أعلن حزب "المحافظين" الحاكم في بريطانيا، اليوم الاثنين، انتخاب وزيرة الخارجية، ليز تراس، زعيمة للحزب، وبالتالي رئيسة للوزراء خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل، بوريس جونسون، لتصبح من توصف بـ "مرشحة الاستمرارية" ثالث سيدة تشغل "داونينغ ستريت"، حيث مقر الحكومة بعد تيريزا ماي، ومارغريت تاتشر، كما كان متوقّعاً منذ انحصار المنافسة بينها وبين وزير المالية السابق، ريشي سوناك.
وحصلت تراس على 81 ألفاً و326 من أصوات ما يقارب 150 ألف ناخب محافظ، مقابل 60 ألفاً و399 حصل عليها منافسها سوناك.
وعلى الرغم من رفض حزب "المحافظين" الكشف عن معلومات مفصلة لوسائل الإعلام بشأن من شاركوا في الانتخاب، بحجة أن اختيار القيادة هي "مسألة داخلية خاصة بالأعضاء"، إلا أن الأغلبية العظمى من الناخبين في هذا السباق تنتمي إلى كبار السن والأثرياء والمحافظين المتشدّدين.
كما أن تلك الشريحة أدلت بأصواتها متطلّعة لاختيار زعيم جديد للحزب وليس رئيساً للحكومة، بدليل أن خطط سوناك الاقتصادية كانت تحاكي أيديولوجيتهم التقليدية المحافظة، إلا أنهم فضّلوا المرشّحة المفضّلة لدى زعيمهم "المخلوع" جونسون، ما جعلها تنال لقب "مرشحة الاستمرارية". هذا عدا عن أن استطلاعات الرأي الخاصة بالحزب بيّنت أن الأكثرية لا تزال مقتنعة بأن إجبار جونسون على التنحّي كان خطأ جسيماً، وأن عودته إلى الحكومة بمنصب كبير تحضيراً لترشّحه لرئاسة الحزب من جديد هو أمر مستحبّ سيتعين على تراس التمهيد له في حكومتها.
ومع نهاية عملية التصويت يوم الجمعة الماضي، أظهر استطلاع للرأي لصالح موقع "يوغوف" أن 2 بالمئة فقط من المشاركين يرون أن تراس ستكون ممتازة لمنصب رئيس الحكومة في حين أن 35 بالمئة يعتقدون أن تولّيها هذا المنصب هو أمر كارثي.
وفي حين أمضت تراس الشهرين الماضيين في مخاطبة المتشدّدين من حزب "المحافظين" ومحاكاة تطلّعاتهم، ستجد نفسها اعتباراً من هذه اللحظة مطالبة بمخاطبة الشارع البريطاني والإحاطة بمخاوفه. هي التي تهرّبت خلال المنافسة من لقاءات إعلامية كثيرة لعدم قدرتها على مواجهة الأسئلة المصيرية، لن تتمكّن من التهرّب بعد الآن من جلسة المساءلة الأسبوعية التي يعقدها البرلمان كل يوم أربعاء في مواجهة الأحزاب المعارضة. وستكون تراس بعد يومين في المواجهة الأولى لها مع زعيم حزب "العمال" المعارض كير ستارمر الذي سيسألها بالتأكيد عن أزمة غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الطاقة، وأزمة القطاع الصحي.
يُذكر أن المنافسة استمرّت 55 يوماً، وكان لافتاً أن يمضي المرشّحان تراس وسوناك كل فترة الصيف في المزايدة أحدهما على الآخر في ملفّات لا تشغل بال الناخبين حالياً، كملف ترحيل المهاجرين إلى رواندا، أو خصخصة الإعلام. في حين كان ولا يزال ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والتضخّم الذي وصل إلى نسب خيالية، ينغّص الشارع البريطاني وينبئه بالأسوأ.
ولم يقتصر الانطباع العام السيئ خلال الشهرين الماضيين على الحكومة الحالية، بل أيضاً على مستقبل حزب "المحافظين". وأشار استطلاع للرأي أجرته شركة "إيبسوس" قبل أيام، إلى أن ما يزيد قليلاً عن نصف سكان البلاد يريد إجراء انتخابات مبكّرة هذا العام، بينما يعارض الفكرة واحد من بين 5 أشخاص. كل هذا يأتي بالتوازي مع إعلان مكتب أسواق الغاز والكهرباء "اوفجيم" أن الحدّ الأقصى الجديد الذي حدّده لأسعار الطاقة هو 3549 جنيهاً إسترلينياً، أي أكثر بثلاثة أضعاف من العام الماضي، ما يعني أن 25 بالمئة من البريطانيين قد لا يتمكّنون مع الأشهر الأولى من ولاية تراس من دفع فواتير الطاقة الخاصة بهم، وبالتالي تدفئة منازلهم.
يُذكر أيضاً أن تراس رفضت تقديم أي خطة للتعامل مع أزمة غلاء المعيشة، أكبر كارثة تمرّ بها بريطانيا منذ قرن، واكتفت خلال الشهرين الماضيين بالحديث عن تخفيضات ضريبية نائية بنفسها عن "الصدقات". إلا أنها أعلنت البارحة في مقال نشرته "ذا تلغراف" عزمها اتخاذ إجراءات فورية بشأن فواتير وإمدادات الطاقة، تحضيراً لإجراء يعلن عنه وزير المالية في وقت لاحق من الشهر الجاري، بعد تشكيل حكومتها.
كما تعهّدت بوضع خطط لضمان تمكّن العائلات والشركات من اجتياز هذا الشتاء والشتاء المقبل. لكنها قالت في المقابل، إنها ستكون صادقة "فيما يتعين علينا القيام به"، وإن "الأوقات صعبة والعاصفة تمرّ من هنا". وربما لن تخفّف الأقوال من القلق الهائل الذي يشلّ ملايين الأسر البريطانية، وأيضاً الشركات وقطاع الأعمال والتجارة والمطاعم التي يخشى أصحابها من عدم قدرتهم على إبقاء أبوابها مفتوحة.
ومن المقرّر أن تتوجّه تراس، غداً الثلاثاء، إلى قصر بالمورال في إسكتلندا، حيث ستلتقي الملكة إليزابيث الثانية. وكان قصر باكنغهام قد أعلن، قبل أيام قليلة، أن الملكة لن تتمكن من اختصار إجازتها الصيفية والعودة إلى لندن لتنصيب رئيس الحكومة الجديد، وهي سابقة في فترة حكمها منذ سبعين عاماً. وسيسبق التنصيب، لقاء الملكة مع رئيس الحكومة المستقيل بوريس جونسون.
ومن المقرر أيضاً أن تبدأ تراس تشكيل الحكومة مساء الغد، ويرجّح أن تمنح الوظائف الرفيعة للموالين من اليمين ما سيطلق العنان "للفوضى المطلقة"، كما وصفها أحد الوزراء، نقلاً عن صحيفة "ذا أوبزرفر" الأسبوعية البريطانية.