ليبيا: وصول "داعش" يفاقم التحديات الأمنيّة والسياسيّة

09 أكتوبر 2014
ليون يؤكد أن "داعش" موجود بليبيا (جيانلويجي غيرسيا/فرانس برس)
+ الخط -

لم تعد التحديات التي تواجهها ليبيا تقتصر على أزمتها السياسية والاشتباكات العسكرية فحسب، مع تحذير المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا، برناردينو ليون، من تغلغل الجماعات المتشدّدة في ليبيا، واستغلالها تحلّل المؤسّسات الأمنيّة لتوسيع مناطق نفوذها.

ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية "آكي" عن ليون، تحذيره من تغلغل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ليبيا، في حال لم ينطلق، في القريب العاجل، حوار سياسي حقيقي بين كل الأطراف هناك، مبدياً تخوّفه من أن "تصبح ليبيا حقلاً مفتوحاً لتنظيم الدولة، والذي بوسعه إطلاق تهديداته من هنا في ليبيا".

وبحسب المبعوث الأممي، فإن التنظيم "موجود بالفعل في ليبيا وهناك اتصالات مستمرة، وجماعات من ورثة تنظيم "القاعدة" تتفاوض حاليّاً مع داعش"، مؤكداً "عودة مقاتلين إلى ليبيا، كانوا شاركوا في القتال في سورية والعراق". وكل ما يريده هؤلاء، وفق ليون، هو أن "تستمرّ الفوضى الراهنة وانعدام الرقابة السياسية لتعزيز مواقعهم، وعندها سيعرفون ماذا سيفعلون"، على حدّ تعبيره.

وعلى الرغم من خطورة تحذيرات ليون، وهو المبعوث الأممي الذي قاد حواراً في مدينة غدامس، جنوب غربي ليبيا في 29 سبتمبر/أيلول الماضي بين برلمانيين مؤيدين وآخرين رافضين لانعقاد مجلس النواب الليبي في طبرق، شرقي ليبيا، لكنّه يغفل في الواقع، أخطاراً أخرى لا تقلّ أهمية عن خطر الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة، منها محاولة العودة عن ثورة فبراير/شباط، والتي تقودها مجموعات لم يعُد يخفى على أحد تحالفها مع قادة النظام السابق العسكريين والمدنيين، أو إلغاء قانون العزل السياسي الذي أقرّه المؤتمر الوطني العام في الخامس من مايو/أيار الماضي، كحد أدنى للتفاوض والحوار مع مؤيدي عملية فجر ليبيا في طرابلس، ومجلس شورى الثوار في بنغازي.

تواجه ليبيا تحديات سياسية ومخاطر أمنيّة عدّة، في مقدّمها إمكانية تقسيم ليبيا عن طريق مجلس النواب المنعقد في طبرق والحكومة المنبثقة عنه، واللذين يتحركان في مدن مقسّمة، شرق ليبيا، خصوصاً في البيضاء وطبرق، وهما لا يسيطران على أدنى قرار داخل الدولة على الرغم من الاعتراف الدولي بهما. ولم يتوقف ليون أيضاً عند التحذير من محاولات التدخل المصري ــ الإماراتي  في الشأن الليبي، والذي وصل الى حدّ توجيه ضربات لمواقع عسكرية تابعة لقوات "فجر ليبيا" في العاصمة الليبية طرابلس، ومواقع أخرى مدنية، باعتراف كبار مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين.

كذلك يسقط ليون في محاولته لمّ الشمل الليبي، في الحوار الذي رعته وتبنّته الأمم المتحدة، الأطراف الليبية الحقيقية الفاعلة على الأرض، والتي تسيطر على مساحات شاسعة، إلى درجة يعتقد فيها بعض المراقبين أن ليون يؤزّم أكثر مما يُصلح. لم يدعُ نواباً عن "المؤتمر الوطني العام"، الخصم الدستوري لمجلس نواب طبرق أمام الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، ولم يتصل بممثلين عن "فجر ليبيا"، أو مجلس شورى الثوار، أو القوى الاجتماعية في مدن ليبيا الكبرى.

ويبدو واضحاً، أنّ ثمة اختزالين غير واقعيين، يقع فيهما العقل الغربي في تعامله مع القضية الليبيّة، ينطلق الأول من تصوير المشهد الليبي، على أنه صراع مسلح بين مليشيات متصارعة على السلطة ومركز القرار السيادي والمالي، مقابل إغفال حقيقة أنّ ما يحدث في ليبيا من صراع مسلّح يأتي ضمن الصراع الأكبر بين ثورة ومحاولة العودة عنها.

وليس انطلاق الساسة الدوليين ومنظمات الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي وصندوق النقد الدولي، في تقييم المشهد الليبي، من كونه نزاعاً بشأن السلطة وتقسيم التركة، إلا فراغاً معرفيّاً وخطأ منهجيّاً قد يقود الإصرار عليه إلى جرّ ليبيا إلى أزمة سيادية، سياسية وأمنية، عميقة وطويلة الأمد.

أما الاختزال الآخر حول الصراع المسلّح، فهو تنميط المشهد الليبي من أن ثمة "غول"، اسمه الجماعات الإسلامية المتشدّدة التي تسيطر على شرقي ليبيا، وتسعى إلى مدّ نفوذها عبر أغلب مناطق ليبيا، وأن البلاد ستكون المستودع الأخير لكل متطرفي العالم بعد توجيه ضربات جوية دولية ضد تنظيم "داعش" في سورية والعراق، والتغاضي التام عن معالجة القضايا الكبرى، وهي أن هذه الجماعات، ما هي إلا نتاج عقود من الاستبداد والفقر والتضييق، مارستها عليها وعلى شعوبها، أنظمة لطالما حظيت بمباركة وتأييد الدول الكبرى والمؤسّسات الأمميّة.