يتواصل الانقسام في ليبيا حول اختيار مجلس النواب، يوم الخميس الماضي، وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، رئيساً للحكومة الانتقالية، في ظلّ جدل واسع حول قانونية هذه الخطوة.
وأعلنت رئاسة المجلس الأعلى للدولة، أمس السبت، تأجيل اجتماع كان مقرّراً أن تعقده في اليوم ذاته، لمناقشة قرارات البرلمان بشأن اختيار باشاغا، وتضمين التعديل الدستوري حول تنظيم المرحلة الواصلة إلى الانتخابات، في الإعلان الدستوري.
وأجّل المجلس الأعلى للدولة جلسته أمس لمناقشة قرارات البرلمان. وقال عضو اللجان الدائمة في المجلس، المكلفة بالتواصل مع مجلس النواب، عادل كرموس، لـ"العربي الجديد"، إن الجلسة (أمس) "استُبدلت باجتماع تحضيري لرؤساء اللجان الدائمة في المجلس"، من دون تحديد موعد جديد لعقدها.
وكان يفترض أن يشارك باشاغا في الجلسة، لعرض برنامجه الحكومي. وأكد كرموس صحة إجراء تزكية 52 عضواً من أعضاء مجلس الدولة لباشاغا، وصحة تضمين مجلس النواب التعديل الدستوري في الإعلان الدستوري، الخميس الماضي.
وفي وقت لاحق من مساء أمس السبت، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، إن المجلس لم يتخذ "موقفاً نهائياً فيما يخص اختيار رئيس حكومة جديد"، مؤكداً أن الصيغة التي اتفق عليها المجلس مع مجلس النواب ستعرض للتصويت في جلسة مقبلة لـ"تكتسب الشرعية".
وأوضح المشري، في كلمة بثها المكتب الإعلامي لمجلس الدولة على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أن التعديل الدستوري الذي تم الاتفاق عليه مع مجلس النواب سيعرضه مجلس الدولة أيضاً للتصويت في جلسة عامة مقبلة، مشيراً إلى أن خيار الذهاب إلى التعديل على الدستور المنجز من هيئة صياغة الدستور جاء بعد فشل إجراء الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وقال "بعد فشل إجراء الانتخابات أيقن الجميع أنه لا بد من توافق المجلسين"، مشيرا إلى أن مجلس الدولة كان يطالب بضرورة أولوية الاستفتاء على الدستور على تعديله، مستدركا "لكن رضينا بالتعديل على الدستور لكي نصل على توافق".
وأكد المشري أن مجلسه لن يسمح بحدوث صدام أو عنف بسبب ملف السلطة التنفيذية، معتبراً أن تأجيل الانتخابات بعد 14 شهراً جاء بطلبات رسمية من الجهات المعنية بالاستحقاق "مثل السجل المدني والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات"، مشيراً إلى أن هذه المدة لم توضع بشكل عشوائي.
وقال المشري "هذه المدة لم يضعها مجلس الدولة أو مجلس النواب هي مدة كافية لضمان إجراء الاستحقاق من دون وجود مشكلات أو تزوير"، مؤكداً تجاوب مجلسه مع إجماع الليبيين على ضرورة انتهاء الأجسام السياسية القائمة حاليا.
أجّل المجلس الأعلى جلسة أمس لمناقشة قرارات البرلمان
في موازاة ذلك، طالب رئيس الحكومة الانتقالية عبد الحميد الدبيبة، مجلس النواب بـ"الرحيل"، مشيراً إلى أنه سيعلن عن خطة لإجراء الانتخابات، تحت مسمى "خطة عودة الأمانة للشعب"، وذلك يوم الخميس المقبل، بمناسبة ذكرى ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
وهاجم الدبيبة، أمس السبت، خلال كلمة ألقاها أمام ملتقى "أعيان وحكماء وعمداء بلديات الساحل الغربي والجبل للمصالحة ولمّ الشمل في بلدية رقدالين"، أقصى غربي البلاد، مجلس النواب، معتبراً أنّ "قلة" في المجلس "تنفرد بالقرار"، وأنّ "ما تقوم بإقراره تحت قبّة البرلمان عبث ومهزلة يشوبهما التزوير والتدليس، ولا يشرّفان الشعب الليبي".
وقال الدبيبة: "يجب على هذا المجلس أن يرحل، فهو يصدر القرارات بالتزوير والتلفيق، وهو المسؤول عن كل هذه الفوضى والدماء والحروب".
وطالب الدبيبة الليبيين بدعم مطلب الانتخابات وضرورة إجرائها في أقرب وقت، وعدم السماح للطبقة السياسية بجرّ البلاد لـ"الفوضى مجدداً".
