيسي هو أول رئيس إيراني لم تنشب أي خلافات بينه وبين خامنئي، ولا أتوقع أي تغيير في سياسة إيران بعد انتخاب رئيس جديد كونه سيطبق سياسات المرشد الأعلى والحرس الثوري الداعم له". وأخذاً بعين الاعتبار التوتر الإيراني الإسرائيلي الأخير، لم يستبعد سليمانوف "احتمال تشديد نهج سياسة إيران الخارجية حيال إسرائيل والمنطقة بشكل عام".
من جهته، حذّر النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، أمس الجمعة، من أن مقتل رئيسي وعبد اللهيان قد يفاقم الوضع المتوتر أصلاً في الشرق الأوسط. وقال بوليانسكي في حديث لوكالة نوفوستي الحكومية الروسية: "الوضع في الشرق الأوسط حالياً متوتر إلى الحد أن أي حدث قد يؤثر عليه. يعتمد ذلك على كيفية استغلال الوضع وتداعياته". وعلى صعيد الرئاسة الروسية، أبدت روسيا تضامنا مع إيران منذ فقدان مروحية رئيسي، إذ وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإرسال طائرتين من طراز "إيل-76" للمشاركة في أعمال البحث والإغاثة. وبعد تأكد أنباء مقتل رئيسي، وصفه بوتين بأنه كان "صديقاً حقيقياً لروسيا"، وأوفد رئيس مجلس الدوما (النواب)، فياتشيسلاف فولودين، للمشاركة في مراسم تأبينه.