ليبيا: خلط أوراق يسبق الانتخابات

24 سبتمبر 2021
يستعد حفتر للترشح إلى الانتخابات (أريس ماسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت ملامح المرحلة الفاصلة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، تتضح، مع إعلان قائد مليشيات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر تعليق مهامه الرسمية لمدة ثلاثة أشهر استعداداً للترشح إلى الانتخابات الرئاسية، فيما فضل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الخروج في إجازة طويلة، ولمدة ثلاثة أشهر أيضاً، بعدما فجر أزمة سياسية بسحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة في خطوة لاقت اعتراضات داخلية وخارجية.
وفي حين تصاعد الجدل بشأن قرار مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، سحب الثقة من الحكومة، ما زاد من الغموض بشأن إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها، دخلت ألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا، على الخط بقوة، مع تأكيدهم أن إحلال الاستقرار في ليبيا يتطلب إجراء الانتخابات في موعدها، فيما كانت تركيا أوضح، إذ أعلنت دعمها لحكومة الدبيبة.

تخلى خليفة حفتر عن منصبه كـ"قائد عام" لمدة ثلاثة أشهر

وزاد إعلان رئاسة مجلس النواب، بشكل مفاجئ الثلاثاء الماضي، عن سحب الثقة من الحكومة، من التوتر بين الطرفين. ومقابل تزايد عدد النواب المشاركين في الجلسة البرلمانية الأخيرة الذين أعلنوا رفضهم لقرار سحب الثقة ووجود تلاعب في عد الأصوات، على خلفية إعلان رئاسة المجلس أن المصوتين على القرار هم 89 من أصل 113 نائباً شاركوا بالجلسة، أصدرت رئاسة البرلمان، عبر تصريحات متلاحقة للمتحدث الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق، توضيحات بشأن العدد الكلي للمصوتين، محاولة تبرير موقفها بالإشارة إلى أن 11 نائباً صوتوا كتابياً من خارج الجلسة.
لكن كل ذلك بدا غير مقنع. وأصدر 38 نائباً ليل الثلاثاء الماضي بياناً أجمعوا خلاله على رفض القرار، وأكدوا عدم صحة عدد النواب المصوتين على القرار. كما أشار النواب في البيان إلى عدم دستورية القرار من نواح أخرى، من بينها إجرائياً، حيث تنص لوائح المجلس الداخلية على ضرورة أن يكون التصويت سرياً. وأكدوا أن اللوائح الداخلية، التي استندت إليها رئاسة المجلس أصبحت غير قانونية، بعد تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، والذي ينص على ضرورة توفر 120 صوتاً لسحب الثقة من الحكومة.
وفيما احتكم الدبيبة للشارع، مطالباً المواطنين، في كلمة أمام متظاهرين في طرابلس ليل الثلاثاء الماضي، بالخروج في تظاهرات في المدن الليبية، مساء اليوم الجمعة، للتعبير عن موقفهم من قرار مجلس النواب، بدأ موقف الحكومة من قرار سحب الثقة منها يتضح. فبعد أن أكد الدبيبة، في كلمته أمام المتظاهرين، استمرار حكومته في ممارسة أعمالها، أوضح المتحدث الرسمي باسم الحكومة، محمد حمودة، موقفها من القرار بشكل صريح، وأنه "باطل دستورياً وإجرائياً". ونفى أن يكون الدبيبة قد دعا الشارع إلى "العصيان"، بل أرجع دعوته للتظاهر إلى أنها تشجيع للمواطنين على توضيح موقفهم أياً يكن.

وتزامنت تصريحات حمودة، مع إعلان مفاجئ آخر، يتعلق بتخلي قائد مليشيات الشرق الليبي خليفة حفتر عن منصبه كـ"قائد عام، لمدة ثلاثة أشهر"، اعتبره العديد من المراقبين بأنه قرار واضح يعكس عزمه على الترشح للانتخابات المقبلة. ويبدو أن حفتر يحاول الاستفادة من قانون الانتخابات الرئاسية المثير للجدل، الذي اعتمده مجلس النواب دون تصويت، وأقره صالح، قبل نحو أسبوعين، ويسمح لـ"العسكري الترشح لمنصب الرئيس شرط التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بـ 3 أشهر" وأنه "إذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله"، فيما اشترط قانون الانتخابات الرئاسي الصادر عن المجلس الأعلى للدولة على العسكريين مضي عامين على الأقل على انتهاء مدة خدمتهم للترشح. وكانت مصادر برلمانية ليبية في طبرق قالت، لـ"العربي الجديد" أمس الأول، إن صالح فضل الخروج في إجازة لمدة ثلاثة أشهر هرباً من موجة الاستياء التي واجهها بعد قرار سحب الثقة من الحكومة، مضيفة أن "عقيلة ربما يتحجج للرأي العام بأنه يريد الاستعداد للانتخابات المقبلة".
وفي حين أقر الباحث الليبي في الشأن السياسي إبراهيم الشعيبي، أن قرار صالح أدخل المشهد الليبي في "حالة ارتباك وصدمة لا يمكن معها تكهن أي شيء"، إلا أنه أوضح، في المقابل، أن جميع الأطراف بدأت عملية مراجعة وترتيب أوراقها، بعد القرار الصادم. ونبه الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن صالح لا يزال يمارس سياسة المراوغة. وقال "هو تقدم فعلياً بطلب إجازة، لكن رئاسة المجلس لم تعلن عنها، ليبقى الحاضر الغائب، ويسمح لنفسه بالمناورة متى شاء"، مؤكداً أنها خطوة من جانبه لمحاولة ترتيب أوراقه.

