البعثة الأممية في ليبيا تقترح مفاوضات جديدة.. للتهدئة أم لاستمرار العملية السياسية؟

21 اغسطس 2024
ستيفاني خوري خلال إحاطتها لمجلس الأمن حول ليبيا، 20 أغسطس 2024 (لقطة شاشة)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تدهور الأوضاع في ليبيا**: حذرت ستيفاني خوري من تدهور الأوضاع بسبب الإجراءات الأحادية مثل تحركات قوات حفتر، إقفال حقل الشرارة، قرارات مجلس النواب، وقرار المجلس الرئاسي بعزل محافظ البنك المركزي.
- **الدعوة إلى مسار تفاوضي شامل**: أكدت خوري على ضرورة إطلاق مسار تفاوضي شامل بين الأطراف الليبية لاستئناف العملية السياسية، مشيرة إلى اتصالات غربية تطلب وقف التصعيد.
- **التنافس الدولي وتأثيره**: أشار الأكاديميون إلى أن التنافس الدولي، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا، يعقد المشهد الليبي، مع دعوة خوري للتفاوض لإدارة الصراع.

حذرت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري من تدهور الأوضاع السريع في ليبيا في الآونة الأخيرة، واقترحت إطلاق مسار تفاوضي سياسي بين الأطراف المحلية المتصارعة للحد من إمكانية تفاقم أكثر في مشهد البلاد المتأزم.

وذكرت خوري، خلال إحاطة قدمتها أمس الثلاثاء إلى مجلس الأمن الدولي، أنّ التدهور المتسارع للوضع أخيراً وتزايد توتره سببه "الإجراءات الأحادية التي اتخذتها جهات سياسية وعسكرية وأمنية"، بدءاً بتحرك قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الجنوب الغربي للبلاد ومسؤوليته عن إقفال حقل الشرارة النفطي في الجهة ذاتها، مروراً بقرارات مجلس النواب إقالة المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية وسحب صلاحية القائد الأعلى للجيش ونقلها إلى رئيس مجلس النواب، وانتهاء بقرار المجلس الرئاسي عزل محافظ البنك المركزي.

ولفتت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا إلى أنّ هذه الإجراءات الأحادية قابلتها إجراءات أخرى لمنعها، فتحرّك حفتر العسكري أدى إلى إعلان حالة النفير في أوساط قوات حكومة الوحدة الوطنية، وإنهاء ولاية السلطة التنفيذية في طرابلس، وقابله قرار من المجلس الأعلى للدولة يعلن عن عدم دستورية القرار باعتبار شراكته مع مجلس النواب في العملية السياسية وفقاً للاتفاق السياسي، كما أصدر مجلس النواب قراراً باستمرار محافظ البنك المركزي في منصبه لمنع المجلس الرئاسي من تغييره.

وأكدت خوري أنّ البعثة عملت جنباً إلى جنب مع الدول الأعضاء بمجلس الأمن لحثّ الأطراف الليبية على التهدئة والامتناع عن الإجراءات الأحادية، واقترحت إطلاق مسار تفاوضي شامل بين جميع الأطراف لاستئناف العملية السياسية، مشيرة إلى أنّ المسار الذي تقترحه يجب أن يبنى على محادثات لوضع مجموعة من تدابير بناء الثقة بين جميع الأطراف لخلق بيئة أكثر ملاءمة لاستئناف العملية السياسية. وبحسب خوري، فإنّ "غياب استئناف محادثات سياسية يفضي إلى تشكيل حكومة موحدة وتنظيم الانتخابات" سيؤدي إلى المزيد من التفاقم وتسارع انحدار البلاد إلى فوضى جديدة.

وكشفت مصادر ليبية متطابقة النقاب عن تلقي القادة الليبيين في مجلس النواب والمجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس اتصالات من جانب عواصم غربية عبر مسؤوليها في سفارتها بطرابلس، لا سيما البريطانية والأميركية، تطلب وقف التصعيد القائم في البلاد، والبدء في مشاورات للتوافق حول شخصية شاغل منصب محافظ البنك المركزي وتشكيل مجلس إدارته.

وبعد أسبوع من التصعيد السياسي وتبادل القرارات بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي، أصدر الأخير قراراً بتغيير محافظ البنك المركزي وتعيين بديل عنه، فيما رفض الأخير تسليم منصبه استناداً إلى قرارات مجلس النواب التي أكدت استمراره في منصبه، وعدم اختصاص المجلس الرئاسي بتعيين شاغلي المناصب السيادية.

ووفقاً لمعلومات أدلت بها المصادر ذاتها لـ"العربي الجديد"، وهي مصادر برلمانية من بنغازي وحكومية من طرابلس، فإنه على الرغم من التعنت الذي أبدته مواقف بعض الأطراف، إلا أنّ ملامح التهدئة وتراجع حدة الخطاب المتبادل بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي تعكس بدء خطوات فعلية للاتفاق على شخصيات تمثل كل الأطراف المتنافسة ليشكّلوا مجلساً لإدارة البنك المركزي يترك له مهمة اختيار المحافظ.

ويلفت الأكاديمي والباحث في الشأن الليبي فاضل الطويل إلى وصف القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري قرارات القادة بــ"الأحادية"، ويرى أن هذا الوصف تعني به خوري أن الجميع لم يعودوا يمتلكون الشرعية الكافية لإصدار القرارات الكبرى، وأنّ الأطر القانونية التي نصت عليها الاتفاقات الليبية السابقة باتت مفككة وغير قادرة على التقريب بين كافة الأطراف.

