على الرغم من خفوت الاحتجاجات في بغداد بعد فتح ساحة التحرير وجسر الجمهورية وسط بغداد من قبل قوات الأمن، إلا أن الساحة لا تزال تشهد، حالياً، تجمعات احتجاجية يومية لا تتجاوز بضع عشرات من الناشطين، مطالبين بالكشف عن الجهات التي قتلت المحتجين منذ اندلاع الانتفاضة العراقية العام الماضي، والتشديد على مطالب الاحتجاجات التي خرجت من أجلها.
ولا تبدو العوامل التي تؤدي إلى تجدد نزول المتظاهرين إلى الشوارع قد انتهت، بحسب ناشطين، وثمة أكثر من سيناريو محتمل قد تشهده الحركة الاحتجاجية في البلاد، ولا سيما مع استمرار حملات الاستهداف للناشطين والمتظاهرين والتيار المدني ككل من قبل الفصائل المسلحة والمليشيات، فيما يبرز أن سيناريو التوجه نحو صناديق الاقتراع هو الأقرب لغالبية الناشطين في ساحات البلاد وميادينها.
وتشهد محافظات الناصرية والديوانية والبصرة يومياً تظاهرات ليلية، فيما يباغت محتجون بعض الطرق الرئيسة في مدن الجنوب بالإغلاق لساعات ثم فتحها، في إشارة إلى استمرار الغضب الشعبي من سياسة حكومة مصطفى الكاظمي التي يعتبرها محتجون أنها تمارس التخدير مع مطالب انتفاضة "تشرين"، وينتقدون أيضاً اللجان التحقيقية التي أعلنتها الحكومة بخصوص كل الجرائم التي استهدفت الناشطين من قتل واغتيالٍ واختطاف، والتي لم تصل إلى أية نتيجة.
وقال الناشط المدني وأحد المتظاهرين في العاصمة بغداد علي حمدي، لـ"العربي الجديد"، إن "ساحة التحرير لا تزال تشهد تجمعات للناشطين بصيغة يومية، لكن ما يساعد على عودة الاحتجاجات، أن الحكومة لم تنجز أو تحقق أي مطالب المنتفضين، وتعمل بعض الأحزاب الداعمة للحكومة، ومنها التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر، على تسطيح وتسخيف المطالب والجهود الشعبية في تأسيس دولة مدنية تبعد الفاسدين والموالين للخارج".
وأشار إلى أن "محتجي بغداد بعد فتح جسر الجمهورية وساحة التحرير باتوا يعوّلون على تظاهرات مدن وسط العراق وجنوبه، لكونها لا تعاني ما تعانيه بغداد من قرارات سياسية وتدخلات".
وبيّن حمدي أن "الناشطين في العاصمة يناقشون حالياً أكثر من سيناريو للمرحلة المقبلة، فهم يؤيدون أكثر من خيار، ومنهم من يذهب إلى الاعتماد على الانتخابات المبكرة المرتقبة لمعرفة النتائج التي ستصل إليها، كذلك سيجد آخرون أن دعم التظاهرات في جنوب العراق، وتحديداً في الناصرية، بالعدد والخطط، أمر يسهم في تمكين انتفاضة "تشرين"، من الاستمرار، ولا ننكر أن ناشطين آخرين استسلموا لليأس، وباتوا لا يفكرون في غير سلامتهم وسلامة عوائلهم بسبب تهديدات المليشيات التي لم تتراجع أو تهدأ نهائياً".
من جهته، قال المتظاهر وعضو لجنة تنسيقية تظاهرات مدينة الناصرية جنوبيّ العراق، نمير اليساري، لـ"العربي الجديد"، إن "الكاظمي لم يسعف المتظاهرين على أرض الواقع، ويجامل الكتل السياسية والمليشيات المتورطة بقتل المحتجين وملاحقتهم، ويكتفي بالبيانات المساندة للمحتجين، كذلك إن لجانه التي شكّلها في التحقيق بجرائم تعرّض لها الناشطون العراقيون دفنت الحقيقة وغيبتها، وهو ما يزعج المتظاهرين ويدفعهم إلى التخطيط بالنزول إلى الشوارع". وأوضح أن "الناصرية باتت ترفض الكاظمي وتطالب بإسقاطه، بسبب عدم تنفيذ أيٍّ من مطالب المحتجين من قبل الحكومة".
في المقابل، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي في مدينة البصرة، سعد رافد، لـ"العربي الجديد"، إن "المتظاهرين في الجنوب لا يملكون حالياً خطة واحدة للمرحلة المقبلة، وهناك تشتت في صفوف المحتجين بعد أن تمكنت الحكومة من تفتيت صفوف المحتجين من خلال شراء بعض الناشطين البارزين بالمال، وجرت هذه العملية بمساعدة المستشار في حكومة الكاظمي، كاظم السهلاني، الذي أسس لكيان سياسي في المدينة لخوض الانتخابات المقبلة".
وبين أن "الاستياء كبير في البصرة من وسائل الإعلام التي كانت تدعم الانتفاضة، وباتت حالياً من الداعمين لحكومة الكاظمي، وأن نكسة كبيرة تعرضت لها انتفاضة تشرين من قبل حكومة الكاظمي التي خدمت المليشيات ولم تخدم العراقيين في ساحات الاحتجاج".
أما العضو المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، فقد أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "مواصلة الاحتجاجات من قبل الناشطين هو عنصر ضاغط على الحكومة والمليشيات ذات المصلحة بالدولة، واستمراريتها أمر مهم وجهاز رقابي حقيقي على كل السلطات في البلاد"، مستدركاً أن "الاختراق الذي تعرضت له انتفاضة تشرين أثّر كثيراً بجهود الناشطين المدنيين، ولعل مصطفى الكاظمي أكبر المستفيدين، لأن إنهاء الاحتجاجات واحد من الوعود التي قطعها الكاظمي للكتل السياسية قبل تكليفه تشكيل حكومته، لذلك لا بد للمتظاهرين أن يرتبوا صفوفهم ويتوجهوا إلى التغيير السياسي السلمي للسلطة من خلال الانتخابات، والاشتراك فيها إما بطريقة صناعة وتأسيس كيانات جديدة أو المشاركة كناخبين".
واندلعت التظاهرات العراقية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، عقب دعوات انطلقت عبر موقع "فيسبوك" على إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تتفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق خلال ساعات قليلة.
وطوال السنة الماضية، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين، وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 700 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً آخرين، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.