أفادت مصادر برلمانية من طبرق بأنّ رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، لم يحسم أمره بعد بشأن عودته إلى ممارسة أعماله كرئيس للمجلس، وذلك بعد أشهر من تركه مهامه لنائبه الأول فوزي النويري، للتفرغ للانتخابات الرئاسية التي ترشح لها.
وقالت المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "صالح يتحرّك وسط حذر شديد تتنازعه رغبته في المحافظة على موقعه في خريطة المترشحين للانتخابات، ومخاوفه من خروج قرار مجلس النواب عن سيطرته".
وأكدت المصادر أنّ الأنباء المتداولة بشأن إمكانية عودة صالح القريبة وترؤسه جلسة مجلس النواب يوم 27 يناير/كانون الثاني الجاري، التي ستخصص للاستماع إلى تقرير اللجنة النيابية المكلفة إعداد خريطة طريق للمرحلة المقبلة، لا تزال غير مؤكدة، في ظل عدم إبلاغه رئاسة المجلس بعودته بشكل رسمي.
وترشح صالح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ودخل في إجازة قبل موعد الانتخابات السابق بثلاثة أشهر، كما تنص على ذلك قوانين الانتخابات، فيما كلف نائبه الأول فوزي النويري رئاسة هيئة المجلس.
واعتبر مصدر آخر أنّ الحديث عن اختيار صالح يوم 27 يناير/كانون الثاني الجاري موعداً لرجوعه، قد يتعلّق برغبته في تجاوز يوم 24 يناير/كانون الثاني، وهو الموعد الجديد للانتخابات الذي اقترحته مفوضية الانتخابات الليبية، لكن في الوقت عينه أشار المصدر إلى أنّ صالح لديه مخاوف بشأن عدم اتخاذ المفوضية أي إجراءات بشأن إلغاء القائمة الأولية للمترشحين للرئاسة وإبقاء أوضاعهم معلّقة، ما يعني أنّ رجوعه إلى مهامه يفقده حق الترشح.
وسبق أن رفض صالح لقاء رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية عماد السايح، مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكونه مرشحاً رئاسياً، رغم القناعة التي كانت سائدة في الأوساط الليبية وقتها، باستحالة إقامة الانتخابات حتى في يوم 24 يناير/كانون الثاني، بالإضافة إلى تفضيل صالح لقاء رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في المغرب الأسبوع الماضي، بعيداً عن الأضواء، فضلاً عن ظهوره الإعلامي للتعليق على تصريحات المشري بشأن بدء اتصالات كثيفة بينهما للترتيب للقاء.
وكشفت المصادر النقاب عن أسباب أخرى شكلت قلقاً لدى صالح، وقد تسرّع من عودته لتولي مهامه، وتتعلق بتوجسه من إمكانية أن يُحدث استمرار غيابه فراغاً يُمكّن خصومه من السيطرة على هيئة الرئاسة وقرارها، موضحة أنّ صالح بدا متوجساً من النيات التي تقف وراء قرارات نائبه الأول فوزي النويري، المكلّف رئاسة المجلس بالنيابة، ومنها توسعه في تشكيل اللجان النيابية لتوسيع دائرة المشاركة، مؤكدة أنّ صالح أبدى مخاوفه بشكل فعلي لبعض مستشاريه من شعوره بتسرّب قرار المجلس من يده.
وخلال أقل من شهر، شكّل النويري ثماني لجان نيابية، أُولاها لجنة لمتابعة عمل المفوضية في العملية الانتخابية، ولجنة لإعداد خريطة طريق للمرحلة المقبلة، وست لجان أخرى لمتابعة توحيد المناصب السيادية.
وفيما دللت المصادر على ذلك بـ"الفشل الذريع الذي لاقاه سعي صالح لحشد أكبر عدد من أصوات النواب لتشكيل نصاب قانوني يسمح له بإعادة تشكيل الحكومة"، أكدت أنّ تلك المخاوف كانت من بين الدوافع التي حدت به إلى القبول بالتقارب مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، لتعزيز موقعه السياسي في مجلس النواب.
ولا يعكس عمل مجلس النواب الليبي أي تغيير جديد يناكف مصالح عقيلة صالح، فالتعاطي مع رغبات مجلس الدولة في إنشاء تقارب سياسي معه على أساس التوافق على الدستور، يسير في ركاب تقارب عقيلة مع المشري، لكن المتغير الجديد يبدو في إدارة النويري لجلسات المجلس التي لقيت استحساناً واسعاً من قبل طيف من النواب.
وتؤشر تصريحات صحافية لعضو مجلس النواب زياد دغيم، التي أشاد فيها بإدارة النويري لمجلس النواب الليبي، على حقيقة تلك التغيرات التي قد تؤكد مخاوف صالح منها، فقد رأى دغيم أنّ النويري "أعاد الهيبة إلى المجلس من خلال احترامه النظام الداخلي والعمل الجماعي".
وقال دغيم، في تصريحات صحافية، الاثنين الماضي، إنّ النويري "نجح في تحرير ختم مجلس النواب من جيوب العبث والتجاوز وازدراء القوانين والإعلان الدستوري والارتهان للسفراء والخارج"، ودعا إلى أن تشمل خريطة الطريق التي تعمل عليها اللجنة النيابية "تجديد الدماء عبر وضع شرط الدورة البرلمانية لتغيير الرئيس".
وباءت عديد المحاولات في السابق لإطاحة صالح من منصبه بالفشل، ومنها اجتماع عدد من النواب في طنجة المغربية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ومحاولة أخرى في غدامس وصبراتة داخل ليبيا، في فبراير/شباط 2021، إذ لم تتمكن المحاولتان من إحداث أي تغيير في رئاسة المجلس، على الرغم من معارضة طيف كبير من النواب لمباركة عقيلة صالح عدوان اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.