ويرى الطويل في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ خوري لم تكن بصدد توصيف الوضع القائم خلال إحاطتها، بقدر ما كانت توصل رسالة للمجتمع الدولي عن انهيار الوضع في ليبيا وعودة الفوضى المنذرة بالانحدار إلى حرب جديدة لا تحتملها الأوضاع الإقليمية، "فخطابها لم يكن يحمل الآمال السابقة كإجراء الانتخابات والقوانين الانتخابية، بل مطلب تدخل المجتمع الدولي من أجل التهدئة والاحتواء وحث الأطراف على اللجوء إلى التفاوض للحيلولة دون تفاقم الأمر وخروجه عن السيطرة".

وحول شكل عملية التفاوض السياسي التي أشارت إليها القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا، يرى الطويل أنها "بكل تأكيد ستكون بين الأطراف الحالية، أما الحديث عن إطار شامل للحوار يضم أطرافاً أخرى إلى جانب الأطراف الحالية، فهو كلام دبلوماسي للاستهلاك فقط، فمطلب خوري واضح وهو التهدئة والسيطرة على الوضع من خلال الأطراف الحالية نفسها، لأن الصراع يدور بينها، وهو ما يفهم من دعوتها لاستئناف العملية السياسية، وهي عملية جرت بين الأطراف الحالية، وعليه لا جديد في الأفق القريب سوى تجديد الدعوة للتفاوض وترك المجال لعودة المناكفات بهدف تجميد الوضع الذي يتطلبه السياق الإقليمي والدولي المنشغل في صراعات أخرى أهم بالنسبة للمصالح الدولية".

وبينما ينتهي الطويل في قراءته لحديث خوري إلى أن دعوة التفاوض السياسي الجديد لن تتجاوز حد إدارة الصراع بهدف السيطرة عليه، بإشغال الأطراف حول التوافق على كيفية إدارة المال ومصادره، خاصة من خلال الجدل القائم حول المصرف المركزي وإدارته، لا يرى أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي في المقابل وجود أي أفق منظور لإطلاق عملية سياسية جديدة.

ويلفت النفاتي إلى أن حديث خوري عن القرارات الأحادية "جاء في تدرج مقصود، من التصعيد العسكري بين جانبي حفتر وقوة الحكومة في طرابلس، إلى التصعيد السياسي بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي، ثم التصعيد المالي والاقتصادي حول البنك المركزي"، معتبراً أنّ خوري كانت تنبه إلى ارتسام خريطة صراع في طور جديد، و"يبدو أن هذا الطور الجديد يقف وراءه تنافس دولي غير معلن"، وفق قوله.

ويشير النفاتي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "كلمات أعضاء مجلس الأمن تعليقاً على إحاطة القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا لم تعكس بأي معنى وجود اجتماع رأي دولي بشأن ليبيا، فكل ممثل تحدث عن سياسات مختلفة لدولته في الملف الليبي". لكن النفاتي يستدرك بالقول: "الجديد في التعليقات على إحاطة خوري هو تراجع التنابز السابق بين واشنطن وموسكو في الشأن الليبي، وكأن التنافس بينهما انتقل إلى مرحلة جديدة"، مستدلاً على ذلك بتغيّر في خريطة الصراع الليبي "تعكس انتقال التنافس الروسي الأميركي لمرحلة أكثر تطوراً"، بحسب رأيه.

ويدل النفاتي على ذلك بأنّ "المشهد الليبي شهد تغيّراً في الآونة الأخيرة، فمجلس النواب وحفتر بديا أكثر تناسقاً أخيراً، فبعد تحرك حفتر العسكري في الجنوب الغربي الذي يمثل نطاق التحركات الروسية في اتجاه مناطق نفوذها الأفريقية، ذهب مجلس النواب لانتزاع صلاحية القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي استعداداً لشرعنة تحركات حفتر، الذي يحمي الروس ضد أي اعتراض على نقص شرعية قوته".

ويضيف النفاتي أنّ جبهة طرابلس "شهدت هي الأخرى تغيّراً كبيراً، بدفع المجلس الرئاسي للواجهة مقابل تراجع مجلس الدولة الذي لم يعد يقوى على كسر تفرد مجلس النواب بالقرارات، فالمجلس الرئاسي يملك الشرعية الدولية واعتراف الأمم المتحدة، كما أنه حِلٌ من الشراكة مع مجلس النواب بخلاف مجلس الدولة المرتهن دوماً لمجلس النواب"، مرجحاً أن يظهر دعم سياسي أميركي أوروبي وشيك لتصدير المجلس الرئاسي في الواجهة.

ويشدد النفاتي على ضرورة عدم إغفال التنافس الأميركي الروسي في ليبيا والمنطقة، مضيفاً: "القول بانشغال واشنطن بانتخاباتها وموسكو بقضاياها الأخرى، لا يعني تراجع تنافسهما في ليبيا بل ربما يكون أشد من ذي قبل، وعليه فأي مفاوضات سياسية تعنيها القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا لم تكن سوى مفاوضات طور جديد من أطوار التنافس الدولي في ليبيا لكن بآليات جديدة تفرضها مرحلة الصراع للسيطرة على موارد المال والنفط".