نفى محمد حمودة أن يكون الدبيبة دعا الشارع إلى العصيان
 

ورأى الشعيبي أن تصريحات حمودة، التي نفى فيها دعوة رئيس الحكومة للتظاهر في الوقت الذي أكد فيه بطلان قرار سحب الثقة، تشير إلى أن الدبيبة هو الآخر يراجع خطواته ويرتب أوراقه. وقال "أعتقد أنه كان مدفوعاً بالهبة الشعبية الرافضة للقرار، لكن مستشاريه أوعزوا له فيما بعد أن الركون إلى الشارع خطوة محفوفة بالمخاطر، فصالح له أنصاره أيضاً وعامل التعصب القبلي في الشرق يمكن أن يُخرج تظاهرات مؤيدة للقرار". وتابع: "الدبيبة يبدو أنه صاحب الحظ الأوفر في هذه المعركة. فعدم اكتراث المجتمع الدولي بقرار صالح يشير إلى رغبته الاستمرار في الاعتراف بالحكومة، وأن قرار صالح قد يربك حسابات دولية كبيرة تتعلق برغبتها في استقرار ليبيا للتفرغ لملفات أخرى في المنطقة".
لكن الباحثة الليبية المهتمة بالشأن السياسي هنية فحيمة أشارت إلى أن "صالح لم يفقد كل أوراقه، وأهم أوراقه الباقية هي الانتخابات والقوانين الخاصة بها". ولفتت إلى أنه "لا يزال لديه القدرة على خلط كل هذه الأوراق من خلال رفع وتيرة الصدام مع المجلس الأعلى للدولة الذي أصدر هو الآخر قوانينه الخاصة بالانتخابات، وعارض قرارات مجلس النواب الأحادية في ذلك". وأوضحت فحيمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار حفتر التخلي عن منصبه يشير إلى وقوفه في صف صالح خلال المواجهة الحالية، ودليل على رغبة صالح وحفتر في رفع وتيرة الخلافات مع المجلس الأعلى والتأثير على المسار الانتخابي. وقالت إن "تنحي حفتر قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات يعني توفير شرط الترشح للانتخابات الرئاسية وفق نصوص قانون انتخاب الرئيس الذي أصدره مجلس النواب الذي يشترط على العسكري تخليه عن منصبه قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات". وأشارت إلى أن "إعلانه عن تركه منصبه بعد أيام من إعلان المجلس الأعلى عن قوانينه الخاصة بالانتخابات، والتي تمنع العسكري من الترشح إلا بعد مرور عامين على تركه لمنصبه، يعني أن حفتر دخل ساحة الصراع السياسي الحاصل وانحاز إلى (موقف) صالح".
وحول السيناريوهات المتوقعة، رجحت فحيمة أن "يتم اعتماد قوانين مجلس النواب للانتخابات لإجرائها في موعدها"، والهدف، وفقاً لرأيها، سحب كل الأوراق التي يتمسك بها قادة المشهد ومنها ورقة الانتخابات فـ"حفتر تراجعت شعبيته وسيمنى بنكسة سياسية بعد الخسارة العسكرية، كما أن صالح لا حظوظ له (للفوز بالانتخابات الرئاسية)، كما أن فترة الثلاثة أشهر كفيلة بتراجع شعبية الدبيبة، إذ إنها لن تتيح له تنفيذ مشاريعه التي وعد الليبيين بها".
دولياً، نقل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في بيان أمس الخميس، عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن تأكيده "دعم الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا في 24 ديسمبر، وحث القادة الليبيين على اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان (إجراء) انتخابات حرة ونزيهة على النحو الذي حددته خريطة طريق منتدى الحوار السياسي الليبي، بما في ذلك الحاجة إلى اتفاق بشأن إطار دستوري وقانوني". وأكد دعم الولايات المتحدة لأن تكون ليبيا "دولة ذات سيادة ومستقرة وموحدة وآمنة خالية من التدخل الأجنبي".
وأعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، بعد اجتماع مع وزراء خارجية أميركا وإيطاليا لويجي دي مايو وفرنسا جان إيف لودريان، في نيويورك مساء الأربعاء الماضي، أن المجتمعين أكدوا على أن "إحلال الاستقرار في ليبيا يتطلب إجراء الانتخابات في موعدها، وانسحاب المرتزقة من البلاد".
وفي حين التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، في اتصال هاتفي مع الدبيبة، أمس الأول، استمرار دعم بلاده لحكومة الوحدة الوطنية كحكومة شرعية في البلاد. وأكدت مصادر برلمانية من طبرق، لـ"العربي الجديد"، أن صالح تلقى عدة اتصالات من أطراف دولية، عبرت عن استيائها من قرار سحب الثقة من الحكومة في هذا التوقيت الحساس المرتبط بمرحلة الإعداد للانتخابات المقبلة.