وجدّد حديثه عن مشروع مشاورات موسع، بدأه مع عدد من الأطراف الليبية، بهدف إجراء الانتخابات في موعد أقصاه يونيو/حزيران المقبل، مشيراً إلى أن مشاوراته شملت ما تحتاجه الانتخابات "من إجراءات قانونية وتنظيمية". وحثّ الليبيين في كافة أنحاء البلاد على الخروج في 17 فبراير إلى كل الميادين للمطالبة بالانتخابات ورفض التمديد.
وكان الدبيبة قد أكد بعد اختيار باشاغا رئيساً جديداً للحكومة، عن استمراره في ممارسة عمله "وفقاً للمدد الزمنية المنصوص عليها في خريطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار السياسي"، مشدداَ على أنه لا يحق للبرلمان إنهاء ولاية حكومته وتكليف رئيس جديد للحكومة.
ومنذ اللحظة الأولى لإعلان مجلس النواب اختيار باشاغا رئيساً للحكومة، أثار عدد من أعضاء مجلسي الدولة والنواب ومراقبون، أسئلة حول قانونية تصويت البرلمان بشأن هذا الاختيار، وتضمين التعديل الدستوري الـ12 في الإعلان الدستوري.
وأصدر 15 نائباً، يوم الخميس الماضي، بياناً مشتركاً، أعربوا فيه عن تشكيكهم في "مشروعية التصويت" على قرار تضمين التعديل الدستوري، موضحين أن "ما جرى إقراره في جلسة مجلس النواب من تعديل للإعلان الدستوري، لم يجر التصويت عليه داخل القاعة بنعم أو لا، والذي يتطلب موافقة أغلبية موصوفة من أعضاء المجلس، وهي ثلثا عدد أعضاء المجلس زائد واحد".
وكما انقسمت مواقف أعضاء مجلس النواب من قراراته الأخيرة، بقيت مواقف أعضاء المجلس الأعلى للدولة منقسمة أيضاً حيال هذه القرارات. وأعرب عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، عن ترحيبه باختيار رئيس جديد للحكومة، كونه "القرار الأول لتشكيل حكومة الذي يأتي بأيادٍ ليبية منذ عام 2014 ومن دون تدخل أممي أو للدول المتدخلة في الشأن الليبي".
ورأى بن شرادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن جلسة البرلمان الخميس الماضي، "أنهت المسألة الدستورية، كما هو متفق عليها بين مجلسي النواب والدولة على تضمين التعديل الدستوري في الإعلان الدستوري وتغيير الحكومة".
وأشار إلى أن لا صحة لما صرح به أعضاء من مجلس الدولة بشأن عدم موافقة المجلس على القرارين، معتبراً أنّ "الخلاف بين أعضاء المجلس أمر طبيعي، فلكل قرار معارضون".
وحول رفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، رأى بن شرادة أن هذا الموقف "أصبح تقليداً من قبل الجميع"، وأن لا خيار أمام الدبيبة "سوى الانصياع وتسليم السلطة".
ورأى أن "خيار المواجهة المسلحة لن يجد مؤيدين من الشباب وعموم الشعب الليبي، خصوصاً بعد الدروس التي استخلصوها من صراعات السنوات الماضية"، مشدداً على أنّ هذا الخيار (المواجهة) "يطرحه السياسيون فقط، لجرّ الليبيين إلى مربع الصراع"، وهو خيار "سيبوء بالفشل".
من جهته، شدّد عضو مجلس الدولة، إبراهيم صهد، على أنّ اختيار باشاغا رئيساً للحكومة ليس مكتملاً، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "وجوب انتظار موقف مجلس الدولة منه في جلسة رسمية، وكذلك الموقف من التعديل الدستوري". وأوضح أن مجلس الدولة يجب أن يصادق على القرارين، بنصاب الثلثين زائد واحد، بحسب ما ينص عليه الاتفاق السياسي.
ويتساءل مراقبون عن جدية وهدف التقارب المستجد والمفاجئ بين مجلسي النواب والدولة، وهما الجسمان السياسيان اللذان لطالما مثّلا قطبي الأزمة في البلاد لسنوات. وبدأت خطوات التقارب بعد لقاء رئيسي المجلسين، عقيلة صالح وخالد المشري، في المغرب، مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، وهو اللقاء الذي لم يعلن عنه ولا عن نتائجه.
