استمع إلى الملخص
- الانقسام استمر رغم محاولات الحل، حيث أشار أستاذ القانون الدستوري أحمد العاقل إلى ضرورة تدخل القضاء لحسم الخلاف، مع احتمال إعادة الانتخاب.
- الأزمة تعكس صراعًا سياسيًا بين تيارين متعارضين، حيث يقترح الناشط أشرف النيهوم حلولًا توافقية، مشيرًا إلى أن الأزمة تخدم مصالح أطراف تسعى لتعطيل دور المجلس.
أعاد حكم قضائي صادر عن إحدى محاكم العاصمة الليبية طرابلس، أمس الاثنين، بشأن وقف تنفيذ نتائج جلسة انتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة، التي انعقدت مطلع أغسطس/ آب الماضي، الجدل والخلافات داخل مجلس الدولة إلى واجهة المشهد، دافعاً به إلى تحديد قدرته على تجاوز أزمته. وعلى الرغم من أن القضاء رفض في السابق النظر في طلبات استقبلها من مجلس الدولة، للفصل في نتائج انتخابات رئيس المجلس، لعدم اختصاصه في الفصل في مثل هذه القضايا التي تتسم بالطابع الإداري، ووجوب لجوء مجلس الدولة إلى لوائحه الداخلية لحسم الخلاف حول انتخابات الرئاسة، فإن موقف محكمة جنوب طرابلس، أمس الاثنين، استند إلى طعن قدمه محمد تكالة، المنافس لخالد المشري في انتخابات رئاسة المجلس، أثبت فيه وجود ضرر أدى إلى انشقاق وانقسام المجلس، ما حال دون قيام رئاسة المجلس بواجبها.
وبدأت أزمة مجلس الدولة عند إعلان نتائج انتخابات رئاسة المجلس التي جرت في السادس من أغسطس/ آب الماضي، بفوز خالد المشري بواقع 69 صوتاً مقابل منافسه محمد تكالة الذي حصل على 68 صوتاً، عند إلغاء ورقة أحد المقترعين التي ظهرت عليها كتابة إضافية، اعتبرها المشري علامة تمييز تبطل وفقاً لنصوص اللائحة الداخلية للمجلس، فيما اعتبرها تكالة كتابة لا تشير إلى تمييز، ويتوجب احتسابها لتعادل نتيجته أمام نتيجة تصويت المشري، وإجراء جولة ثالثة لحسم النتيجة بشكل نهائي.
لقاء تمسك المشري وتكالة بموقفهما، أعلن تكالة الذي كان يترأس جلسة الانتخابات نقل القضية إلى المحكمة العليا التي حكمت بعدم اختصاصها بالفصل في القضية، كونها ذات طبيعة إدارية يرجع الفصل فيها إلى لوائح مجلس الدولة، لينقسم أعضاء المجلسين إلى فريقين، كل منهما يقف في صف المشري أو تكالة، وتسبب هذا الانقسام في تعطيل جلسات المجلس منذ ذلك الوقت. ويتمسك تكالة بصحة احتساب ورقة التصويت كونها لأحد المصوتين له، ما يجعله في حالة تكافؤ في الأصوات لإجراء جولة اقتراح ثالثة، ويستند لتأكيد صحة هذه الورقة في أن اسمه كُتب على ظهرها وليس في الخانة المعدة لكتابة اسم المرشح، بالخطأ، وأن ذلك لا يُعدّ علامة تمييز.
لم تفلح الإجراءات والخطوات التي قام بها المجلس لرأب الصدع، كإعلان اللجنة القانونية بالمجلس صحة انتخاب المشري، وكذلك اجتماع جميع أعضاء اللجان الدائمة بالمجلس في 22 أغسطس الماضي وتأييدهم صحة انتخابه، وتأييد مجلس النواب، الذي يُعدّ الشريك الأساسي لمجلس الدولة في العملية السياسية، صحة انتخاب المشري كذلك.
يؤكد الأكاديمي وأستاذ القانون الدستوري، أحمد العاقل، أن النظام الداخلي لمجلس الدولة "مختص بالنظر في مثل هذا الخلاف وحسمه من واقع لوائح المجلس الكفيلة بذلك، لكن لم يعد الآن قادراً على حسم الخلاف بسبب الانقسام الحاد داخل أعضاء المجلس، ومن بينهم أعضاء في اللجنة القانونية، ولذا من الضروري أن يحسم القضاء في الأمر، رغم الاشتباك الكبير في خيوط القضية". ويلفت العاقل لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القضية لم تعد تتعلق بورقة أثارت الجدل والخلاف، فاللائحة الداخلية للمجلس كفيلة بحسم ما إذا كان صاحبها كتب اسم مرشحه بالخطأ أو بقصد التمييز، وهو ما بينته اللجنة القانونية بالفعل، وأبطلت صحة احتساب الورقة، لكن الطعون توالت وزادت، لتضم وجود أعضاء بالمجلس شاركوا في جلسة التصويت على الرغم من انتهاء عضوياتهم فيه، وهي طعون تحمل صبغة دستورية تحتم ضرورة فصل القضاء فيها بشكل نهائي، وأصوب الآراء قانوناً أن تعاد عملية الانتخاب من أصلها".
لكن في المقابل يرى الناشط السياسي، أشرف النيهوم، أن الخلاف الذي أوصل مجلس الدولة إلى أزمة انقسامه الحالية "سياسي، ولا يمكن أن يحسمه القانون والقضاء، فلا يشك المتابع أن تكالة والمشري يمثلان تيارين سياسيين متعارضين، تقف وراء كل منهما أطراف أساسية في الصراع القائم في البلاد"، مضيفاً "هناك العديد من الحلول التوافقية التي تحفظ وحدة المجلس، ومنها انسحاب تكالة والمشري، وإعادة انتخاب رئيس المجلس من واقع شخصيات أخرى، لكن تمسك تكالة والمشري حقيقته هو مصالح الأطراف التي تدعمهما".
ويحدد النيهوم، وفق رأيه، أساس أزمة مجلس الدولة بـ"وجود متغيرات في طبيعة مرحلة الصراع، تقضي مصالح أحد الأطراف فيها إلى تعطيل دور مجلس الدولة والدفع بجسم جديد كطرف معادل لمجلس النواب، بديلاً عن مجلس الدولة، وهنا أقصد الحكومة في طرابلس التي ليس خافياً أنها من تدعم حليفها تكالة ضد المشري، حليف مجلس النواب، في مساعي تشكيل حكومة بديلة عن الحكومة في طرابلس".
ويعبّر النيهوم عن اعتقاده بأن خريطة الصراع بات المجلس الرئاسي في طرابلس يمثل فيها الحكومة بصعوده المفاجئ، منذ أن دخل مجلس الدولة في أزمته، متابعاً بالقول "لهذا السبب أرى أن أزمة مجلس الدولة لن يحسمها القضاء، ولو بالحكم بإعادة عملية انتخاب الرئيس، فالمشري سابقاً قبل برأي القضاء والآن سيعارض، وتكالة سيفعل الشيء ذاته إذا كان الرأي القانوني لا يخدم هدف بقائه، بل الإبقاء على المجلس في أزمته مناسب جداً لمصلحة الدفع بالمجلس الرئاسي طرفاً جديداً، خاصة أن تراجع مجلس الدولة سيسمح له بفرصة ليتحرك لفرض نفسه من خلال صلاحياته الرئاسية كورقة جديدة من أوراق الصراع التي لا تنتهي".