يكشف الدبيبة الخميس المقبل عن خطة لإجراء الانتخابات
تزامن ذلك مع أحاديث عن أن هذا التقارب دفعت إليه مصلحة قادة المجلسين في تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسط رغبة لهما بالبقاء في السلطة لمدة أطول، ما يستلزم وجود حكومة لقيادة المرحلة المقبلة، تكون رئاستها لشخصية مقربة منهما، وفي الوقت ذاته تكون لديها القدرة على الإطاحة بالدبيبة، الذي طالما مثّل منافساً قوياً لعدد كبير من المرشحين للرئاسة.
واختلفت آراء المراقبين حول آليات اختيار باشاغا. ووصف الأكاديمي والباحث السياسي الليبي، يوسف البخبخي، قرارات البرلمان بـ"الانقلاب الدستوري". وقال البخبخي لـ"العربي الجديد"، إن مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح، "وظّفا نصوصاً قانونية مشوهة للاستحواذ على كل السلطات وتشكيل حكومة مستنسخة للحكومة السابقة الموازية لحكومة الوفاق الوطني السابقة".
وأكد البخبخي استمرار شرعية حكومة الوحدة الوطنية استناداً إلى خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي التي تعطي الشرعية لحكومة الدبيبة للعمل إلى حدود 21 يونيو المقبل.
ورأى أنّ قرار تشكيل حكومة جديدة "هو تمديد للحالة الانتقالية، في حين كان الليبيون ينتظرون المضي قدماً لتوفير قاعدة دستورية عن طريق الاستفتاء على مشروع الدستور لإجراء الانتخابات"، معتبراً قرارات مجلس النواب التفافاً على إرادة مليونين ونصف المليون ليبي تسلموا بطاقاتهم الانتخابية.
ولفت البخبخي إلى أن "باشاغا أصبح حليفاً قوياً لعقيلة صالح وخليفة حفتر، ولن يكون عنصراً جامعاً لليبيين، باعتباره محسوباً على جهة سياسية كانت أحد أطراف الصراع".
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي الليبي ناصف الفرجاني، أنّ قرارات مجلس النواب جاءت بعد مسيرة من التوافقات، أغلبها خلف الكواليس وبعضها معلن، "لكن العديد من الأطراف أجمعت على أساسها على إنهاء حكومة الدبيبة، باعتبارها فشلت في حل العديد من الملفات وتورطت في الفساد وساهمت في عرقلة الانتخابات".
ورأى الفرجاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حكومة باشاغا "ستكون بمثابة حكومة تحالف الأقوياء" باعتبارها تحظى بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئاسة البرلمان والأطراف الفاعلة في الغرب الليبي"، مشيراً إلى أن "هذه الأطراف القوية استغلت حالة الفوضى والفساد التي تورط فيها الدبيبة وحكومته لتمرير مصالحها".
وشدّد المحلّل السياسي على أن نجاح الحكومة الجديدة "سيكون مرهوناً بحل الملف الأمني وفرض سيادة الدولة والقانون، بالإضافة إلى توحيد القوات العسكرية وكذلك دعم جهود لجنة 5+5 العسكرية المشتركة".
وتوقع الفرجاني ألا يقف الليبيون في صف الدبيبة الذي لن يستطيع الدفاع عن حكومة تورطت في الفساد، لافتاً إلى أن "التوازنات حتى في الغرب الليبي، تميل لكفة باشاغا، باعتبار انتمائه إلى مصراتة".
وفي السياق ذاته، أكد الناشط السياسي الليبي خميس الرابطي، أنّ الاتجاه لفرض باشاغا في المشهد الليبي بات أمراً واقعاً، مشيراً إلى عوامل عدة ستساعد على ذلك. ولفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن باشاغا ينطلق من خلفية أمنية وعسكرية، وهو ما يشكل "معطيات أولية لنجاح توجيه الحلف الجديد لمجلسي النواب والدولة وحفتر".
واعتبر الربطي أن باشاغا المتحدر من مصراتة، التي يتحدر منها الدبيبة أيضاً، "يمكنه إفراغ قاعدة الدبيبة وإرغامه على تسليم السلطة بشكل طوعي".
ورأى أن الدبيبة يواجه خطر تآكل قواعده الداعمة له، معتبراً أنه "بعد اختراق باشاغا لقاعدة مصراتة، يبدو أن الدبيبة يواجه فقدان شرعيته الدولية وتعويله على خريطة الطريق التي جاءت به". واستشهد بأنّه "بعد ساعات من قول الأمم المتحدة إنّها لا تزال تعترف بالدبيبة، عادت لتعلن أنّها أُخطرت بأنّ قرار تعيين باشاغا جاء بالتوافق بين المؤسسات الليبية".